السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

نذر نيران

امين قمورية
A+ A-

ما هو طبيعي في صورة الحياة اليومية في بيروت الكبرى لا يحجب القلق المكتوم في الانفس من نذر النيران التي تلوح في الافق تحت السطح المخادع. الهواجس الامنية ترخي بثقلها على اللبنانيين ولا شيء يدعوهم الى الاطمئنان.


الاحتقانات المذهبية تتصاعد ولغة الشتم صارت عادة وأزمة الثقة بين المكونات وصلت الى حد الدعوة الى التسلح. ليس خافياً على أحد ان السلاح عاد زينة الرجال لدى كل الطوائف. المسيحيون الذين يرون صورة التنكيل بالاقليات في العراق وسوريا والحدود يخافون مصيراً مشابها، ذلك ان حروب الطوائف الكبرى لا تعترف بأقليات وتنوع، فرعب التكفير حاضر وعقوبات المرتدين جاهزة. الدروز حائرون ولديهم ما يكفي من اسباب للاحساس بالخطر. غالبية سنية مأزومة، عوض ان تكون الحاضن للجميع ترى نفسها ضحية تهميش ينحو ببعضها صوب التطرف بينما يخشى بعضها الآخر "المعتدل" ان يصير مشروع "صحوات" تجني ثمارها الامنية طائفة أخرى. الشيعة أيضاً في محنة على رغم أنباء "انتصاراتهم" التي كان آخرها في اليمن، فهم يعيشون هاجس الحصار والاستهداف والمؤامرة "الصهيو – اميركية" المدعومة من ادوات خليجية ومحلية، يتعصبون لـ"مقاومتهم" و"ممانعتهم" ويخشون في الوقت نفسه الانزلاق الى فتنة ساهمت "صحوتهم" في ايقاظها عن قصد أو عن غير قصد. الكل يترقب وينعزل بينما المطلوب البحث عن قواسم للانفتاح في زمن سقوط الحدود والتقسيمات التي ارساها "سايكس – بيكو". وبين خيار اقتناء البنادق والدفاع الذاتي وتمجيد القوة وخيار الانتظار أمام ابواب السفارات طلباً للهرب أو الهجرة، تتكرس حقيقة ان البدعة اللبنانية عن التعايش هي مجرد كذبة أو وهم مستحيل، وفي كلا الحالين نكون أمام مصيبه.
يوماً بعد يوما تتآكل رهانات التماسك الوطني حول مشروع انقاذ يحتاج اليه البلد. تتلاشى قوى المجتمع المدني والاحزاب التقدمية والوطنية العابرة للطوائف تاركة فراغا ملأه التعصب المذهبي والتطرف. يحضر الأمن وتغيب السياسة في أزمات تخرج عن نطاق السيطرة والقوة تلوح بقبضتها بينما الحوار يتوارى خارج الهامش. الأمن بلا سياسة وهم مطلق ومشروع اضطرابات جديدة لا يحتملها البلد المنهك. لا رؤية سياسية تساعد على التماسك ولا حسم لما هو ضروري ان يحسم. بلد ليس فقط بلا رئيس، بل فيه رؤوس عدة وامارات عدة وسلطات عدة وهويات عدة.
الدولة – اللادولة الصغيرة والحبلى بصراعاتها وتناقضاتها، جاءها النازحون السوريون ليضيفوا الى عوامل عدم استقرارها صاعق تفجير اين منه صاعق التفجير الفلسطيني عام 1975! هذه مقدمات لها كوارثها وتنذر باحتمال انفجار مؤجل ما لم يجر تدارك اسبابها والحد من مخاطرها.
نحن اليوم كمن يداه في النار، والتفاؤل بسحبهما قبل احتراقهما ضئيل.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم