الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

بعد مئة عام فجر جديد

عبود يعقوب بوغوص
A+ A-

"ان قتل الأطفال والأبرياء هو جريمة في حق الإنسانية. ولا نستطيع تجاهل الواقع عن طريق إزالة الحقيقة. والوصية السادسة من الكتاب المقدس تقول: لا تقتل".
رجب طيب أردوغان هو من تفوّه بهذا الكلام، وهو ليس حفيداً لأحد ضحايا الإبادة الأرمنية. وليس أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في محكمة دولية، كما أنه ليس مبشرًاً مسيحياً يعطي دروساً في القيم والأخلاق، بل إنه الزعيم التركي الحالي الذي أعلن بهذا الكلام من على منبر دافوس العالمي عام 2009 دفاعاً عن خمسة عشر من أطفال وأبرياء غزة المظلومين، منقولاً بوسائل الإعلام العالمية، فرآه العالم وسمعه.
في مشهد ثانٍ نرى أن شطراً كبيراً من أبناء الأجيال المتوالية من الأتراك ظلوا يسمعون على مدى مئة عام من أهاليهم همساً حميماً مصحوباً بحرقة قلب عن حقيقة المظالم التي وقعت في حق مواطني آبائهم وأجدادهم.
ولكن الهوة ما زالت واسعة بين الشعب التركي وحاكمه الذي اعتقد أن تملّك الحضارة هو باستبدال الحرف العربي باللاتيني، وارتداء الزي الغربي، واستعمال التكنولوجيا الحديثة، والنجاح الصناعي والسياحي. متجاهلاً أن الحضارة الحقة هي الارتقاء الروحي والفكري للإنسان الذي يتجلّى بإرساء مبادئ العدل وحقوق الإنسان وتبنّي ثقافة التنوع وقبول الآخر والاعتراف بالخطأ.
أضحى جلياً للمواطن التركي أن أتاتورك الذي معناه أبا الأتراك لم يكن أباً لمواطنيه جميعاً، و"حزب الاتحاد والترقي" كان حزب البطش والتخلّف، والعلمانية التي نادوا بها، كانت تعصّباً وإجراماً فاق تصرّف السلاطين، كل ذلك أدى الى إعلان الجمهورية التركية التي توالى على رئاستها من يرفض الحقيقة.
- وفي إضاءة ثالثة أيضا نلحظ كتّاباً ومفكّرين أتراك نزهاء يرون من الأساس أن إطلاق اسم تركيا على هضبتي الأناضول وأرمينيا المتجاورتين يشكّل مغالطة لحقائق جغرافية لا تمحوها آلاف السنين. لقد كانت أكثرية الأناضول أتراكاً، ومعظم شعب هضبة أرمينيا أرمنياً. "فالأجدر كان إطلاق اسم جمهورية الأناضول وليس الجمهورية التركية" على حد قولهم. هضبة أرمينيا هذه كانت تشمل جبل آرارات ونهر أراكس وبحيرة ومدينة فان ومنابع دجلة والفرات ومئات المدن والبلدات الأرمينية وصولا الى البحر المتوسط.
كانت هذه الحقائق الجغرافية الركائز التي قامت عليها معاهدة سيفر عام 1920. فإن كانت الحقائق التاريخية الدامغة والكافية تعتمد على الروايات والمستندات وشهادات المؤرخين والسفراء والقناصل، فإن الحقائق الجغرافية نلمحها في المراجع في دقيقة واحدة ولا تتطلب جهداً للوصول إليها فهي خلاصة التاريخ وعنوانه. هذه الجغرافيا ستبقى صارخة أن محو أرمينيا الغربية (التركية) من الخارطة هو مستحيل. كفاكم يا حكام تركيا تنوؤون تحت هذا الحمل الثقيل منذ مئة عام، تصالحوا مع ماضيكم واعترفوا طوعاً بالإبادة.
هذا الاعتراف الطوعي والشجاع سوف يستجلب لكم تهاني العالم أجمع وإكباره وسوف يكون لصالح تركيا ومستقبلها وهو خير لها من حكم يصدر من محكمة دولية غيابية تُعقد آجلا أم عاجلا، حكم يدين كل من أمر ونفّذ وساهم في الإبادة. وبحسب القانون الدولي يطال ويدان أيضاً كل من تستّر وأنكر ذلك من حكام تركيا منذ تاريخ الإبادة حتى آخر يوم.
اعترفت بجريمة الإبادة دول في أوروبا والقارة الأميركية وغيرها الى جانب مجالس تمثيلية وإدارات محلية كان آخر هذه الاعترافات عندما أعلن قداسة البابا فرنسيس إدانته الإبادة من الفاتيكان، أعلى منبر في العالم، أمام الأرمن المتقاطرين من جهات العالم الأربع يتقدمهم بطاركتهم الأجلاء ورئيس جمهورية أرمينيا هادماً سوراً مانعاً ففاجأ الأتراك معطياً زعماء العالم مثلا في الجرأة والوضوح كي تقال "النعم، نعم" بلا مواربة ولا تأجيل.
وما إعلان عام 2001 الأرمني الشهيد المطران مالويان طوباوياً في الكنيسة من قبل البابا يوحنا بولس الثاني هادم الشيوعية، إلاّ إثباتاً أن المليون ونصف المليون أرمني الى جانب مئات الآلاف من السريان والكلدآشوريين واليونان كانوا ضحايا أبرياء لإبادة جماعية هزت العالم.
أيها الأرمن في كل مكان، إن المئوية التي نحييها هي فجر مضيء يطلّ على قضيتنا التي هي اليوم في عزّ يقظتها وحيويتها في كل بلدان العالم وخصوصا في لبنان.


ممثل الأرمن الكاثوليك في اتحاد الرابطات المسيحية

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم