الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

فتفت في ندوة للقوات في البترون: هل آن الآوان لطرح حياد لبنان؟

المصدر: "النهار"- الشمال
فتفت في ندوة للقوات في البترون: هل آن الآوان لطرح حياد لبنان؟
فتفت في ندوة للقوات في البترون: هل آن الآوان لطرح حياد لبنان؟
A+ A-

نظمت منسقية البترون في حزب "القوات اللبنانية" وبالتعاون مع الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار، ندوة سياسية بعنوان "دور لبنان إزاء تحديات وتطورات المنطقة"، في قاعة ملعب منتجع البترون "فيلاج كلوب"، شارك فيها النائبان أحمد فتفت وفادي كرم، عضو الأمانة العامة في قوى الرابع عشر من آذار النائب السابق سمير فرنجية، وفي حضور ممثل وزير الاتصالات النائب بطرس حرب نجله مجد، عضو كتلة القوات النائب أنطوان زهرا، ممثل النائب سامر سعاده رئيس إقليم البترون الكتائبي لحود موسى، منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد، المطران بولس اميل سعادة، قائمقام البترون روجيه طوبيا، رئيس بلدية البترون مارسيلينو الحرك، رئيس رابطة المخاتير حنا بركات، مديرة "الوكالة الوطنية للاعلام" لور سليمان صعب، مأمور نفوس البترون مارلو كفوري، عدد من المخاتير، رؤساء بلديات، منسق القوات في البترون شفيق نعمه وممثلو أحزاب وتيارات وقوى 14 آذار وفعاليات.


بعد النشيد الوطني ونشيد القوات، رحب نعمة بالحضور وقال: "أي دور قد يكون للبلد الصغير في هذا الصراع الكبير العالمي والإقليمي؟ أو قد نكتفي بتعييرنا بما نحن فيه من إنقسام وتشرذم وطني لينهينا عن تلاوة مزاميرنا على الآخرين. أو ربما ننتبه نحن من تلقاء ذاتنا الى أننا أعجز من أن ننتخب رئيسا لجمهوريتنا وأوهن من أن نجد مؤسساتنا الدستورية ونصون ديموقراطيتنا وحياتنا السياسية. كل ذلك يبقى أخف وطأة مما قد يجابهنا به متهكم ساخر يذكرنا بدور يلعبه فعلا لبنانيون في "أزمة أزمات المنطقة" لحماية ديكتاتور سفاح ونظامه اللاإنساني المتخلف. فيرجونا عندها ألا نكلف خاطرنا عناء عمل أي شيء أو لعب أي دور إذا كانت الأدوار من هذا النوع".


أضاف: "للحقيقة لا بد للمرء أن يتساءل، على ضوء واقع إنحطاط حياتنا السياسية اللبنانية اليومية، بفعل ممارسات الدويلة المدمرة للكيان والنافية للحياة السياسية والمصادرة للقرار الوطني بقوة السلاح والقمصان السود والتهديد والترهيب، والتي تملي سياسة لبنان الخارجية وتعربد في تخريب علاقات لبنان التاريخية بالبلدان العربية الشقيقة".


ريشا


ثم أدار الندوة مدير إذاعة الشرق كمال ريشا، فتناول الأدوار التي لعبها لبنان عبر تاريخه وسأل: "أي دور للبنان اليوم بعد أن خسر الكثير من وظائفه السابقة؟ فالجامعات لم تعد حكرا على بيروت، ولا المسارح ولا دور السينما ولا الصحف ولا حتى التجربة الديموقراطية التي كنا نتغنى بها، فالعراق ينتحب تحت القصف وكذلك تونس ومصر ولبنان لا يجد فرصة لتجديد مجلسه ولا حتى لإنتخاب رئيس؟"


أضاف: "إذا كان لبنان اليوم ما زال يلتمس طريق الخروج من الأزمات التي تستولد بعضها، إلا أنه ما زال يحافظ على وظيفة بنيوية لطالما ميزته في محيطه، وهي نظام العيش المشترك بين اللبنانيين من طوائف ومذاهب مختلفة. فلبنان هو البلد الوحيد في محيطه والعالم حيث يتشارك المسلمون والمسيحيون إدارة الدولة ونظام الحياة، إنها ميزة لبنانية يجب أن نعمل على رعايتها وصيانتها وتفعيلها لتكون نموذجا لحل أزمات دول الجوار والأزمات الناشئة في المجتمعات الغربية من الطبيعة نفسها، أي تعايش مواطنين من مشارب دينية مختلفة في حيز جغرافي وقانوني وإجتماعي واحد".


فتفت


بعدها، أشار النائب فتفت الى أنه "ومنذ بداية القرن وحرب الخليج الثانية وسقوط العراق، والمنطقة تعيش تطورات متسارعة أشبه بمنعطفات إستراتيجية تتوالى بوتيرة ثابتة ومعطيات تؤشر الى مرحلة مضطربة طويلة الأمد ".


أضاف: "بعد العراق جاء دور لبنان وإغتيال الرئيس رفيق الحريري في محاولة لوقف المد السيادي فكانت دافعة له. ولكن هذا المد جوبه سريعا بالدور الداخلي والإقليمي لحزب الله الذي كان أوهم الجميع أنه مسخر لمجابهة العدو الإسرائيلي، فإذا به يتحول تدريجيا الى ميليشيا داخلية تحاول السيطرة على السلطة (إقفال الوسط التجاري- محاصرة السرايا - إقفال المجلس النيابي - إجتياح بيروت - إسقاط حكومة الوحدة الوطنية بالقمصان السود ...) ومن ثم بدأ هذا الحزب بلعب الدور المرسوم له فعلا أي قوة عسكرية مرتبطة جذريا بالمشروع الإيراني التوسعي، شبيه الإمبراطورية الفارسية المتمددة من طهران الى بغداد ودمشق وبيروت حتى صنعاء.
كانت الأمور تبدو قدرا قد رسم للمنطقة :
1 - أمن إسرائيل الإستراتيجي تأمن على الأقل لمدة 25 سنة، وربما أكثر، عبر نزع السلاح الكيميائي من سوريا ومنع إيران من التوغل في طريق صنع القنبلة النووية.
2 - بداية العودة الى علاقات دولية طبيعية (إطار الإتفاق ) مع إيران تسمح لها بلعب دور سياسي وإستراتيجي واسع في المنطقة على حساب جيرانها العرب، طالما أن أمن إسرائيل الإستراتيجي قد ضمن .
3 - إنكفاء أميركي عن المنطقة لمصلحة الإنتشار الأمني والإقتصادي في شرق آسيا وعجز أوروبي عن تأمين أي بديل ممكن لأسباب بنيوية وإقتصادية وإجتماعية وتاريخية.
4 - عجز عربي فاضح أهم أسبابه خروج مصر منذ " إتفاقية كامب ديفيد" من مفهوم الإستراتيجية العربية، علما أن مصر لم تجن من ذلك الا ضمورا في دورها على الصعد كافة وشبه إنهيار إقتصادي.
5 - ربيع عربي حقيقي ولكنه متعسر بنظر الكثيرين لعدم قدرتهم على فهم عمق التطور الإجتماعي والثقافي والسياسي المتفجر في هذا الربيع بشكل فوضوي مؤلم ، كحالة كل الثورات الحقيقية في العالم ( الفرنسية - الروسية ...) قبل أن تترسخ فيه مفاهيم التطور السياسي التاريخي القادم لا محالة".


وتابع: "نعم بدا وكأن ما رسم قد رسم، وأن تقاطع المصالح الإسرائيلية الإيرانية في المنطقة يتلاقى ومصالح موجات التطرف الإسلامي. فأضحينا أمام مثلث خطر في مشاريع ثلاثة متداخلة متكاملة متنازعة متقاطعة: صهيوني ذات طابع يهودي في فلسطين. دولة إسلامية إيرانية تتلطى خلف المذهب الشيعي في مشروع إمبراطوري فارسي واضح. دولة الخلافة الإسلامية في الرقة التي تغطي بجرائمها كل جرائم الديكتاتوريات وتحديدا جرائم بشار الأسد التي تفوقها بشاعة.
لم يكن الكثيرون، حتى لا أقول أحدا، يتوقع الإنتفاضة العربية الجامعة والعودة السريعة لمصر الى حضن التنسيق العربي مع دول الخليج بعد المصالحة السعودية القطرية وعملية "عاصفة الحزم" العسكرية في اليمن والسياسية في مجلس الأمن ( القرار رقم 2216)
بالتأكيد ما سمي "بعاصفة الحزم" شكل منعطفا جديدا أعاد بعض التوازن الى الدور العربي، رغم أنه أثار ثائرة إيران وأتباع المشروع الفارسي تحديدا في لبنان" .


وأردف: "نعيش اليوم في لبنان والمنطقة، هواجس ومخاوف كبيرة من صدام شامل قد تكون إنعكاساته اللبنانية خطيرة جدا، في وقت تشتعل براكين المنطقة دون هوادة في سوريا والعراق.
والسؤال المرحلي هو كيف يمكن حماية لبنان من هذا الآتون المشتعل أو على الأقل تأخير قدومه الى لبنان ؟
جزء مما نشهده على الصعيد السياسي، وتحديدا موجة الحوارات، يجب أن نرى فيه وعي ورغبة جامعة من أن لا يعود لبنان ساحة إحتراب وتقاتل، فتجربة الحرب الأهلية المدمرة، على الصعد كافة، ما زالت ماثلة أمامنا والدمار الهائل في العراق وسوريا خير رادع".


وتابع: "أما السؤال الحقيقي ببعده الإستراتيجي هو كيف يمكن حماية لبنان من أن يكون الصدى الدائم لكل ما يحدث في المنطقة ؟ تمكن إتفاق الطائف من ترسيخ مفهوم "العيش المشترك" والمناصفة كمدخل لبناء دولة تليق بهذا المسمى في لبنان. وتطورت الحوارات اللبنانية لغاية الوصول الى "إعلان بعبدا" في حزيران 2012 مكرسا تفاهما وطنيا عاما وافق عليه الجميع وتلاه في حينه الرئيس بري شخصيا. مع أسفنا أن حزب الله، كعادته، تراجع عنه سريعا جدا وصولا الى وصفه "بالكذبة الكبيرة" ليسمح لنفسه بزج ميليشياته، وتاليا لبنان، في حروب إيران التوسعية وخدمة المشروع الإمبراطوري الفارسي".


وقال: "إذا عدنا الى الوراء منذ بعيد الإستقلال وحتى اليوم لرأينا تكرارا مريبا، بصور مشابهة، ولكن بأطراف لبنانية مختلفة منذ الحقبة الناصرية حتى التحالف مع الفلسطيني مرورا بالمرحلة الإسرائيلية ثم الوصاية السورية وصولا الى زمن المشروع الإيراني ...حلقة مفرغة وتكرار ممجوج لا يكرر الا الدمار وتقدم فكرة إنحلال لبنان كدولة ورسالة في هذا الشرق المتصارع. فهل من مخرج حقيقي لهذه الدوامة المرعبة ؟ هل الطائف بعيشه المشترك وتأكيد عروبة لبنان كاف؟ هل إتفاق بعبدا والنأي بالنفس وتحييد لبنان عن النزاعات الحالية كاف ؟ لم تثبت تجارب العقود الماضية أي نجاعة لكل ما سبق في إبعاد أهوال المنطقة عن لبنان. الطائف وعدم إستكمال تطبيقه أكثر من مهم على الصعيد الداخلي لرؤية النواقص، إن وجدت، ومعالجتها. إتفاق بعبدا إن طبق، وكذلك القرارات الدولية وتحديدا الــــ1701 ومندرجاته لهم القدرة على تجنيب البلد إنزلاقات خطيرة ".


وختم: "أما آن الآوان لطرح الأمور بجذرية تمنع تكرار المعاناة اللبنانية المزمنة؟ وهل يمكن لوطن يدعى لبنان أن يكون دولة ذات سيادة في خضم كل الصراعات التاريخية في المنطقة ؟ هل آن الآوان لطرح " حياد لبنان" ؟
لا أطرح هذا السؤال من باب التمني أو التبني أو التعجيز أو الإستفزاز، بل من باب أن تكون لنا الجرأة لمناقشة أية أفكار إنقاذية، دون خلفيات مسبقة، وحياد لبنان إحداها".


كرم


ثم كانت كلمة النائب كرم، أشار فيها الى "دور لبنان المميز بالتنوع في ظل التحديات والتطورات والتحولات المصيرية في المنطقة، يتأتى من ميزته المتمثلة بالتنوع، والتي تشكل جوهر وروح " الشعب اللبناني"، إن أهمية هذا التنوع تتمثل بوجود المجتمع اللبناني المسيحي الحر، الذي أضاف لميزة التنوع، ميزة أخرى أساسية، وهي حمله "لرسالة"، ولأنه يحمل رسالة وجودية وإنسانية، فمسؤولياته مضافة، ولذا سأحاول اليوم الإستغاضة، بهذا الجانب من الدور اللبناني، خلال هذه الفترة الزمنية التحولية".


وتابع: "لأستدرك فورا، فأقول، أن لا دور للمسيحيين من دون المفاهيم اللبنانية المشتركة، كما لا وجود للبنان الدولة من دون الدور المسيحي الفعال. ولأنها معادلة كبيرة ومهمة، فمهمة اللبنانيين كبيرة ودقيقة. فقد قال السيد المسيح: "إن من أعطي كثيرا يطلب منه الكثير ".
فقد أعطانا الله، الكثير الكثير، فلن نرتضي كمسيحيين لأنفسنا أدوارا صغيرة ومذلة، فلسنا بحاجة لحماية من إرهاب قمعي ضد إرهاب غبي ومجنون، فتاريخنا مليء بصفحات من البطولات والإنجازات والمبادرات، فكما كان دورنا أساسيا في النهضة العربية الأولى، سيكون أساسي في النهضة العربية الثانية الآتية لا محالة، كما في النهضة الإنسانية التعايشية. وأكبر عدو للمسيحية: الغرائزية والتراجع والخوف والإستسلام".


أضاف: "ها هي مجتمعات العالم أجمع، تقف محتارة أمام أزمة تنوع الحضارات، فقد وصلت هذه المجتمعات لصراع الحضارات، ومن هنا يأتي دورنا في تقديم النموذج اللبناني التعايشي، لنستطيع بعد ذلك أن نصلح العلاقات بين الحضارات، ولنقدم من تجاربنا الغالية الأثمان مبادرات لتحويل صراع الحضارات، الذي نشهده في العالم حاليا، إلى حوار الحضارات وتفاعل الحضارات، الذي نؤمن به كلبنانيين، والذي يجب أن يكون هدف اللبنانيين المسيحيين، من أجل الوجود ومن أجل الإستمرار، ومن أجل التصالح مع الذات والصدق مع التعاليم والمفاهيم.
إن اللبنانيين المسيحيين هم المخولون من بين المسيحيين في العالم، لهذه المهمة الإنسانية، فالمسيحيون العرب تعودوا العيش بحمايات مزيفة وبذمية قمعية، أما المسيحيون في الغرب فتعودوا العيش بعيدين عن الحضارات الأخرى. ولذلك، فالمواثيق اللبنانية والتجربة المسيحية اللبنانية تصلح أن تكون النموذج الأصلح للعيش المشترك المبني على الإعتراف بالآخر، كما هو الآخر وليس كما نريده أن يكون، وتصلح لإعطاء المعنى الحقيقي لحماية الذات وللحفاظ على الخصوصيات وللتفاعل الإيجابي مع الآخرين. إن هذه التجربة الغنية، تستطيع أن تكون العامل الأساسي لإقناع الجميع لتحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية المدمرة، وإن دور اللبنانيين المسيحيين أن يقنعوا إخوانهم اللبنانيين من الطوائف الأخرى بضرورة الحياد (الذين لم يقتنعوا حتى الآن)، كي لا يصبح لبنان سلعة بيد القوى الدولية والإقليمية، ولكي نحصن لبنان من الوقوع بيد الإستغلاليين، أصحاب المشاريع التوسعية".


وتابع: "الحياد للبنان كان دائما ضرورة عربية خاصة عندما إختلفوا، إلا عندما حاولت بعض الأنظمة العربية إستعمال لبنان ضد أنظمة أخرى، فسقط لبنان وتفجر، فكيف بالأحرى الآن عندما أصبح العرب مشردين، متقاتلين، ومتفرقين، ودخل عليهم من الفرس والترك.
فكما أسقط سابقا اللبنانيون المسيحيون المشاريع الغريبة التي إستغلت آلام الفلسطينيين ومعاناتهم، وشرذمة اللبنانيين وضعف نظامهم، يستطيعون الآن، بالتعاون مع الأحرار من كل الطوائف، إسقاط كل المشاريع الغريبة المناقضة للوجود اللبناني والمسيئة لصيغته، والمتضررة من مفاهيمه. وإن التاريخ لقريب، فثورة الأرز ماثلة، فقد أسقطت مشروعا لإلغاء لبنان، تحت مسمى " شعب واحد في بلدين" وستسقط مجددا مسمى آخر ثلاثيا، وجد لإلغاء لبنان، وهو " شعب، جيش، مقاومة" لقد أسقطتهم ثورة الأرز لصالح الثوابت اللبنانية، المتمثلة بثلاثيتنا " حرية، تعددية ومساواة في المشاركة ". حرية، ليست حرية العيش، لأنه تعبير حيواني، بل حرية المعتقد والوجود، التعددية، ليست تعددية الألوان الفولكلورية، لأنها تجميلية، بل التعددية الفكرية. والمساواة في المشاركة، ليست المشاركة الصورية، لأنها خداعية، بل المشاركة في القرار والمصير والمسؤولية".


ورأى أن " شرط نجاح هذه الشعارات الثلاثة السامية، هو الإنتماء للبنان، الإنتماء فقط، للإستراتيجية اللبنانية، الشعار الأسلم والأصلح، هو شعار " لبنان أولا وأخيرا" وذلك يتأمن بالديموقراطية التوافقية لا العددية، ولكن الإيجابية لا السلبية التعطيلية. فبالتفاهم والعلم والمعرفة يستمر لبنان، لا بالإستقواء بالسلاح والعدد والمال، تماما كما قال شارل مالك: "إن الوجود إنما هو بالقوة، والقوة ليست بالسلاح أو بالعدد أو بالمال، بل بالعلم والمعرفة".
كما يتأمن شعار "لبنان أولا وأخيرا" برفض الإرهاب بكل أشكاله، فالإرهاب والقمع هما وجهان لعملة واحدة، فالتطرف إبن القمعية، والإرهاب نتيجة للظلم. فلا يتوهمن أحد أن نظاما قمعيا قد يكون أفضل من منظمات إرهابية مليئة بالمرتزقة وغنية بالمؤامراتْ، ولا يتوهمن أحدا من المسيحيين أن خلاص المسيحيين وسلامهم سيكون بالتحالف مع مشاريع توسعية، وهمية، تحاول الإيهام بقوتها وقدرتها.
عندما نشأ لبنان على شعار، "لا شرق ولا غرب" كان شعار حفظ للبنان السلام، حتى أتت مشاريع غريبة حاولت ضرب هذا الشعار، وإن إحلال السلام الآن في لبنان والمحافظة عليه لا يكون إلا بتحييد لبنان عن المحاور، وعدم السماح بأن يكون لبنان ممرا ومنطلقا، أو مقرا للمؤامرات ضد أحد. وأول شرط لتحقيق هذا الأمر، كي نستطيع أن نقدم بدورنا المساعدة لإخواننا الأحرار العرب، هو حصرية السلاح بيد القوى الشرعية اللبنانية، ولكي يتم هذا الأمر، فعلى المسيحيين إقناع حزب الله بالبدء بالبحث بمصير سلاحه، لا بل للبحث بمشروعه وثوابته وقناعاته، من أجل الوصول إلى قناعات مشتركة مع اللبنانيين الآخرين. عندها فقط نستطيع تحييد لبنان، وليس بالإتفاق على اللقاء خارج الأراضي اللبنانية للقتال هناك.
إن حلف 14 آذار، حلف القناعات، حلف العيش المشترك، لا حلف التعويم المتبادل، وتوزيع المحاصصات، فليكن هذا الحلف، هو المثال المتبع بين كل اللبنانيين كي نستطيع أن نقوم بدورنا الريادي في المنطقة.
ولنذهب لبناء دولة مدنية، قاعدتها إتفاق الطائف، وأسسها المواطنية، وعمادها إنتخاب رئيس فورا، لتقدم التجربة اللبنانية للعالم أجمع، فنساهم بتقارب المجتمعات في العالم، فتكون مختلفة وليس متخالفة".


ودعا الى العودة "فورا من "الإجتماع العصباني" حسب تعبير إبن خلدون إلى الإجتماع الوطني المدني، فهكذا نستطيع كلبنانيين تقديم المثال الأفضل للشعوب العربية للبدء بنهضة مدنية عربية، تشكل المناعة ضد المشاريع المجاورة، فإستقواء السياسة بالدين، سيزيد الفتن وسيؤذم الحروب وسيمنع الحلول".


وختم: "إننا من هنا من منطقة البترون معقل الأحرار، المنطقة التي دفعت الكثير للدفاع عن مقدسات هذا الوطن وعلة وجوده، ندعو الجميع ودون استثناء للثقة بوطنهم وبأنفسهم للمضي قدما نحو التلاقي واحترام الآخر من أجل وطن بكل ما للكلمة من معنى والتخلص من الدويلة ومن كل أنواع أنظمة القمع والإلغاء والإستبداد".


فرنجيه


ورأى فرنجية في مستهل كلمته "ان لبنان يقف اليوم عند حافة الهاوية وينتاب أبناؤه شعور مرهق بالعجز عن تغيير مسار الأمور وقال: "واقع الحال، في لبنان والمنطقة، يبدو مخيفا، ومخيفا جدا. فالأمل الذي ولده الربيع العربي انحسر وحل محله عنف لم تشهده المنطقة في تاريخها الحديث. في أصل هذا العنف المستشري يوما بعد يوم، يقف النظام السوري الذي يرتكب، منذ أكثر من ثلاث سنوات وبصورة متواصلة، جريمة ضد الإنسانية، ذهب ضحيتها حتى الآن ما يزيد عن 300 ألف سوري، من دون أن يتدخل المجتمع الدولي لوضع حد للجريمة. وقد أطلق هذا العنف المجنون موجة واسعة من التوترات الطائفية والمذهبية والعرقية، كما فتح الطريق واسعا أمام تطرف عنفي مقابل، يدعي الإسلام والدفاع عن أهل السنة، تخطى بعيدا حدود المنطقة. وقد لا نبالغ إذا قلنا بأن المنطقة العربية قد دخلت، مع هذه المواجهة المذهبية، حربا دينية تشبه إلى حد بعيد "حرب الثلاثين سنة" التي دمرت المجتمعات الأوروبية في مواجهات دامية ما بين الكاثوليك والبروتستانت خلال القرن السابع عشر".


وتابع: "هذا العنف الذي يجتاح منطقتنا العربية لم يعد يوفر الغرب عموما، وبخاصة أوروبا. فهو يستهوي أعدادا كبيرة من الشباب الأوروبي المهمش في مجتمعات لم تعد تقدم أفق أمل لهؤلاء. فيقومون بتحويل احتقار الذات الناجم عن التهميش إلى كراهية ضد الآخرين. هذا فيما تنمو تيارات يمينية متطرفة في معظم بلدان أوروبا". مضيفا "ليس لبنان في منأى عن هذا العنف المتفاقم يوما بعد يوم والذي بات يبحث في التاريخ البعيد عن مبرر له في الحاضر، كما يبدو موزعا بين استقطابات حادة ورهانات عبثية تذكرنا ببدايات الحرب الأهلية عام 1975. فالدولة التي لم تعد قادرة على تأمين استمرارية مؤسساتها، تقف عاجزة عن وقف الانحدار الجديد نحو الجحيم، والحكومة الحالية تعجز عن اقتراح الحلول وينحصر سعيها في محاولة الحفاظ على الوضع الراهن بكل أعطابه وهشاشاته. يضاف إلى ذلك مشكلة النازحين من سوريا إلى لبنان، الذين يتزايد عددهم بلا انقطاع، وباتوا يشكلون عبئا يتجاوز بكثير قدرة لبنان على الاحتمال، فضلا عن مأساتهم الإنسانية التي يخجل منها أي ضمير حي!"


وتساءل: "هل يوجد في هذه الأجواء أمل في خلاص لبنان أم أنه محكوم بالبقاء كما هو لاستقبال الحروب الأتية من الخارج؟" وقال: "خلاص لبنان ممكن شرط نسج علاقات شراكة وتضامن بين جميع اللبنانيين من مختلف الطوائف، الذين يرفضون العنف، ويبدون استعدادا للنضال معا ضد كل أنواع التطرف، وللعمل معا لإعادة الاعتبار إلى النموذج اللبناني في العيش المشترك، هذا النموذج الذي يكتسب اليوم أهمية استثنائية في منطقة يجتاحها العنف. وفي هذا السبيل ينبغي تظهير فرادة التجربة اللبنانية في العالم بوجه عام، من حيث شراكة المسيحيين والمسلمين في إدارة دولة واحدة، وفرادتها في العالم الإسلامي بوجه خاص، من حيث شراكة السنة والشيعة في إدارة الدولة ذاتها.
خلاص لبنان ممكن شرط إعادة الاعتبار إلى السياسة في لبنان، بما هي نشاط نبيل في خدمة المجتمع، وليست - كما هي حتى الآن - مجرد صراع على السلطة بين أحزاب طائفية أدخلت البلد منذ نحو نصف قرن في حالة حرب دائمة. وفي تقديرنا أن إعادة الاعتبار هذه إنما تكون بالعمل على تغيير قاعدة الفرز الطائفي في الصراع السياسي، لاعتماد فرز آخر من طبيعة مختلفة حيث يمكن أن يتواجه تياران كبيران: تيار الذين استخلصوا دروس الحرب من مختلف الطوائف، وأدركوا أهمية الوصل والشراكة مع الآخر المختلف الذي - على اختلافه - يكوننا مثلما نكونه، وهو شرط وجودنا كما نحن شرط وجوده في مشروع العيش معا. وتيار الذين، من مختلف الطوائف أيضا، لم يغادروا كهوف عصبياتهم الطائفية والمذهبية، وما زالوا يعتبرون الآخر المختلف مصدر تهديد لوجودهم، ينبغي العمل على إقصائه.
خلاص لبنان ممكن شرط التأسيس لثقافة جديدة، هي ثقافة السلام والعيش معا، التي من شأنها الإجابة عن سؤال جوهري يتحدانا في لبنان والعالم العربي على السواء: كيف نعيش معا متساوين في حقوقنا والواجبات، متنوعين في انتماءاتنا الدينية والعرقية والثقافية، ومتضامنين في سعينا من أجل مستقبل أفضل لجميعنا، مسلمين ومسيحيين؟
خلاص لبنان ممكن شرط العمل على دعم المجتمع المدني في حراكه الجديد ضد كل أشكال العنف والتمييز على اختلاف مصادرها. وهو ما تشهد عليه مبادرات مجتمعية متنوعة، منها التحركات المطالبة بتشريع الزواج المدني، أو تلك المناهضة للعنف الأسري ضد المرأة، أو المسيرات والاعتصامات السلمية لوقف الاشتباكات المسلحة في غير منطقة لبنانية، أو مبادرة الحوار والمصالحة بين أعداء من مرحلة الحرب الأهلية، أو التحركات المطالبة بحماية حرية التعبير، أو جهود المنظمات البيئية للمصالحة بين الانسان والطبيعة، أو تلك العريضة التي رفعتها مؤخرا إلى الأمم المتحدة شخصيات مسيحية وإسلامية مطالبة بقرار دولي لتحييد لبنان ...الخ.
خلاص لبنان ممكن شرط التواصل مع قوى الاعتدال والديموقراطية في العالم العربي التي تناهض التطرف وتدعو إلى التسامح؛ وذلك في سبيل قيام مشرق عربي جديد هو "مشرق العيش معا"، حيث يشكل التنوع الديني والعرقي الفذ مصدر غنى حضاريا، مشرق قادر على إعادة الوصل مع تراث "النهضة العربية " وعلى تشكيل رافعة نهضة جديدة لمجمل العالم العربي.
خلاص لبنان ممكن شرط المساهمة، من موقعنا اللبناني وتجربتنا، في صوغ رؤية جديدة إلى حوض المتوسط، بحيث يغدو "متوسط العيش معا". ذلك أن هذا البحر التواصلي تاريخيا - يبدو اليوم بحر التصدعات والشقاقات على اختلاف أنواعها، كما يشهد على ذلك صعود موجة الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب في ضفته الشمالية، فيما يشكل التطرف العنفي في بلادنا مصدر إنعاش لليمين القومي المتطرف هناك. إن استقرار المجتمعات الأوروبية بات اليوم شديد الارتباط بسلام المنطقة العربية".


وختم: "إن سلام لبنان المستند الى طبيعته وتجربته كفيل بالمساهمة في سلام المنطقة على الأسس التي أشرنا اليها سالفا".
بعدها رد كرم وفتفت وفرنجية على أسئلة الحضور.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم