الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الإشاحة عن أخطائنا

مروان اسكندر
مروان اسكندر
A+ A-

الانفجار الأخير الذي واجهنا باحتلال محازبي "الدولة الاسلامية" مساحات شاسعة من العراق ومساحات ملحوظة من سوريا، دفع المعلقين السياسيين الى تبنّي الاتهام الشائع من دون اي برهان بان الولايات المتحدة مسؤولة عن هذا التطور المخيف.
الاتهام يستند الى تفسيرات تصب في خانة الاشاحة عن مسؤولية الشعوب العربية وحكامها عن التمهيد بالممارسات السيئة لما نشاهده اليوم، وابرز هذه الممارسات ديكتاتورية الحكام العرب، واستعمالهم دوما اتهام الولايات المتحدة بالتقصير في معالجة القضية الفلسطينية، مبررا لممارسات الديكتاتوريين الذين استغلوا القضية الفلسطينية لتبرير تسلطهم على حريات الشعوب وثروات البلدان التي تحكموا بمصير مواطنيها من دون رفة عين.
ولنأخذ العراق حيث يبدو ان ثمة حنينا الى حكم صدام حسين الذي اردى احد وزرائه في جلسة لمجلس الوزراء لانه خالفه في بعض القرارات، الامر الذي اجاز له اعتبار مواقف الوزير خيانة. فهو كان يرى ان توجهاته وممارساته، ومنها شن الحرب على ايران، كانت في مصلحة العراق، وهو بعد اجتياحه الكويت قبل العراق سياسيا وماليا عقدين من الزمن.
وهذا هو المالكي، رئيس الوزراء الذي اعتبر انه صار ملكا متوجا لا يجوز ازاحته عن الحكم، يقصي نحو 30 في المئة من العراقيين عن المشاركة في الحكم وعن محاسبة الحاكم، وقد بلغ الاحتقان حدا دفع حتى المرجعيات الدينية الشيعية الى مطالبته بإرضاء السنّة والتفاهم مع الاكراد، لكنه كان يستند الى شعور بالطغيان، ما دام مدعوما من ايران، الى ان فوجئ بانه لم يعد يحظى بهذا الدعم. وقد وفر المالكي للحكم السوري مساعدات نقدية بمليارات الدولارات وتسليمات نفطية ملحوظة وقام بذلك بناء على توصيات ايرانية.
الاميركيون متهمون بأنهم ساعدوا على انطلاقة "داعش"، هكذا من دون دليل حسي، والذين يتهمونهم يشيرون الى مساندتهم لحكم "الاخوان المسلمين" في مصر، والى احجام الرئيس اوباما عن استعمال الضربات الجوية لمراكز القرار لدى الرئيس الاسد بعدما ظهر ان النظام السوري استعمل الاسلحة الكيميائية في مواجهته مع الثورة الشعبية التي انطلقت لانه لم يستمع الى مطالب الاصلاح، وكانت له فرصة لاكتساب السوريين جميعا في شباط 2011 لو امر بالفعل بتنفيذ الاصلاحات السياسية، والاصلاحات المتعلقة بالحريات وتكريس مبدأ التوافق في الفرص الاقتصادية بين الحاشية وبقية الشعب.
الاميركيون تحولوا في نظرتهم الى حكم العسكر في مصر بعدما وجدوا حكم "الاخوان المسلمين" بدائيا ومقصيا لجميع أفرقاء المجتمع المصري غير المتأسلم بتعصب بعدما شاهدوا الممارسات المفجعة لمقاتلي "داعش"، والذبح على الهوية وكأننا تراجعنا الى القرون الوسطى حينما اقدم مسيحيون على ممارسات مشابهة وممارسات تعذيب تقشعر النفوس لذكرها من دون مشاهدتها وقد انقضى عليها اكثر من 600 سنة.
اليوم ثمة تشكيك في نجاح الائتلاف الذي يعمل على تأليفه الرئيس الاميركي. وهنالك اسباب للتشكيك، فكيف ستكون القيادة المشتركة؟ وكيف يمكن توزيع التكاليف بين اعضاء الائتلاف؟ ولماذا تركيا التي يفترض انها تمثل الاسلام المقبول لا تشارك في العمليات المطلوبة، خصوصا ان لديها جيشا قويا، وحاجة ملحة الى مصالحة الغرب سواء في اوروبا او الولايات المتحدة؟ فتركيا كانت المنفذ البري للمحاربين الوافدين من الشيشان، وفرنسا، والمانيا، وبريطانيا، وحتى الولايات المتحدة، واذا استمرت تركيا في الوقوف موقف المتفرج لن يكون النجاح المطلوب متحققا في المستقبل القريب.
وهنا نأتي الى لبنان والتهديد الذي واجهه والحاجة الى تسليح الجيش بأسلحة فعالة تشمل الطائرات المقاتلة وطائرات الهليكوبتر الهجومية والتزام المملكة العربية السعودية تسليح الجيش اللبناني بهبة ثلاثة مليارات دولار، قدمها العاهل السعودي مشكورا قبل اشهر ولا تزال معلقة في انتظار ما قيل انه تحديد طلبات الجيش، وقدرة فرنسا على تأمين هذه الطلبات في وقت قريب.
زيارة ولي العهد وزير الدفاع السعودي الامير سلمان لفرنسا نتج منها في النهاية تفاهم على الاسراع في هذه العملية، لكن بدء التنفيذ مرتبط بانتخاب رئيس جمهورية في لبنان، وقد اراد السعوديون والفرنسيون ابلاغ اللبنانيين ان القضايا الرئيسية في الحياة الوطنية يجب ان تأخذ طريقها بالتفاهم مع مكونات المجتمع البشري، لا السياسي، في لبنان.
من اجل منع تفشي التخمينات الخبيثة، تبرع السعوديون بمبلغ مليار دولار لكفاية حاجات التسليح الملحة، وتوافرت الاموال لدى رئيس الوزراء وفريق اختصاصي بشؤون الدفاع يختاره بنفسه. ويبقى ان رئيس الوزراء يحتاج الى توافق جميع الافرقاء على توزيع المخصصات على افضل وجه يخدم قدرة لبنان على مواجهة الارهاب الجهادي.
البارقة الوحيدة تبدت من الاميركيين الذين وفروا شحنات اسلحة وذخائر للبنان بواسطة جسر جوي استمر اسبوعين. واستنادا الى تصريح السفير الاميركي الذي يعرف لبنان جيدا منذ سنوات، تحمل تكاليف هذه الشحنات المواطن الاميركي وليس المكلف اللبناني، ومستقبلا هم على استعداد لتزويد لبنان طائرات المروحية هجومية، واذا اقتضى الامر طائرات تصلح للاغارة على اهداف ارضية.
كما في كل امر يتعلق بالولايات المتحدة، كانت هنالك اصوات تشكك في نوعية الاسلحة وقد وصف احد المحللين العسكريين بعض ما شاهدناه من تسليم شحنة الى الجيش اللبناني في المطار، انها اسلحة قديمة وغير صالحة، وقد اكتفى السفير الاميركي بالقول: على كل مشكك ان يسأل قيادة الجيش، والجنود الذين يستعملون هذه الاسلحة عن صلاحيتها.
لقد آن الاوان لنكون على مستوى المسؤولية في تقويم الشؤون المتعلقة بالسلامة الوطنية، واقل ما يمكن قوله ان الاميركيين انقذوا العراق من تدمير سدين حيويين فيه بضرباتهم الجوية الدقيقة وانهم وفروا للبنان فرصة تنفس تجهيزيا في انتظار حلحلة الاسلحة الفرنسية التي سيطول انتظارها.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم