الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"طابق 99" لجنى الحسن

جمانة سلّوم حداد
A+ A-

قد يكون إدراج رواية "طابق 99" لجنى الحسن (منشورات ضفاف) في اللائحة الطويلة لجائزة البوكر العربية أخيراً، أحد الأعذار المناسبة لإعادة الكتابة عنها، بعد مرور أشهر على صدورها. لكن العذر الوحيد المجدي هو أنها رواية تستحق التنويه وإعادة التنويه.


ندرك، منذ الصفحات الاولى للكتاب، أن لبنان جنى الحسن لا يراعي، لا يلاطف، لا يوارب، لا يخفف الوطأة. هو لبنان عنيف، ناقم، عاقد الحاجبين. لبنان أظفاره طويلة، لا يريدنا ان نلملم ماضينا وجروحنا وعارنا، لا يريدنا أن ننسى أو حتى أن نتناسى، بل يودّ أن نمشي الى الأمام ونحن ناظرون أبداً الى الوراء، لأنّ الأمام في رأيه هو وراءه. هو لبنان يعود من ماضيه كملاك الثأر الأسود لينتقم مما صنعناه به، وليقول لنا: "لا، لم ينته شيء، كفّوا عن الوهم. جرائمكم لم تزل جرائمكم. ندوبكم لن تُمحى. ما كان كان وسوف يظلّ".
في لغة جنى الحسن نضج مرعب، لكنّه منعش، وضراوة دموية معيشة ومحسوسة من دون ان تفقد ما تحتاج اليه من أناقة وبلاغة ومكر، وفظاظة مشغولة ومبرّرة ولذيذة. تروي الحسن حربنا بل حروبنا إذ تروي قصة بطليها مجد وهيلدا. وتروي بلادنا وكسورنا وبشاعتنا وجمالنا وجنوننا. أقول "تروي" وأعني "تشعر" أو "تعيش"، ولكن من دون أن تعتمد أسلوب التشويق والإثارة بغية شدّ القارئ الى الصفحة التالية: لا، بل إنّ ما يشدّ القارئ الى الصفحة التالية لن يكون معرفة ما سوف يحدث، بل ما سوف تقوله الشخصيات نفسها عما حدث أو ما تظن أنه حدث من وجهة نظرها. وإذ تقول هذه ما تريد أن تقوله، لا نلمس تساهلاً ولا تسامحاً ولا أي جهد يهدف الى "ترطيب الأجواء"، فقلم الحسن لا يريد أن يساوم ويجمّل. وهنيئاً لها بذلك.
لا تسعى "طابق ٩٩" الى الكشف عن الحقائق المتعلقة بالحرب ومحطاتها الدامية بقدر ما تنوي تقشيرها لنا من الداخل. وهي إذ تقشر، تفعل ذلك بهمجية صادمة تحاكي همجية ما حصل، تحاكي الخوف والذبح والقتل والمجازر والتشويه. أما البطل الحقيقي فهو الإنسان، الإنسان في خوفه وشكوكه وقلقه وقرفه ووحشيته ووجعه وضياعه ودمائه ورغباته... وحبه. حبه خصوصاً. إنها كتابة كهربائية من دون أن تكون متوتّرة، مشحونة بالأدرينالين على رغم هدوئها واتزانها، قائمة على السرد الغلياني ولكن المتمهّل الايقاع.
موجعة كسقطة من عل. ضرورية كسقطة من عل. إقرأوها.


[email protected]
Twitter: @joumana333

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم