الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

بأي استقلال يحتفل اللبنانيون ؟

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
A+ A-

في العام 1920 أعلن الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير، في احتفال تاريخي أقيم في قصر الصنوبر في بيروت، بحضور البطريرك الماروني الثاني والسبعين الياس الحويك، عرّابها والساعي الأبرز لقيامها. أنشئت الدولة اللبنانيّة بضمّ البقاع والشمال والجنوب وبيروت إلى جبل لبنان، على الرغم من رفض المسلمين لهذا الواقع الجديد إذ أصبحوا أقلية في الكيان المستحدث بعدما كانوا أكثريّة حاكمة في العهد العثماني، ويطمحون للانضمام إلى دولة عربيّة بقيادة الأمير فيصل تضمّ سوريا الكبرى، وهو ما اعتبر انتصارًا للمسيحيين الذين حققوا مطلبهم بتوسيع حدود جبل لبنان التاريخيّة واستلام زمام الحكم.


هذا الخلاف الأزلي سبقته وأعقبته اصطفافات داخليّة مرتبطة بمحاور إقليميّة ودوليّة، وكان سبباً لكثير من الحروب والأزمات، لكنه لم يمنع لبنان من الحصول على استقلاله من الانتداب الفرنسي في العام 1943، أو تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي في العام 2000، أو دحر الاحتلال السوري في العام 2005، متى تلاقت المصالح الدوليّة والإقليميّة مع المصالح الداخليّة.


في ضوء هذا الانقسام بأي استقلال يحتفل اللبنانيون اليوم؟ وماذا تعني لهم هذه التواريخ؟


بانتظار الاستقلال الثالث
محمد يعتبر أن "لبنان في العام 1943 حصل على استقلاله ضمن الموجة التحرريّة التي طاولت المنطقة، فتخلّص من الانتداب الفرنسي الذي فرضته اتفاقية سايكس – بيكو، وكانت تلك المناسبة بداية ولادة دولة مستقلّة إذ أصبح سياسيو لبنان يحدّدون وحدهم السياسة العامّة للدولة بعيدًا من إملاءات الفرنسيين والمفوّضين الساميين. وفي العام 2005 أفضت ثورة الأرز عن الاستقلال الثاني للتخلّص من الاحتلال السوري للبنان، الذي كان حضوره أكثر ألمًا على اللبنانيين بسبب ممارسات النظام السوري على مدار ثلاثين عامًا. واليوم نبحث عن استقلال ثالث من ذيول النظام السوري من خلال السعي لسحب السلاح غير الشرعي الذي بحوزة الأحزاب المرتبطة بسوريا. الاستقلال هو أهمّ الأحداث الوطنيّة سواء ما تحقّق في العام 1943 أو في العام 2005، ولكن الفرق أن الاستقلال الأوّل تعرّفت إليه في المدرسة بينما الثاني عشته وشاركت فيه، أما ما تحقّق في العام 2000 فهو تحرير للأراضي اللبنانيّة التي كانت تحت سيطرة العدو الاسرائيلي وليس استقلالًا".


كذبة الاستقلال
لعلي رأي مختلف، فـ"استقلال 1943 كذبة مع ما رافقه من تضحيات روّجت له، هو ليس استقلالًا بالمعنى الفعلي لأنه تحقّق نتيجة تسويات إقليميّة بأدوات بريطانيّة أدّت إلى خروج الفرنسي من لبنان. في المقابل إن خروج السوري في العام 2005 كان نتيجة تسويات إقليميّة وتراكم نضالي، بدأ في العام 1989 مع الحركة التي أطلقها العماد ميشال عون ضد السوريين ووجودهم غير الشرعي في لبنان، واستمرّ هذا النضال على مدار 15 عامًا وصولًا إلى العام 2005، عندما سلب تجمّع 14 آذار الجديد، النضال الطلابي الحقيقي والطويل من التيار الوطني الحرّ ونسبوه إلى أنفسهم. من جهة أخرى، سطّر تاريخ 25 أيار 2000 النصر الحقيقي الأوّل للعرب على الإسرائيليين، عندما تحرّر الجنوب اللبناني من أعظم قوّة في الشرق الأوسط، فخرج الجيش الإسرائيلي مهزوماً من أرض عربيّة بقوّة المقاومة والنضال بدأ قبل العام 1982 ومستمرّ حتى اليوم، وهذا التحرير يزيد أهمّية عن استقلال 2005. لذلك أن لا أحتفل بأي استقلال، ولكنني أعيش أجواء النصر في الخامس والعشرين من أيار من كلّ عام، لأني ابن الجنوب".


2005 هو استقلالي
أمّا ميراي فتعتبر أن "استقلال 1943 حدث قديم، مرّ عليه الزمن، وأعقبته حروب كثيرة وطويلة، قد يعني الكثير لمن عايش تلك المرحلة، هو عيد وطني لكلّ اللبنانيين ولكنه لا يعني لي الكثير. بينما خروج السوري من لبنان هو حدث آني وأكثر تعبيرًا، فأنا شاركت فيه مع الجيل الذي ولد وكبر في ظلّ الاحتلال السوري لبلدنا على مدار ثلاثين عامًا، فشهدنا هذه المرحلة وساهمنا في خروجه من بلدنا. كما أن المعادلات تبدّلت فالفرنسي الذي تخلّصنا منه في العام 1943 هو صديق للبنان اليوم ولا يتدخّل في شؤونه، أما السوري وعلى الرغم من خروجه من لبنان، ما زال يتحكّم بزمام الأمور السياسيّة من خلال رموزه في الداخل".


دحر الاسرائيلي هو نصرنا واستقلالنا
في المقابل يرى علي أن "الاستقلال هو تحرّر شعب من وصاية المحتلّ من دون شروط، من خلال المقاومة العسكريّة والسياسيّة أو النضال السلمي والفكري، وتاليًا إن رحيل الفرنسيين من لبنان في العام 1943 كان نتيجة تسوية سياسيّة وليس بفعل بطولات اللبنانيين، خصوصًا أن كثيراً من الأنظمة والقوانين الفرنسيّة ما زالت تطبّق في لبنان، وتاليًا هو ليس استقلالًا حقيقيًا وناجزًا. بينما خروج العدو الإسرائيلي من أراضي جنوب لبنان التي احتلّها منذ العام 1982، وقتل أهلها وذلّهم، واستشهد كثيرون منهم خلال العمليّات العسكريّة التي نفّذوها والتي أجبرت المحتلّ الاسرائيلي على الرحيل ومن دون شروط. بينما ما حصل في العام 2005 ليس استقلالًا، فسوريا لم تكن في حالة حرب مع لبنان، بل دخل جيشها بطلب من اللبنانيين أنفسهم لحلّ أزماتهم، ولكنّه جدّد وصايته على لبنان سنة بعد سنة، أنا ضدّ هذا الوجود ولكن لا اعتبره احتلالًا، فسوريا جارة وليست عدوّة. لذلك أحتفل بنصر العام 2000، إنه الاستقلال الحقيقي بالنسبة إلي، لأني عايشت الذلّ الذي مارسه الإسرائيلي بحقّنا مذ ولدت، وشعرت بطعم الحريّة والنصر بعد رحيله، عكس استقلال العام 1943 الذي لم أعشه".


تباين تاريخي مستمرّ
إلى متى سيبقى هذا الشرخ الكبير بين اللبنانيين على مستوى القضايا الرئيسيّة والجوهريّة، وحتى اليوميّة والحياتيّة منها؟ وما هو مصير هذا الكيان في ضوء التجاذبات التي تعصف في المنطقة، والمخطّطات التي ترسم لها؟


يستهلّ الدكتور في علم الاجتماع، بسّام الهاشم، حديثه لـ"النهار" بالقول: "هذه الحال مستمرّة طالما لم نتفق حتى اليوم على هوية لبنان، ولو أن اتفاق الطائف نصّ على هويته العربيّة. هناك هوية اجتماعيّة - ثقافيّة تطوّرت عبر التاريخ في ظلّ السلطنات المختلفة التي حكمت المنطقة، فنمّتها بفعل ممارستها، وغزّت مواجهات باتت تقليديّة، غالبًا ما تكون مرتبطة بإيديولوجيا دينيّة".


لا تزاوج ولا اندماج
ويضيف الهاشم : "فكرة الاندماج المجتمعي غير موجودة منذ التاريخ القديم، وتعزّزت من خلال منع التواصل بين الناس، والدليل نسبة الزواج بين المسيحيين والمسلمين التي لم تتخطّى الـ0.93% حتى العام 2011. إنه مؤشّر على أن هناك هويات تحتيّة صلبة تعيد إنتاج نفسها من خلال الزواج ضمن الطائفة نفسها، وبناء أسر ضمن التقاليد والقوانين نفسها. هذه النماذج المعياريّة المتباينة وهذه القيم التربويّة الأساسيّة تبني شخصيّات ذات قيم متباينة في تصنيف الأولويات، ويتشرّبها الفرد منذ صغره وينمو عليها، وتعمّم في سلوكه اليومي على كلّ المستويات، ما يسفر عن تباين في الخيارات وعلى الرمزيات الوجوديّة. طالما لا يوجد أي تلاقح مع قيم الغير، وطالما هناك صراعات وتغزية للذكريات البشعة وعدم ثقة بالآخر، فإن التباين في الهوية مستمرّ وسيؤثّر في تحديد الخيارات".


أساس التربية
أمّا على المستوى الثاني تأتي المؤسّسات الدينيّة التي تزيد هذا التباين، وهو ما يشرحه الهاشم بالقول: "بعد التنشأة والتربية الأسريّة، يأتي دور المدارس، وهي إما رسميّة أو خاصّة أو علمانيّة أو دينيّة أو تابعة لإرساليّات دوليّة وأخرى ذات تصنيف لغوي. هذه المؤسّسات بدل تصحيح الوضع، تزيد من التباين في ظلّ غياب الرقابة. فعمليّة التثقيف المتنوّعة تزيد من الشرذمة، وتروّج للانقسامات وتقولبها في اتجاهات مختلفة، وتزيد شعور الإنسان بالانتماء الطائفي وتأجيج الهوة بين الطوائف، خصوصًا أن حصّة التعليم العام التي تواجه أصلاً عوائق في اتباع سياسة تعليميّة موحّدة تتضاءل على حساب التعليم الخاصّ".


ونصل إلى المستوى الثالث بحسب الهاشم، وهو الأنظمة المرعية الإجراء والدستور، ويقول: "نتج نظام المتصرفية عن صراعات بين الموارنة والدروز، وهو نظام قائم على المجلس الطائفي، وعزّز الطائفيّة. بعد سنين وضع الدستور اللبناني وهو قائم على التباس جوهري بين فكرة المواطن والعضو الطائفي في المواد (9-10-22-24-95)، حيث توزّع الحقوق السياسيّة على قاعدة الانتماء الطائفي، وترتبط بنظام الأحوال الشخصيّة".


بانتظار مصير مرسوم؟
ويتابع الهاشم: "إن الاستمرار في تغذية الالتباس وتلويث المفاهيم والعلاقات مدمّر، لذلك هناك ضرورة لإعادة تنظيم واقعنا السياسي عبر أطر سياسيّة تقولب شخصيّة الفرد ضمن بوتقة اجتماعيّة واحدة، وتحويله من إنسان طبيعي إلى عضو في المجتمع، وتوحيد الهوية من خلال توحيد المعايير الناظمة لوجودنا الاجتماعي بدءًا من الأسرة وقانون الأحوال الشخصيّة، وقطع الديني عن البنيوي. وإن لم نتمكّن من فرض هذا القطع، علينا أن نتوقّع فرض خيارات أخرى علينا".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم