الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

فتيّةٌ في عيد ميلادها المئة والخمسين

المصدر: "النهار"
رلى راشد
فتيّةٌ في عيد ميلادها المئة والخمسين
فتيّةٌ في عيد ميلادها المئة والخمسين
A+ A-

في ذاكرة طفولتنا صورة فتاة إخترقت المرآة الى الجانب الآخر، إلى حيث أقامَت العجائب. لم تغادر البنت الحاملة لإسم أليس الواقع المضجر سوى لآخر أكثر صخبا وحيث إستُثني السأم. تدثّرت حكاية "أليس في بلاد العجائب" بهيئة قصة الأطفال لكنها حمَلت في كنفها جميع سمات النص الأدبي العابر للتصنيفات، حيث قدر عال من النقد للمسلمات وحيث ثلة من الموضوعات المتشعبة، تبدأ من عزلة الفرد إزاء نظام العالم ومن سادية السلطة ولا تنتهي في جوارهما.
بدءا من غرضين هما باب ومفتاح، استنبط النص مروحة من المفاجآت المادية والذهنيّة أيضا، كأنه صندوق باندورا. وإذ يستدرجنا مبكرا لنسقط في حجر الأرنب تماما مثلما حصل لأليس، لا لبس من أن ما يلي السقطة ذهول خالص: ثمة نهوض وترحّل ومغامرات.
مئة وخمسون عاما على صدور كتاب البريطاني لويس كارول "أليس في بلاد العجائب" المُستلهم من شخصية واقعية. عاشت أليس العجائب بيننا ودُعيت أليس هارغريفز، وها إنها ترجع إلينا، بعد أعوام من الغفلية. حين توفيت في الثانية بعد الثمانين، في عام 1934، كانت السيدة قد ضاقت ذرعا من أن تعتقل في خانة التخييل، أرادت أن تعيش حقيقتها أخيرا. لهذا السبب صمّمت أسرتها على نزع هويتها عن مثواها الأخير، لتستطيع أخيرا أن ترقد بسلام. غير ان الذكرى الخمسين بعد المئة لصدور الكتاب الذي بدّل مصيرها، تستحق الإحتفاء والإنعطاف. في 2015، سيعاد لأليس ما لأليس، أي تلك الهوية الفردية التي تماهت مع هويات من حول العالم، في غضون قرن ونصف القرن. في 2015 يعاد ترميم مكان أليس الأخير وتُستدعى صنوتها المُتصوّرة والذائعة الصيت مرة إضافية.
في موسوعات الأدب رُصد للكِتاب مكان على ألق وليس لأسباب واهية. سبق النصّ من حيث البنية، المسرح العبثي والسوريالية، ويمكن الجزم انه جاء بجرعة لافتة من الفلسفة أيضا لاسيما حين نقرأ جملة من قبيل "لا يسعني أن أرجع إلى الأمس ذلك اني كنتُ شخصا آخر آنذاك" التي تعرّج على مسألة الزمن ومخلفاته والتي يمكن إلحاقها بلحظة سردية أخرى حيث تسأل أليس "ما هو مدى الأبد؟" ليجيب الأرنب الأبيض "أحيانا يبلغ ثانيةً فحسب". ها هنا شيء من الفلسفة إذا مثلما قاربها الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس "تنظيما لتناقضات المرء الأساسية".
يظنّ الشاعر والباحث الإسباني لويس ألربتو دي كوينكا ان "أليس في بلاد العجائب" ابتكر إحدى أكثر الأساطير الأدبية كونيّة وحيث كمّ من الرموز القادرة. والحال ان قيمة النص تتشكل في استيعابه لجميع التأويلات، كأن يقتحم المخرج الأميركي تيم بورتون فلك أليس سينمائيا حتى ويمدّها ببعد جنائزيّ يبدو انه لا يمتّ الى مخطوط الكتاب الأول، حيث تغزر رسوم شديدة الرقّة.
إنتقلت حكاية أليس إلى مئة وسبعين لغة لتصير مثالا نستدعيه كلما رغبنا في أن نُجيز لخيالنا بالشطط. كلما تركنا لتصوّرنا العنان تَحجّجنا باستعارة عن اختراق المرآة إلى مكان أبعد.


[email protected] 
Twitter: @Roula_Rached77

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم