الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الشارع والمدارس والمساكن الشعبية... قلب باسم شيت

باسل ف. صالح- ناشط وأستاذ جامعي
A+ A-

يقول البير كامو في بداية كتابه "المتمرد": "من هو المتمرد؟ إنه الإنسان الذي يقول لا: لكن رفضه لا يعني السلبية، فهو أيضاً الإنسان الذي يقول أجل بمجرد أن يبدأ بالتفكير لنفسه".


يمكن القول إن باسم شيت هو هذا المتمرد، فعلاً لا قولاً. فهو السلبي في مواجهة النظام والقوى الطائفية والمذهبية والعنصرية والبرجوازية واليمينية، لكنه الايجابي في نسج التحالفات وفي قول كلمته والدفاع المستميت عن فكرته التي تؤدي إلى مواجهة النظام بشراسة ودون مهادنة.
آخر ما كان في رصيدي مع باسم هو قراءة نقدية لمقال كتبه، وكنت انتظر رده على ردي، نقده لنقدي، كي يأخذ الكلام مجراه، وتتضح الرؤية، ونعمل وفق قاعدة "نفي النفي" الماركسية، وتتضح الفكرة، ويتم طرح كل ابعادها على طاولة البحث الجدي، في إطار ديموقراطي نقدي علني، وإن كنا من مدرسة واحدة. فهو لا يخشى المواجهة، لا يخشى العلنية، لا يهاب الاختلاف.



هذا هو سلوك باسم الدائم: الوضوح، المنهجية المتحركة، الفكر الديالكتيكي الواثب والمتخطي لذاته بقدر التصاقه بالواقع. كيف لا وباسم طاقة بديلة دائمة الاكتمال، موزّع الايجابية على من يحيطه، خصوصاً في ميدان المواجهة المباشرة مع النظام، إن كان في مجموعات التخطيط أم في الميدان؟
والشارع حبيب قلب باسم الذي توقف، قلبه المدارس والمساكن الشعبية الفعلية وليس الطائفية والمذهبية المسقَطة. فالحركة الشعبية بالنسبة لباسم تتوضح في مقاله "اليسار الميكانيكي والثورة" كالآتي: "هناك فرق شاسع ما بين حراك ينطلق من مساحة "العمل الجماهيري"، وحركتهم الفعلية في المظاهرات والاضرابات والاعتصامات - كما حصل في كل من سوريا والعراق ومصر والبحرين وغيرها من قبل - التي هي بطبيعتها المباشرة مساحة جامعة للعمل السياسي، وما بين حراك لمجموعات سياسية وايديولوجية منظمة، إن لم نقل شديدة التنظيم، ومسلّحة، تتحرّك في مسار عسكري وقمعي بحت، وتدفع بحركتها اليومية العمل الجماهيري الى الهامش، بل تقلّصه وتكبّل قدرته على التنظيم والعمل السياسي".



والحركة الشعبية عند باسم تلقائية، حقيقية، شفافة في مواجهة الظلم والطغيان وكل الآفات الاجتماعية والسياسية والطائفية والعنصرية والاجرامية، المناقضة للتفاوت المزيف، المعارضة للقمع والارهاب، المضادة لمنهجية القتل اليومية لكل مخالف ومختلف. فالصراع بالنسبة لباسم واضح المعالم: أناس في كل أنحاء العالم يتشاركون في الاضطهاد وفي الاستغلال من قبل قلة قليلة تهيمن على كل شيء ولا يمكن اسقاطها إلا بالجهود العالمية المشتركة. وهذا ليس بالحلم، ولم يكن يوماً كذلك بالنسبة لباسم وللرفاق القريبين منه الذين يشتركون في هم واحد يتمحور حول إمكان تحويل العالم من المنظومة الرأسمالية إلى الاشتراكية، وهو ما كان يجيب عليه: "إنه صراع شامل ومفتوح من أجل عالم أفضل نعيش فيه... وسنعيش فيه!!".
كان البعض يتهمه بالطوباوية، وكان الرد كما دائماً: أي حركة تغييرية لا تتسم بالطوباوية، ولا تتكلل بالحلم، هي حركة ناقصة لن تتسع لكل ما يريده الناس. وهذا أمر طبيعي جداً، فالثورة لها منطق لا يتأسس إلا على ما هو مخالف للقائم، فكيف لا تكون حالماً؟ كيف لا تنسج علاقاتها وأجزائها بمنطق مختلف عن السائد؟
وبين هذا وذاك كان الهم التغييري عند باسم منصبّاً على قضايا أساسية فوق وطنية وفوق قومية، قضايا تتخطى الحدود المزيفة لتصل إلى معيار الدمج بين الجسد والروح.



إن المواجهة وفق ما يقوله باسم غير منفصلة، لا حدود تفصل بين قضاياها، لا مرحلياً ولا آنياً، ولا شيء على حساب شيء آخر، ففلسطين لا يمكن أن تتحرر بوجود الديكتاتوريات الحاكمة، والديكتاتوريات الحاكمة لا يمكن أن تزول من دون حركات شعبية، ولا حركات شعبية تقف على الحدود المصطنعة للدول، ولا دول في منطق الانسانية، ولا انسانية في منطق الارهاب والتفاوت والقمع، ولا تحرر في ظل المنظومة الرأسمالية القائمة.
كل هذه أمور متشابكة لا يمكن فصلها دون القضاء عليها، وهو منطق باسم الاشتراكي الثوري الذي لا توافق معه معظم القوى الأخرى التي تفاضل بين السيء والأسوأ، بين اللص والسارق، بين الطائفي والعنصري، بين القتل بالسكين والقتل بالرصاص. هذه المفاضلة القاتلة المسببة لأزمتنا الدائمة، والتي لا يمكن تغييرها إلا بالثورة الدائمة، الشاملة، الثورة التي تتحلى بالواجب الأخلاقي الكنطي الذي يقول: "لا تعامل الناس بوصفهم وسائلٍ لغاياتك، بل عامل الناس بوصفهم غايات في ذاتهم".



من هذا المنطلق لم يكن هناك أي تعارض بين موقف باسم وموقفنا الداعم لكل الحركات الشعبية التغييرية، خصوصاً تلك التي وضعوها، وبقدرة قادر، وبقوة المنطق المذهبي، في مواجهة بعضها البعض، أي الثورة في سوريا والثورة في البحرين، أو اسقاط الطاغية في سوريا وانتصار الدم الفلسطيني على السيف الصهيوني.
باسم شيت، أيها الماركسي العربي والمناضل العالمي كما نعاك "تيار الاشتراكية العالمي"، أودعك الآن يا رفيق روحي لأنني مقتنع، مثلك تماماً، بأن لا حياة أخرى، لا لقاء، لا وداع، لا مصافحة، ولا نقاش مستفيضاً بيننا. لا شيء سوى هذا العبث، الذي حاولنا تغييره، وسنحاول دائماً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم