الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ماذا بعد سجال "المستقبل" و"حزب الله" حول الوضع المستجد في عرسال وجرودها؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

عرسال ومصير المسلحين السوريين المتمركزين في جرودها والذين تضاعفوا عدداً وعتاداً بعد اجلائهم قسراً من مساحات شاسعة من جرود القلمون السورية في الايام القليلة الماضية، محور سجال عالي النبرة اشتعل أخيراً بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" مما اعاد طرح السؤال عن مصير "مؤسسات المساكنة والتلاقي" بين الطرفين (طاولة الحوار والحكومة)، واستطراداً عن مستقبل الوضع في البلدة الحدودية التي تضطلع بمزيج من الطوعية والقسرية بدور محوري في الصراع السوري وما يندرج تحته من صراعات فرعية.


ذروة السجال تجلت في الكلام الذي اطلقه أخيراً زعيم التيار الازرق الرئيس سعد الحريري والذي انطوى على رفض مطلق لأي مساس بعرسال تحت مظلة اي عنوان، وذلك في رد مباشر، ولو متأخر نسبياً، على كلام كان اطلقه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في آخر اطلالة اعلامية له، والذي دعا فيه الدولة والجيش الى فعل عاجل يدرأ الخطر المتوقع المتأتي من تحشّد المسلحين في الجرود اللبنانية قبيل ان يبادر الحزب الى فعل وقائي في هذا الاطار.
كلام الحريري كان محطة توقفت عندها ملياً دوائر القراءة والتحليل في الحزب ووجدت فيه عوداً على بدء ورغبة في التراجع عن تعهدات ووعود شرع التيار الازرق في السير بها منذ ان رفع الغطاء عن كثير من ظواهر الاضطراب ومظاهر التوتر في طرابلس وصيدا ومناطق أخرى، مما انهى حروباً استمرت أكثر من عامين وسمح للاجهزة الرسمية المعنية بتفكيك عشرات الخلايا والمجموعات ذات الصلة بالارهاب واعتقال أكثر من 400 عنصر محترف وقتل أكثر من 30 مطلوبا آخرين.
وأكثر من ذلك، تجد دوائر الحزب في ثنايا كلام الحريري الأخير عن عرسال عملية وضع لخطوط حمر من شأنها، في الحد الأدنى، تشجيع المسلحين على الكثير من الممارسات، وهو في الوقت عينه اسقاط لفحوى كلام قيادي "مستقبلي" آخر هو الوزير نهاد المشنوق والذي كان صريحاً في قوله أكثر من مرّة ان عرسال تقع في قبضة الارهاب.
في السابق عندما تخلى "تيار المستقبل" عن معارضته الشرسة والطويلة لكل اشكال التلاقي مع "حزب الله" وتشارك وإياه في حكومة المصلحة الوطنية ثم ارتضى الجلوس مع ممثليه الى طاولة حوار منذ اكثر من ستة اشهر برعاية عين التينة، ثمة من تحدث عن مسوغات أعمق من مسألة ربط النزاع والحفاظ على شبكة الامان والاستقرار الداخلي حدت بالتيار الازرق الى مبارحة قطيعته السابقة للحزب، وجوهرها الانخراط عملياً في معركة مواجهة الارهاب والالتزام بموجبات هذه المعركة خصوصاً في الداخل اللبناني.
وعليه فان الدوائر عينها تسأل: هل كلام الحريري الأخير مقدمة للتحلل من هذا الالتزام لا سيما ان الكل يقر بأن الموجودين في جرود عرسال لا يرقى الشك الى كونهم مرتبطين بالارهاب؟
واستطراداً الا يؤثر ذلك الكلام على مستوى الدعم المطلوب لمؤازرة الجيش في المعركة التي يخوضها منذ زمن مع الارهاب المتربص ويصد غزواته المتتالية التي بدأت منذ آب الماضي؟
فضلاً عن ذلك كله فان هذا الموقف برأي الدوائر عينها يطيح الجهود لإخراج عرسال من سطوة الارهاب وسيفه المصلت عليها منذ أعوام.
ومهما يكن من أمر فان ثمة من يخشى ان يكون السجال المتجدد افتراقاً رؤيوياً أعمق مستجداً بين التيارين الازرق والاصفر انطلاقاً من جملة تطورات أبرزها:
- التصعيد العالي المنسوب في الاقليم والذي تجلى بعد انطلاق الحرب في اليمن، وهي الحرب التي فتحت على نحو غير مسبوق احتمالات كارثية في الساحات اليمنية والعراقية والسورية وصولاً الى الساحة اللبنانية نفسها حيث ثمة مساع لتكريس معادلات وتوازنات جديدة وتهديم معادلات أخرى قديمة.
- ثمة رغبة لدى فريق معين في الحيلولة دون ان يكمل "حزب الله" مراحل الانجاز الذي حققه في جرود القلمون من خلال "تحرير" الجرود العرسالية من قبضة الارهاب.
في ضوء ذلك فان السؤال المطروح بإلحاح هو: ماذا عن التداعيات المحتملة لهذا الافتراق الرؤيوي الجديد المرشح للتمدد على مشهد الساحة اللبنانية، واستطراداً على مآل الوضع في عرسال وجرودها؟
لا ريب في ان مؤسسات المساكنة والتلاقي بين "المستقبل" والحزب مرت سابقاً بالعديد من الاختبارات والتجارب الصعبة وكان من الممكن ان تفجرها، ولكنها مع ذلك صمدت وواجهت حتى الآن، ولكن ثمة من بدأ يشكك في واقع الحال وشرع في طرح التساؤلات والفرضيات خصوصاً مع بروز المعطيات الآتية:
- اصرار "حزب الله" بحسب مصادر على صلة به، على استكمال المعركة الشرسة التي فتح ابوابها في القلمون حتى النهايات التي يراها طبيعية، وهي الا يسمح ببقاء اي مسلح في الخاصرة الجردية العرسالية. والحزب في هذا السياق يتصرف على أساس انه اعطى مهلة زمنية للدولة لكي تقوم بالدور المطلوب منها والا سيجد نفسه في حِلّ من اي التزام، وسيكون له حتما فعل آخر.
- وفي المقابل يبدو جلياً ان "تيار المستقبل" يوحي لمن يعنيهم الأمر انه اخذ قراراً حاسماً يمنع على الحكومة اتخاذ اي قرارات او خطوات مطلوبة ويحول دون احداث اي تغيير في عرسال وجرودها.
وفي حين ان بعض المراقبين المحايدين يرون ان كلا الطرفين يمارسان عملية عض اصابع من جهة ودفعاً للامور الى حافة الهاوية، فان آخرين يرون ان الأمور ربما تندفع بشكل تلقائي في اتجاه تصادم الارادات وتصادم الخيارات. وبعيداً من كل هذه القراءات فان الذين زاروا عرسال خلال الـ36 ساعة الماضية خرجوا بانطباع فحواه ان القاطنين هناك يتوجّسون شراً مستطيراً.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم