الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

دفاعاً عن موقف "متناقِض"

جهاد الزين
جهاد الزين
A+ A-

يتصل بي في الآونة الأخيرة بعض الأصدقاء والقراء اللبنانيين والعرب مبدين استغرابهم - بل استنكارهم - لموقفي المتواصل المؤيد لنظام الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي. ومن هؤلاء من يجد في نقدي الشديد لسياسات الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان علامة تناقض وعدم انسجام في توجهاتي كصحافي لبناني عربي يعتبر نفسه بشكل طبيعي في صف الانحياز للمعايير الديموقراطية؟


لا أجد غضاضةً في أن أضع نفسي في موقع الدفاع عما هو فعلاً يمثّل خطاً ثابتاً في فهمي كمواطن ومعلّق سياسي للأحداث الجارية في منطقتنا وهو "خط" تأييد التحوّل المصري منذ 30 يونيو 2013 -  تحوّل أراه كامل الشرعية الشعبية - والاستمرار في رفض "انحرافات" داخلية وإقليمية لسلطة الرئيس أردوغان.
أبدأ، باختصار، بتحديد معيار بات جوهريا في نظرتي للأمور في السنوات الأخيرة ولاسيما بل انطلاقا من موجات " الربيع العربي" وهو أولوية معيار منع انهيار كياناتنا ودولنا في العالم العربي كقضية وجودية تتقدّم على القضية الديموقراطية. في هذا المعيار وحدها مصر نجحت في منع حدوث حرب أهلية تفتِّت مجتمعَها  ودولتَها بعد نجاح ثورة 25 يناير الديموقراطية عام 2011. بينما أربع دول عربية بعضها كسوريا والعراق تملك كل ٌ منها شخصية وطنية سياسية فعالة تاريخيا منذ عشرينات القرن العشرين وبعضها الآخر رغم تعقيد توحيده الكياني كان في ظل دولة واحدة وهما اليمن وليبيا... أربع دول هي حاليا في طور التحلّل بل الانهيار. هذا وكاتب هذه السطور يكتب من عاصمة دولة هي بيروت مهدّدة بالانفجار ربما من حادث سير عادي!
هل يُراد لنا بعد كل هذه التجارب أن نقيس النظام المصري الحالي بمعيار سلوكياته العسكرية والأمنية بمعزل عن مخاطر انهيار الدولة؟ هذا لا يعني طبعاً وقطعاً القبول بالتماديات بل التجاوزات القضائية والبوليسية ضد ناشطين مدنيين لا سيما منها تلك التي ليست في قلب المواجهة العسكرية بين النظام وبين "الإخوان المسلمين" الذين يخوضون حربا عنفية حقيقية ضد الجيش والدولة وليسوا مجرد "ضحايا" مدنيين.
أما في تركيا البلد المستقر والأكثر قوة اقتصادية وتحديثية من مصر فقد نشأت ظاهرة تسلّطية تتمثّل بسلطة رجب طيب أردوغان داخليا وبسياسات تفتيت إقليمية في سوريا والعراق. المفارقة أن هذه السلطة نجحت سابقا في إنهاء الوصاية العسكرية التقليدية على الدولة وفي تحقيق إنجازات اقتصادية لكنها اليوم أنشأت نوعا من السلطة البوليسية البديلة باسم كتلة انتخابية كبيرة ولكن هذه السلطة خسرت الدعم السابق الذي كان لها من الليبراليين والنخب الثقافية والشبابية من غير الإسلاميين. كل هذا في وضع تفاقم فيه النزوع الطائفي لـ"حزب العدالة والتنمية" داخليا وبالتوازي مع سياسة إقليمية عربية مرتكزة على الاستقطاب المذهبي باسم مواجهة نظام سوري لا شك باستبداديته. كانت تركيا نموذجا محتملا مختلفا عن إيران والسعودية وإذا بقيادة أردوغان تحوّلها في مضمار المنافسة الأيديولوجيّة إلى إيران أخرى وسعودية أخرى بينما كان الكثير من النخب العربية يتطلع إلى نموذج تحديثي مختلف.
هل تدمير سوريا هو الطريق الوحيد الذي كان مطلوبا سلوكه في مواجهة النظام السوري أيا تكن مساهمته  كنظام في التدمير؟ هناك أسئلة كثيرة تبدو مؤجلة اليوم تحت وطأة طاحونة الصراع وهي مطروحة على "ضمائر" مثقفي وناشطي الثورة السورية المدنيين وأهمها بالمطلق هل كانت "عسكرة الثورة" هي الطريق الوحيد لاستمرار مواجهة النظام أم أن سياسةً سلمية مدنية معارضة مهما كانت أكلافها البشرية وحتى العمرانية أفضل لسوريا التي دمّرتها العسكرة بين المعارضة والنظام؟ لم نجد حتى اللحظة جوابا شجاعاً علنياً من المثقفين السوريين المنخرطين في الصراع غير تحميل النظام هذه المسؤولية أو الاكتفاء بالاعتراف في المجالس الخاصة بـ"لعبة الأمم" التي فرضت نفسها.
مصر احتفظت بوحدتها المجتمعية والدولتية ولذلك هناك كل المجال للنضال الديموقراطي لتحسين شروط العمل السياسي فيها. أما سوريا واليمن وليبيا المتمزّقة والممزّقة فلا معنى حاليا للنضال الديموقراطي فيها وهي التي تتحلّل وجودياً.
طبعاً الاستثناء الإيجابي "الثوري" الوحيد يأتي من تونس التي تجمع بين وحدتها الوطنية وتطويـر خيـاراتها الديموقراطية. لكن لنتذكّر أن "مفتاح" هذه العقلانية التونسية هو احترام إسلامييها بقيادة الشيخ راشد الغنوشي لقيم الكتلة العلمانية الاجتماعية الكبيرة واحترام الوحدة الوطنية ومواجهة التطرف. وهذا بالضبط عكس ما فعله "الإخوان المسلمون" المصريّون.
اما انحيازي للنموذج التركي التحديثي الذي تبلور كنموذج قبل "حزب العدالة والتنمية" وخلال انطلاقته الأولى وسيستمر بعده فهو انحيازٌ متواصل. المطلوب الآن دعم القوى والنخب المدينية والشبابية التركية في سعيها لمنع الرئيس أردوغان من الاستمرار في تشويه النموذج بل ضربه كأكبر فرصة معاصرة لنجاح علاقة الإسلام بالحداثة؟


[email protected] Twitter: @ j_elzein

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم