السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

رسالة تركية الى إيران: حلب خط أحمر!

منذر خدام- كاتب وسياسي سوري
رسالة تركية الى إيران: حلب خط أحمر!
رسالة تركية الى إيران: حلب خط أحمر!
A+ A-

لأول مرة وبصورة علنية ورسمية تعلن تركيا عن دخول قوات تركية إلى الأراضي السورية مساء الواحد والعشرين من شهر شباط لعام 2015، بذريعة نقل رفاة جد مؤسس الدولة العثمانية سليمان شاه، خشية وقوعه تحت سيطرة داعش. واللافت أن حجم القوات كان كبيراً بحيث شمل أكثر من مائة مدرعة وآلية عسكرية ثقيلة، ونحو سبعمائة جندي تركي، بحسب ما ذكرته وسائل إعلام مختلفة. لا شك بأن هذا الحشد العسكري يزيد كثيرا عن حاجة نقل مجرد رفاة لجد مؤسس إمبراطوريتهم العثمانية ونحو ثلاثين جنديا من حراس قبره، مما يسمح بقراءته كنوع من التمرين العسكري قصد منه توجيه رسائل سياسية عدة لأطراف دولية وإقليمية تفيد بعزم تركيا وضع حد للتمدد السوري الإيراني في الشمال السوري المساند من ميليشيات شيعية مختلفة، كما تسميه جهات تركية، وجهوزيتها، إذا اقتضى الأمر، لإنشاء منطقة عازلة في شمال سورية من طرف واحد.



من المعلوم أن قبر سليمان شاه جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية كان قد دفن على ضفاف نهر الفرات في منطقة تسمى ترك مزاري في قلعة جعبر، الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات القريبة من مدينة الطبقة السورية. ثمة روايات مختلفة حول تواجده وعشيرته في المنطقة، وحول وفاته أيضاً، بل وحتى حول قبره الحقيقي. بحسب بعض المصادر التاريخية فإن سليمان شاه كان زعيم عشيرة توجه بها نحو سورية هربا من المغول الذين كانوا يغزون المنطقة قبل نحو ثمانمائة عام. وخلال محاولة فراره مات غرقاً في نهر الفرات في سنة 1227 ميلادية ليدفن في قلعة جعبر. وبموجب اتفاقية أنقرة الموقعة بين تركيا وفرنسا في سنة 1921، في مادتها التاسعة عدت منطقة القبر(بضع مئات من الأمتار المربعة) خاضعة للسيادة التركية ، وصار منذ ذلك التاريخ يرفرف العلم التركي فوقها، إضافة إلى تواجد سلة من الجنود الأتراك لحراسة القبر.غير أنه في سنة 1973، وخشية من أن تغمر مياه سد الفرات منطقة القبر، فقد اتفقت الحكومة السورية مع الحكومة التركية على نقله إلى قرية قره قوزاك التي تبعد نحو 25 كيلومتر عن الحدود التركية، وزيدت المساحة المحيطة بالقبر إلى نحو8797 م2، وجهز المكان بمنشآت سياحية مختلفة لتقديم الخدمات تحسباً لقيام كثير من الأتراك والمجموعات السياحية بزيارة القبر. وبالفعل عندما كان القبر في قلعة جعبر بعيداً عن الحدود التركية السورية إلى الجنوب بالقرب من مدينة الطبقة السورية، لم يكن يلفت انتباه احد، ونادرا ما كان يزوره الأتراك أو السائحون، لكنه تحول في مكانه الجديد إلى محجة للأتراك، وللنشاط السياحي قبل تفجر الأزمة السورية.
لكن لماذا في هذا الوقت بالذات قررت تركيا نقل الرفاة إلى منطقة أخرى داخل الأراضي السورية، تقع بالقرب من الحدود السورية التركية؟!! هل فعلاً السبب في ذلك هو حمايته من تدنيس محتمل له يمكن أن تقدم عليه داعش؟!! .


حجم التدخل
لا يخفى على أحد حجم التدخل التركي غير المباشر في الأزمة السورية، فعبر أراضيها دخل إلى الأراضي السورية عشرات الآلاف من " المجاهدين " المتطرفين من مختلف دول العالم، إضافة إلى العتاد الحربي المتنوع الذي جاء بعضه من تركيا بتمويل قطري، أو من أمريكا وغيرها من البلدان. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل صارت تركيا بمثابة القاعدة الخلفية للمجموعات المقاتلة في سورية، تؤمن لها كل مستلزمات الدعم اللوجستي، بما في ذلك تدريب المقاتلين، وعلاج الجرحى منهم. ومن البداية شجعت السوريين على اللجوء إلى تركيا لحسابات إستراتيجية بعيدة المدى. لقد فضح نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، في إحدى تصريحاته، دعم تركيا للمجموعات المتطرفة في سورية والعراق، بما في ذلك تأمين الغطاء السياسي لها.



وبالعودة إلى ما قبل تفجر الأزمة في سوريا لا بد أن يلاحظ المراقب حدة هذا التناقض الظاهري بين وضعية العلاقات السورية التركية في ذلك الوقت التي كانت تتسم بالقوة والشمولية حتى عدت من قبل المسؤولين في البلدين بأنها إستراتيجية، وحجم التورط التركي الراهن في الأزمة السورية. لا يمكن فهم ذلك إلا من خلال ملاحظة الانكفاء التركي غرباً نحو أوروبا، والتوجه شرقاً لخلق مجال حيوي لتركيا في البلدان الإسلامية المحيطة بها، لكن ليس على قاعدة الندية والمصالح المشتركة، التي كانت تطالب بها سوريا والعراق، بل على قاعدة محورية الموقع والدور التركيين. ولذلك عندما انتفض الشعب السوري ضد حكامه مطالبًا ببعض حقوقه الطبيعية في الحرية والكرامة، سارعت تركيا للتدخل ودعم الحركات الإسلامية شركاؤها في الأيديولوجية، على أمل أن تشكل البديل المحتمل عن النظام البعثي " العلماني" الحاكم في سوريا. وظل تدخلها مستمراً، بل وتوسع خصوصاً بعد أن حمل السوريون المنتفضون على حكامهم السلاح، وهو اليوم مستمر أيضاً حتى بعد أن سيطرت المجموعات المصنفة إرهابية من قبل الأمم المتحدة مثل "داعش" و"النصرة" وغيرهما، ظناً منها بأن لا احد يستطيع في المستقبل، عندما يقرر المجتمع الدولي حل الأزمة السورية، تجاهل الدور التركي والمصالح التركية. واليوم عندما صار التدخل الإيراني في القتال إلى جانب الجيش السوري واسعاً وقوياً خصوصا في جبهة شمال حلب، وفي الجبهة الجنوبية، صعدت تركيا من تدخلها المباشر. في هذا السياق بالضبط جاء التدخل التركي العسكري الكبير في سوريا بذريعة نقل الرفاة، لكنه في حقيقة الأمر فهو لا يعدو كونه رسالة واضحة لا لبس فيها تفيد بأن تركيا لن تسمح بهزيمة حلفائها في شمال سوريا، ولن تسمح أيضاً للإيرانيين وميليشياتهم التي تقاتل إلى جانب الجيش السوري بالاقتراب من الحدود التركية. وإذا كان تدخل بعض وحدات جيشهم لنقل رفاة جد مؤسس إمبراطوريتهم العثمانية مجرد تمرين عسكري، فإن الجيش التركي جاهز للتدخل على أوسع نطاق إذا اقتضت تطورات الأوضاع في شمال سوريا ذلك.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم