الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مسرح - مقطع غير منشور من مقتل ريمون جبارة

ع. ع.
A+ A-

ريمون (ملتبساً عليه الواقع، ومتوهّماً أنه لا يزال في البيت، في حين أنه يعالج سكراته الأخيرة في المستشفى. ينادي السيدة السري لانكية مالا، التي يعتبرها مديرةً لأعماله): مدام مالا، ودَّيتيلي المقال بالفاكس، للـ"نيوز بايبر" (الجريدة)؟ تأكّدي إنّو وِصِل. إذا تأخَّر، وما راح عا المطبعة، بيقاصصني هَيدا الزلمة إلّلي اسمو عقل العويط. بدِّك تقولي، الكلام بيناتنا، أخوت، ما بيتحاكى. بَعدين، إنتي بْتَعرفي أكتر من غيرِك، باعتبارك مديرة أعمالي، إنّي إذا ما كتبت، بْتخرَب الدني. لا... مش شايِف بحالي، ولا عَم زيدها. أبداً. الكلّ بيكونو ناطرين مقالي. لو بِتْشوفي شو بيزقْفولي. وبِيهَنّوني. وأنا، ما بعاد صدِّق حالي. وبصير اتمختر متل شي رجّال بيشتغل بالسياسة. متل شي واحد عندو شبكة تهريب، وبادي غارد. أو متل شي موظّف حكومي. بْطِير كأنّي عصفور بالهوا. بِسْكَر. بدِّك تقولي، بْصِير شخص تاني. يعني متل شي واحد، ما شايف مرا بحياتو. وشاف هونيك شغلي، وغِشِي...
(لحظة صمت) عا فوقا، حَدا تَلْفَنْلي من الإذاعة؟ لازم إحكي مع ستّي. ضروري. مستعجل. بدّي وصّيها إنّا تحكي معو بمسألة خطرة ومهمّة. الدقّ محشور، والموضوع ما بيتأَجَّل. ما خبّرتِك: مبارح كنت ماشي، ومعي العصا. تفركشت بتنكة زبالة، وما عاد إقدر قوم. مرق واحد ختيار وفكّرني شحّاد، عطاني ألف ليرة. طبعاً ما أخدتا. ساعدني تا أوقف. كتِّر خيرو.
(لحظة صمت) عَم تِسألي مع مين بدّي ياها تحكي؟ معو هوّي. ما حدا غَيرو. شو اسمو؟! ما بِقْدر سَمِّيه. بيقْتلوني. يمكن حدا بيسمعنا. الحيطان إلْها دِينَين. وبتقشع كمان. التلفونات مراقَبة، متل ما بتعرفي. هَودي الجماعة، عِنّا مِنُّن كتير. إي إي. يا لطيف. ومِن كلّ الطوايف والمذاهب. بس الوضع حلو هيك. لذيذ. بدِّك تقولي: سكسي! بَعدين، ضروري يكون هيك. بها الحالة ما حدا بيزعل من حدا.
(لحظة صمت) ما عم تفهمي عليّي؟! ما عم تعرفي مين هِنّي!؟ ولو! هَودي إلّلي بيسمّوهن دواحش. هنّي ذاتُن، هَون وهونيك. عا التمام، إي، إي، متل إيّام الحرب وخطوط التماس عنّا. مش فايقة عا البيكنيك إلّلي عملناه مرّة عا خطوط التماس؟ كان حلو كتير، ما هيك؟ اليوم، البيكنيك هوّي ذاتو، يمكن فيه سوسبينس أكتر. ولو بتشوفي، عندن طرق وأساليب جديدة. مودرن، بدِّك تقولي. إي. إي...
(لحظة صمت) بعدِك عم تسألي، مين هنّي؟! ما فهمتي عليّي؟! هَودي إلّلي مفكّرين حالهن الله. أو، تواضعاً، بيقولوا إنّن مندوبين إلو، هَوني، عنّا، عا الأرض. وبيمثّلوه كمان. وبيحكو باسمو. ولو بتعرفي، بيطَلّعو فتاوى غبّ الطلب. إذا بدِّك واسطة معو، هيّنة كتير كتير. إي. إي. صحيح. متل ما عَم تفكّري. هودي الّلي معُن سلاح. وبدّن يشيلو اسرائيل، ويمَحّوها من الوجود. بدِّك الحقيقة، يا ريت، بتكون هيدي هيي الحقيقة. عا القليلة، منشوف حالنا بشي شغلة بترفع الراس. عا كل حال، هَودي هِنّي ذاتُن، بيلبْسو وجوه تانية. بتعرفي، عندن شغل برّا. وَين؟ بكتير مطارح. عند الجيران. وعند غيرُن. كمان، وجوهن التانية، حلوة كتير. يا ريتِك شفتيهن، هنّي وعم يكسّروا التماثيل، وينْهَبوا المتاحف، ويدْبَحو الناس، ويهَجّروهن من بيوتن، وأحيان كتيرة بيتزوّجوا بناتُن بالطريقة الشرعية. ومرّات بدون زواج. اغتصاب يعني. بس، انتبهي، كلّو باسمو تعالى.
(لحظة صمت) ليش مسكّر راسِك اليوم، كَ مدام مالا؟! مش عم تسمعي أخبار، وتشوفي التلفزيون؟! عا فَوقا. اعطيني التلفون. بدّي تلفِن لأبو الميش. آلو كيفك؟ في شي جديد بالنسبة للرئيس؟ شو؟! بعدُن مْعَنّدين، الجماعة؟ وعا حالُن؟! يعني، بعدنا مطرح ما كنّا؟! ما صار في تحسُّن ولا شوي بها التفاهم الجديد، بينك وبينن؟! يه. يه. يه. هودي جرديّي، روسون (رؤوسهم) حجار، ما بتتكسّر. دقّ المي مي. بعدين، ما بيعرفو بمصلحة البلاد. يخرب بيتُن. حدا بيصرْلو يكون عندو رئيس متل ها الرئيس، وبيضلّ مْعَنَّد؟! عم يقولو إنّو لبنان ما بينْحَكَم هيك؟! يا عيني عليهُن. ليش، كيف بينْحَكَم؟! ما طول عمرو عم يندار بها الطريقة. في حدا بيرْبَح. وفي حدا بيخْسَر. ديموقراطية، بدِّك تقولي! مش مهمّ كيف. بالتزعبر، بالقوة، بتبويس الأيادي. بالمصاري، بالتدخل الأجنبي، أو الأخوي، أو بشي تاني (مع غمزة). ووقت الواحد بيركَب عا الكرسي، بيصير يتسلْبط عا حالو، وعا التاني. ما فِيَا شي. وبيصير يجيب جماعتو. هنّي ذاتُن. الزلم زلم. مخابرات، وتياب كاكي، ورجال صلا، كل واحد قدّ الدني. وإذا قصّر الريّس شوي، وما قِدِر يقلِّع. بسيطة. الحل موجود. هوّي، يفتح تمّو بس. الكل بيصير تحت أمرو. بيكْفي تلفون. إشارة. بالوَما. وإذا بدّو، بيحكي مع سيادتو. خطّ مفتوح. إي. إي. سيادة الرئيس. جارنا. الباب بالباب. ما غَيرو. وحدة حال، نحنا ويّاه. بدّك تقولي، شعب واحد ببلدَين.
عا فوقا، وينو شعب لبنان العظيم، ما بيقوم عليهُن؟! العَما بقلوبُن... (لحظة صمت) يه! انقطع الخطّ! مع إنّو أمور التلفون بإيد صاحبنا الوزير، وهُوّي منّا وفينا، الرجّال كورّيكت عن جدّ، وصديقي، وما بيعمل هيك زعرنات. آ. فهمت. باردون. ما تواخذنا يا معالي الوزير. الصهر بعد عندو ناس بالوزارة من هيديك الإيام؟! فهمت. فهمت. خلص. ما تواخذنا...
(لحظة صمت) مدام مالا. فيكي تتصلي بمعالي بو فاعور. رقمو عا الطاولة عندك. حدّ المراية. بدّي أتشكّرو عا زيارتو. كان كتير مهذّب. ومهضوم. كمان. بيحكي بالقاف. جرّبت قلّدو، تفرْكَشوا الحَكْيات بِتِمّي. جيت بدّي إضحك. استحيت. بالحقيقة، أنا كتير ممنونو. عا القليلة، إجا لعندي بالليل بدون طبل وزمر. ما كان معو ولا سيارة مفيّمة (زجاج أسود). وِصِل هوّي وشخص تاني. ضلّ التاني تحت. ما طلع. لَيكي، شو لايِق! جاب معو حكيمة تا تفحصني، وتشوف وضعي. وحدو طلع، بدون مرافقة، ولا تلفزيونات وصحافيي ومصوّرين... بتعرفي شو يعني إنّو يجي وزير، طول وعرض، بدون هَودي كلّن؟! مش قليلة، يا عمّي!
مدام مالا، قرّبي شوَي. بدّي وَشوشِك. ما تقولي، لا لمرتي، ولا للولاد. الكلام بسرِّك، تعبان كتير. يمكن أكتر من كلّ مرّة. قَولتِك، قرَّبِت هيديك الشغلة؟! يا ريت بتجي النهاية. مش فرقانة بقا معي. من زمان، مش فرقانة معي. بس إذا مِتِت، أوعا حدا يِقبَل مَعُن يحطّولي نيشان عا صدري، أو عا التابوت. وإذا لاسبدّ، بدُّن يعملو شي من ها النوع، يبرموني عا ضهري، ويحطّو النيشان عا طيزي. وإذا ما بيجوز يعملو هيك بالكنيسة، يحطّوه قريب من هونيكي مطرح. كنّارة، بيسَمّوه إخواننا بالجبل. هلّق مش ضروري نسمّيه. عيب.
بترجّاكي تسخّنيلي موي. بدّي دَفّي اجريّي. بردان، وحاسس إنّي عم جَلِّد. جسمي عم ينمّل. شي متل الخَدَر. متل الموت، بدِّك تقولي. شو؟! ما في كهربا؟! قَطْعوا الخطّ، لأنّو ما دفعنا إجرة الموتير؟! ليش ما سخّنتو الموي عا كهربة الدولة؟ كمان، قَطْعو الخطّ لأنّو ما دْفَعْنا؟! طيِّب. طيِّب. اعملي معروف، اطلبيلي النيوز بايبر. بدّي إحكي مع الخواجة كوكو. هيدا بيحبّني، وعا طول بيتفهّم وضعي، وبيسأل خاطري. آلو... كيفك أبو الكوك. في شي اليوم من الّلي بفكرَك منّو؟ شو عم تقول؟! بعد بكّير؟! ولو يا أستاذ، ما بقا فيّي انطر. بدّي أدوية. وسواكير. ومرتي لازم تشتري شوية غراض للبيت. بدَّك تقول، بَلا مَستَحا من حضرتك، ما بقا في عِنّا شي بالبرّاد، يا زلمي. لا خبز. ولا جبنة بيكون. ولا خسّة. كل يوم الدكّنجي بيقول للستّ مالا، إنّو لازم ندفعلو. لولا الحيا، ولولا الجيران الّلي كانوا عندو بالدكّان، كان كَحَتْها مبارح. قال إنّو الدفتر ما بقا يساع. أيا دفتر؟! دفتر الديون. ولو يا مسيو كوكو؟ ما إنتي سيد العارفين...
ريمون (يسترجع انتباهه الأخير، مدركاً أنه ينازع في المستشفى. يرنّ الجرس المعلّق فوق السرير، طالباً الممرضة، أو الراهبة. لا أحد يردّ. يحاول أن ينادي، لكن من دون جدوى. يختفي صوته في حنجرته، ويُسدَل الستار).

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم