الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ثلاثة مَشاهد تلخّص ألم الإيزيديين

بغداد – فاضل النشمي
A+ A-

ينقل سرمد جمعة سليم مشاعر مواطنيه الايزيديين الموزعين في شتات اقليم كردستان، ويقول لـ"النهار" ان اغلب اهالي مدينة بعشيقة، يشعرون بالندم الشديد، وربما "العار" لمغادرتهم ديارهم في شهر آب الماضي، من دون أي مقاومة لتنظيم "داعش" الارهابي الذي استباح مدينتهم وسيطر عليها بعد شهرين من سيطرته على مدينة الموصل في 9 حزيران الماضي. وبعشيقة ناحية تتبع اداريا لمحافظة نينوى وتبعد عن مركزها، مدينة الموصل نحو 25 كم فقط، وهي ذات اغلبية ايزيدية. وليس من الواضح لماذا تأخّر "داعش" عن السيطرة عليها الا بعد شهرين!


ويضيف سرمد الذي استضافته وأسرته المؤلفة من 6 اشخاص، عائلة بغدادية مسلمة الأسبوع الماضي، ليتسنى لهم اصدار جوازات سفر من بغداد بعد تعذر الحصول عليها في منفاه في دهوك:" امتلأت مدينة بعشيقة بالرعب مطلع آب الماضي، بعد سيطرة "داعش" على الموصل وسنجار، وفي يوم 3 آب قرر أعيان المدينة إخلاء النساء والأطفال، وبعد نحو 5 أيام خرج جميع الرجال، وسقطت المدينة بيد "داعش" من دون مقاومة تذكر، سواء من قوات البيشمركة الكردية او الاهالي".


ويتابع: "ربما لدى الايزيديين من الخوف ما يبرر هروبهم، بعد الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبها "داعش" ضد نظرائهم في سنجار، ومع ذلك كان في إمكانهم الصمود في بعشيقة على غرار ما فعل التركمان في مدينة آمرلي".


ويرى سرمد جمعة ان قوات البيشمركة التي كانت موجودة عند مداخل المدينة مارست معهم نوعا من "الخداع". اذ انها انسحبت ولم تقاوم مسلحي "داعش" بعد ان قدمت لهم نوعا من التطمينات قبل ذلك.


* ويروي تفاصيل اليوم الأخير لمغادرة بعشيقة


"خرج عشرات، بل آلاف الرجال المذعورين عبر طريق الجبل المحاذي لبعشيقة، الذي يؤدي الى مدينة شيخان، حيث مرقد شيخ الطائفة عدي بن مسافر. كان الأمر أكبر من ان يصدق، تذكرت في ذلك اليوم جميع اسلافنا الذين تعرضوا للقمع عبر حملات الابادة التي تناهز السبعين في تاريخنا المحزن".
وبرغم عدم تعرض ايزيدي بعشيقة لما تعرض له نظراؤهم في مدينة سنجار من قتل شبابهم وسبي نسائهم، الا ان سرمد جمعة يتذكر ثلاثة مشاهد لا تغادر مخيلته، تلخّص حجم المفارقة والألم الذي اختبره البعشيقيون:


المشهد الأول: لن ينفعكم إسلامي!


عطاي شاكر كاكي شيخ طاعن في السن ومصاب بمرض السرطان منذ فترة طويلة، رفض الخروج من مدينة بعشيقة عشية دخول "داعش" وصمم على البقاء في منزله المتواضع. بقي كاكي يمارس عادته اليومية في الجلوس أمام عتبة الدار، برغم فراغ المدينة الموحش. بعد يومين اتى اليه مسلحو "داعش" برفقة شخص ملثم، يؤكد كثيرون انه من السكان المحليين، اختيار ان يعمل مرشدا لـ"داعش".


وقفوا امام منزل عطاي شاكر كاكي، فاخبرهم الدليل باسمه ودينه. سحبوه الى سيارتهم واخذوه معهم، بعد ان تلقى منهم الكثير من الاهانات واللكمات.
اتجهوا به الى الموصل، حيث مقر احد مسؤولي التنظيم، اذ طُلب منه اعلان إسلامه، فرد عليه عطاي: إسلامي لن ينفعكم! فسأله لماذا؟ فقال له: انا شيخ كبير، مصاب بمرض السرطان ولم يتبق لي في عالمكم الا ايام معدودة.


يبدو ان مأساة عطاي حركت شيئا "خيرا" مغمورا عند المسؤول الداعشي فأمر بإعادته الى منزله وعدم المساس به.
بعد نحو عشرين يوما رحل عطاي الى الرفيق الأعلى، تاركا مدينته الحبيبة بعشيقة نهبا للغربان.


المشهد الثاني: من اجل ابنائه يعلن إسلامه


لدي سيروان عائلة كبيرة، زوجة وبنات وابناء ثلاثة منهم يعانون من اعاقة ولادية. قرر إخلاء الاصحاء من عائلته والبقاء مع ابنائه المعاقين في بعشيقة، لان مهمة نقلهم الى مكان آخر شبه مستحيلة. وبمجرد ذهاب عائلته، نقل ابناءه الثلاثة الى الجامع القريب. ومعروف ان عدد المساجد في بعشيقة لا يتجاوز المسجدين او الثلاثة، فالمدينة ذات اغلبية ايزيدية الى جانب اقلية مسيحية وبعض العوائل المسلمة.
حين استقر في المسجد، جاءه مسلحو "داعش" وفي الحال أعلن اسلامه امامهم!


المشهد الثالث: صعلوكان


أوميد خوديدة طيبان وكمال كجو، صعلوكان معروفان في بعشيقة، يعاقران الخمر طوال اليوم، وحين جاء عناصر داعش الى المدينة رفضا الخروج. وظلا يتسكعان في ازقة المدينة التي يعرفانها جيدا دون ان يمسك بهما أحد. كانا يذهبان ليلا الى محال الخمور ويأخذان مؤونتهما ويعمدان الى ملجأ قديم يمارسان عادتهما المفضلة في شرب الخمر، وبعد نحو 20 يوما تمكن عناصر داعش من مسكهما! كان العذر حاضرا لدى أوميد طيبان وكمال كجو: اننا مسلمان!
اعلن الاثنان اسلامهما حال وقوعهما بيد عناصر "داعش". بيد ان ذلك لم يكن كافيا، فأخذهما عناصر "داعش" الى الموصل، مثلما فعلوا مع الشيخ الطاعن عطاي شاكر كاكي، وهناك اكدا اسلامهما، لكنهما بقيا تحت حراسة مشددة من "داعش" وبعد نحو ثلاثة او اربعة اسابيع نشرا صورة عبر "فايسبوك"، تظهرهما وهما يعاقران الخمر في تركيا!


لا احد يعرف كيف تخلص الاثنان من قبضة "داعش"، لكن اخباراً تفيد بأن اشخاصاً مسلمين من بعشيقة لجأوا الى الموصل ساعداهما على الهروب!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم