الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الدروز بين ناريْن: هل دعوة جنبلاط للحياد في الحرب السورية واقعية؟

المصدر: "النهار"
زينة حريز
A+ A-

جددت حوادث "جبل الشيخ" الأخيرة الجدل في "المجتمع الدرزي" حيال واقعية دعوة الزعيم وليد جنبلاط للحياد في الصراع السوري. في الآتي، نعرض لثلاثة آراء تمثل نماذج عن صخب النقاش الدائر.


يعتبر مستشار مشيخة عقل الموحدين الدروز في لبنان، الشيخ غسان الحلبي أن لبنان يعيش اليوم أزمة حكم وشلل في العمل الحكومي، بالاضافة الى "توتر طائفي قديم" تطوّر مع أحداث 7 أيار، التي عكست وفاقمت الصراع السني – الشيعي على صعيد "لعبة أمم" كان قد حذر منها مراراً رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط، حرصاً على عدم تفاقم الوضع مذهبياً في لبنان، وليس في منطقة الجبل فحسب. ومن هنا يوضح الحلبي في حديث لـ"النهار" أن نظرة جنبلاط الى التطورات الاخيرة في قرى جبل الشيخ، هي ضمن رؤية شاملة للوضع، لا يمكن فصلها عن المحسوبيات الجيوبوليتيكة للمنطقة، من مفاوضاتٍ نووية ايرانية، و"أزمة" النظام السوري، الذي يخوض، بحسب جنبلاط " معركة بقائه حتى ولو كان ذلك فوق جثث وأشلاء السوريين"، من دون أن يبالي لطائفة أو مذهب.


"الدروز أمام ناريّن"
"دروز سوريا اليوم أمام نارين". هكذا تختصر الاميرة حياة إرسلان الوضع في سوريا ومنطقة جبل الشيخ "المائل الى تأزمٍ علينا أن نكون جاهزين لمواجهته بالدفاع والعقل". في حديثها لـ"النهار"، توضح إرسلان، أن ناريّ الفتنة المحدقة بدروز لبنان وسوريا خصوصاً، هي "نار دفاع" عن الارض، و"نار هجوم" إلتحاقاً بالجيش السوري، وذلك توالياً دفاعاً عن وجود الدروز كمواطنين سوريين وكأقلية درزية أولاً، وفي مواجهة "فكرٍ تكفيري" ثانياً.
بالتالي، ماهو المطلوب من الدروز اليوم؟ وهل دعوة جنبلاط بإلتزام سياسة الحياد واقعية؟
بالنسبة لحياة إرسلان، فـإن "الحياد الدرزي"، ليس بالامر السهل في ظل تطور الاحداث الدامية و"تضارب أخبار متناقضة من جبل الشيخ أوغيرها من المناطق المشتعلة حالياً"، وأن أحداً لا يستطيع معرفة حقيقة ما يحصل، وبالتالي "لا نستطيع الحكم على ما يجري بالضبط". وفي رأيها، "انه من السذاجة أن تصل درجة القتال الى هذا الحد وأن لا نكون حاضرين كدروز، ولكن بالدفاع فقط، وليس بالهجوم أو المشاركة في القتال كأدوات ضمن صراعٍ أكبر". من هنا تأتي دعوة إرسلان "للعودة الى العقل" بعيداً عن الانفعال أو "الحماس" الذي لا يمكن أن يوصل الى أي مكان من غير جهوزية عسكرية كافية، توازي، بالعدد والتقنيات، جهوزية "الخصم التكفيري". وتتمنى إرسلان، على جميع أبناء طائفة الموحدين الدروز، أن يكونوا حاضرين عقلياً، فـ"الدنيا حرب"، وأن يدعموا الجيش اللبناني، ضمن مبادئ الدولة والحد الادنى من أسس "العقل والحكمة" بعيداً عن ظلم الآخر. وأضافت أن "خلط الاوراق" لا يفيد الدروز اليوم، فـ"لا أحد يعلم من مع من"، خالصة الى أن "مجرد أخذ موقف، والدفاع عن كرامة أرضنا، كمّوحدين، يمثلان سعياَ يمكن للانسان أن يموت فداءه".


"السلاح ليس غايةً"
أما الشيخ الحلبي، فأشار بدوره، الى ان "الحياد" يعني بمفهومه: "عدم التورط فيما لا نحتمل عقباه". فـ"ظرف الدروزدقيقٌ جداً، لا يحتمل أي إنغماسٍ، مع أي طرفٍ يكن، بفتنة طائفية تقف وراءها محسوبيات سياسية وإقليمية". وأشار الى ان "ذلك يلغي سياسة التوازن التي إتبعها جنبلاط، والتي أدت الى تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي صاحب المنهج الوسطي لتخفيف الاحتقان السياسي والمذهبي في لبنان".
من هنا، رأى مستشار مشيخة العقل الدرزية، أن "الجيش اللبناني كان ولا يزال ضمانة اللبنانيين أجمع، ولابناء طائفة الموحدين الدروز بالاخص"، مستشهداً بالحوادث الاخيرة في منطقتيّ عرسال وطرابلس، حيث "لعب الجيش دوره الوطنيّ والعسكريّ على أكمل وجه، بهدف ضبط الوضع وعدم تفشي الفتنة".  ويشير الحلبي الى "بعض الاصوات المستغلة للاحداث التي طالت الدروز أخيراً، والمحرّضة على القتل والحرب الى جانب النظام"، سائلاً: "لماذا كل هذا؟"، موضحاً أن "السلاح ليس غايةً للدروز، بل أن غايتنا نبيلة وواضحة، وهي الدفاع عن النفس، عند الاعتداء علينا، وأن ذلك خارجٌ عن اي إطار سياسي"، معتبراً أن "أي تورط لدروز لبنان أو سوريا، خارجٌ عن إطار الدفاع عن النفس، لا مصلحة فيه".


"نحرّم الاعتداء منا ونرفض الاعتداء علينا"


وإستند الحلبي الى وقائع تاريخية و"مصيرية"، وُضع أمامها الدروز في مراحل عدّة، كـ"حرب الجبل"، حيث إستذكر "معادلة تاريخية" عند الموحدين، جاءت في تصريح للشيخ أبو حسن عارف حلاوي كان قد نُشِرِ في جريدة "النهار" في 2 تموز 1983، وهو يتحدث عن "المعارك والاحداث في الجبل": "هذه المعركة لم نردها، لكنها فرضت علينا، ولن تنتهي الا بما يحفظ كرامتنا. نحن نوصي بعدم التعدي. نحرم الاعتداء منا ونرفض الاعتداء علينا. ومطلبنا كل ما يعود الى الهدوء والتفاهم والاستقرار(...) بما يحفظ كرامة الناس وحقوقهم (...)".
من هنا، يشدد الشيخ الحلبي، على أن "القتال مُحرم خارج إطار الدفاع عن النفس، وهو حق مقدس، يرافقه التوفيق والعدالة ضمن مسار العقل و التوازن".


الدروز "درع ٌ واق ٍ" لوحدة "الدولة السورية"؟


رسائل "العقل" و"الحياد"، تواجهها اليوم مناشداتٌ سياسية أخرى، تنطوي تحت راية "سوريا الكبرى"، التي تعتبر الدروز في سوريا كمواطنين سوريين أولاً، ومن ثم دروز.
هذا ما أكده نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي في لبنان، توفيق مهنا، في حديث لـ"النهار" أوضح فيه أن "ما حصل ويحصل من تطورات خطيرة في قرى جبل الشيخ يؤكد بما لا يقبل الشك خطر المشروع الارهابي الذي ينفذ مؤامرة ضد سوريا كدولة وشعب ومؤسسات وبغطاء كامل من العدو الاسرائيلي"، معتبراً أن "ما جرى في جبل الشيخ لا ينفصل عن ما جرى في ريف القنيطرة أو درعا ضمن ما تشهده سوريا من حرب حقيقية ضد المجموعات التكفيرية". وأضاف أن الحزب السوري القومي "لا يرى أبداً أن طروحات تحييد فئة أو أخرى يمكن أن تخدم الشعب السوري أو الدولة السورية، ولا نرى فيها أي إمكانية لحفظ الامن لأي فئة من فئات المجتمع السوري الذي يحفظ ويصون كل أبناء سوريا ضمن صف واحد بمواجهة هذه الحالة الارهابية"، مشددا على أن "الموقع الطبيعي للدروز في سوريا هو أن يكونوا الدرع الواقي لوحدة الدولة السورية"، فـ"الدروز أو غيرهم، في سوريا، هم مواطنون سوريون وأبناء تاريخ طويل في مقاومة الاستعمار والدفاع عن إنتماء سوريا القومي"، مشيراً الى أن "ما يتعرض له الدروز في جبل الشيخ، يتعرض له أبناء دمشق وحمص وعين عرب".


بالتالي إعتبر مهنا أن "أصحاب الدعوة الى الحياد يضيعون البوصلة الحقيقية لهذا الصراع"، معتبراً أنه "ليس بصراع مذهبيّ لكي ندعو هذه الطائفة أوتلك الى تحييد نفسها عنه، بل هو صراع وطني، إستراتيجي، له علاقة بثوابت سوريا التي تمارسها قيادة الرئيس بشار الاسد".
واعتبر مهنا أن "المعلومات التي أفادت بأن قوات النظام السوري وضعت الشبان الدروز في الواجهة في كمين بلدة عرنة بمواجهة "النصرة"، مغلوطة"، مشدداً على أن "الجيش السوري منتشر على جميع خطوط المواجهة مع "النصرة"، والعدو الاسرائيلي الذي يدعم هذه الجماعات الارهابية، ويحاول أن يكون ملاذاً يحمي الدروز في السويداء وفي الوقت نفسه هو الذي يقدم للنصرة التسليح وتسهيلاً لحركتهم ".


لا إختلاف اليوم، على أن جميع أقليات الشرق  تشعر بالخطر، والبعض قد يحسدون دروز لبنان على حيادهم أو"وسطية" قيادتهم الأكثر الشعبية التي تحاول بسياستها الحفاظ على التوازن في الصراع الطائفي المستشري في المنطقة. لكن مجريات الاحداث الاخيرة في "جبل الدروز" وجبل الشيخ، والعدد الكبير للضحايا من الشبان الدروز، حتّمت الغوص في أسباب تلك الأحداث العميقة وأساليب حصرها وعدم تمددها. فبمعزل عن الدعوات الشخصية للحياد أو الهجوم، تبرز أهمية الارتكاز الى الحكمة والعقل، والسؤال عن مصير المحيط في حال اتخاذ قرار الهجوم والمشاركة في هذا الصراع، أو عدمه، في موازاة التمسك بثابتة أن الدفاع عن الذات والارض "حقٌ مقدس"، إن لزم الامر.


[email protected]


Twitter: @Zeinah5


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم