الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"خلافة" البغدادي و"يهودية" إسرائيل

سميح صعب
سميح صعب
A+ A-

لم ينبت الفكر التكفيري من فراغ ولم يهبط الارهاب من لا شيء. كل ذلك كانت له مقدمات ليس بالضرورة ان تكون موغلة في التاريخ وإنما استفاد من الواقع غير البعيد كي يظهر نفسه ويكسب "شرعية" تبرر ارتكاباته.


وبعيداً من قاعدة التبسيط والسطحية، ليس التكفيريون من انتاج اسرائيل ولا هي صنعتهم بالفعل المباشر، وانما وجود اسرائيل وتمسكها بـ"يهوديتها" ونفيها لحق الفلسطينيين في الوجود السياسي، كانت أكبر جريمة أخلاقية ارتكبتها اوروبا ومن بعدها اميركا في القرن العشرين، ولن تمحو اعترافات بعض الدول الاوروبية بدولة فلسطينية إثما صنعته هذه الدول نفسها مدى عشرات من السنين. ومع ذلك لا تزال دول اوروبية مثل فرنسا التي كانت آخر قصص نجاحها في شمال افريقيا تمزيق ليبيا وتركها نهباً للفوضى والغرائز القبلية، تعمل باصرار لإلحاق سوريا بليبيا وتدميرها تماما من خلال التمسك بـ"المناطق الآمنة" والدعوة الى توجيه ضربات عسكرية الى الجيش السوري النظامي كي يتمكن البغدادي وليس هادي البحرة من حكم سوريا.
بين "خلافة" البغدادي و"يهودية" اسرائيل ، لا مكان لطريق ثالث ولن تكون ثمة مساحة الا لمزيد من انفلات التوحش وارتكاب المزيد من الفظاعات التي ترقى الى ابادة الجنس. وبين هذين المشروعين لا طريق ثالثا ولا مجال للسياسة. ويثبت يوما بعد يوم انه كان يجب تدمير سوريا الطبيعية وركنيها الاساسيين، سوريا والعراق، من اجل تثبيت "يهودية" اسرائيل. فعلى هذا المشروع الاساس قامت أنظمة الاستبداد في المنطقة، وعليه ايضا تلقى مسؤولية الفشل في بناء دول حديثة تدين بالديموقراطية وتقبل تداول السلطة وتتبنى الحكم الرشيد وكل المعزوفة التي يرددها دعاة "الربيع العربي" في الداخل والخارج، فإذا بـ"الربيع" يفتح باب التوحش على مصراعيه ويودي بالمنطقة كلها الى جحيم الارهاب وحرب مذهبية تتوالد الى آماد غير معروفة.
وبين "خلافة" البغدادي و"يهودية" اسرائيل تبدو المنطقة مرشحة للزوال بحكم قيام الدول الدينية التي تمحو كل ما سواها وتؤسس لصراعات لا يمكن التنبؤ بموعد نهايتها، لكن الاكيد هو ان الدول الدينية الناشئة كفيلة بمحو كل ارث حضاري في هذه المنطقة، بينما الولايات المتحدة تقارب المسألة من زاوية اكثرية واقلية وتبحث عن "معتدلين" لتدعمهم لأنها ترى فيهم الخلاص لحربي سوريا والعراق.
والى ان تعثر أميركا على "معتدليها" ستكون الارض انزلقت أكثر الى رؤية البغدادي ورؤية "الدولة اليهودية". فكلا المشروعين يستدعي المزيد من القتل والتهجير والتمترس خلف أساطير يستحضرانها من جوف التاريخ.
في البدء كان المشروع اليهودي في فلسطين والى الآن لا يزال هذا المشروع أساسا لرسم كل المآسي التي تعيشها المنطقة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم