السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

ما هي أبعاد الكلام المتنامي عن وجود قوي لـ"داعش" في الشمال؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

ما هي الحقيقة وما هو التضخيم والوهم في الحديث المتنامي عن وجود تنظيم "داعش" في الشمال؟ وهل صار هذا التنظيم في مقام القدرة على فعل يقلب صورة الوضع هناك رأسا على عقب على غرار ما فعله في الموصل ذات يوم، ام ان وراء الأكمة ما وراءها من جراء هذه الاضواء الساطعة التي تلقى فجأة على هذا الموضوع المثير والحساس؟


هذه الاسئلة فرضت نفسها بإلحاح في الايام القليلة الماضية مع التركيز على هذا الموضوع من جانب وسائط اعلام متعددة ولكن يجمعها قاسم مشترك هو السعي لإثبات وجود تنظيم "داعش" على الاراضي اللبنانية وقد كانت تعتبر الحديث عنه حتى الامس القريب بضاعة من فبركة النظام في دمشق او من انتاج باقي اطراف محوره الداخليين او الاقليميين.
انها اذا ظاهرة تحتاج الى من يسبر غور حقيقة وجودها ليبنى على الشيء مقتضاه، ولمعرفة هل في الامر نفخ متعمد ام ان على الشمال ان يواجه المزيد من الليالي الحزينة في يوم ليس ببعيد؟ لم يعد جديدا القول انه في الاعوام الثلاثة المنصرمة شهدت عاصمة الشمال جولات عنف ممتدة ومكلفة سودت نهاراتها واقضت مضاجع اهليها، ولكن كان الامر كله يوضع في خانة الاحتراب التقليدي على محاور باب التبانة – بعل محسن وما امتد عنها لاحقا. وبعد انطواء هذه الصفحة الحالكة وغياب علي عيد ونجله رفعت عن المشهد كليا، فان السؤال المطروح هو: ما حقيقة الامر الآن؟ ثمة مظاهر وظواهر عدة تؤكد وجود ممارسات ومناخات داعشية آخرها اغتيال متعمد لابن مدينة بنت جبيل فواز بزي المقيم مع اهله في داخل الاحياء الطرابلسية منذ اكثر من 70 عاما، وبالتحديد منذ ان نزح والده من مسقطه الى طرابلس بغية العمل في صناعة نجارة الموبيليا التي كانت عاصمة الشمال رائدة فيها. وقبلها كانت المدينة تضج باسماء فتيان منها قضوا حديثا في تفجيرات انتحارية في مدن عراقية وسورية انفاذا لاوامر من تنظيم "داعش"، وبعدها كان الرصاص ينهمر مجددا على عدد من سكان بعل محسن في عود على بدء، وبعدها ايضا كان رمزان من رموز التشدد من ابناء المدينة يظهران في شريط فيديو ويستخدمان لغة داعش عندما يدعوان الى تصفية "الجنود الروافض" المأسورين لدى المجموعات المسلحة في جرود عرسال.
وكانت ثالثة الاثافي حديث احد نواب الشمال عما سمّاه "ثورة سنية وشيكة" مقرونة بحملة شرسة على الجيش هي استتباع لانتقادات سابقة على المؤسسة نفسها. وعلى رغم ان هذه الظواهر لا يرقى الشك الى "داعشيتها" فان السؤال المطروح: هل هي كافية لكي يصور الامر وكأن المدينة على وشك الانزياح والدخول في كنف الخلافة التي جاهر بها زعيم "داعش" قبل فترة قصيرة ؟
في اوساط دوائر القرار في 8 و 14 آذار على السواء من يبحث عن اجابات نهائية عن أبعاد هذه الحملة. ومعلوم انه منذ ان اشتعل فتيل الاحداث في الساحة السورية اضحى الشمال عموما وطرابلس خصوصا في واجهة المشهد وفي عين العاصفة نظرا للحماسة الزائدة التي ابدتها شريحة من اهلها في سياق دعم الخارجين على النظام في سوريا. وقد سجلت خلال الاعوام الثلاثة الماضية سلسلة من الاحداث المشهودة في هذا السياق الى ان كان المظهر الاجلى في هذا الاطار الكلام المتأخر عن مخطط مضمر يعد له غايته الوصول الى مرحلة تكون فيها الواجهة البحرية الشمالية كلها عبارة عن مرفأ لإمارة "داعش" الممتدة من الموصل الى الرقة في سوريا امتدادا الى الساحل اللبناني. وعلى هذا المنوال نسج كلام آخر عن مسعى لربط بين عرسال في خاصرة البقاع الشمالي وبين الشمال اللبناني لتكتمل عبر هذا الكوريدور جغرافيا مفقودة لدويلة على وشك الولادة.
وبمعنى آخر ثمة من شاء ان يضع الجزء الشمالي من لبنان في قوس ازمات المنطقة الملتهبة، وهو امر تعزز شاهده لدى المتخوفين لحظة ان غزا الغزاة "الداعشيون" عرسال مطلع الشهر الماضي وافتعلوا حربا واسعة وللمرة الاولى مع الجيش اللبناني ووضعوا المدينة اللبنانية الطرفية تحت ظل هيمنتهم.
على المستوى الرسمي، ليس ثمة من يتعامل بذعر او بجدية مع هذا الاحتمال المتنامي عن "تدعيش" محتمل للوضع في عاصمة الشمال، ولكن فريق 8 آذار يقيم على حذر دائم من الامر كله من اوله الى آخره، والمعنيون في هذا الفريق يتابعون عن كثب تقارير تردهم عن صراع خفي بين "تيار المستقبل" من جهة وبين "كتلة التشدد" التي تنامت سريعا بفعل التطورات التي تلت تمدد "داعش" في مناطق عراقية وسورية واسعة، ويقيّمون في الوقت عينه على قراءة متدرجة للمشهد الشمالي برمته تنطلق من الاحتمالات الآتية :
- ان اثارة الامر على هذا النحو وفي هذه المرحلة ليس بريئا اطلاقا، بل يندرج في خانة المعادلة اياها التي عمل على ترسيخها منذ احداث عرسال الاخيرة، وهي الايحاء لمن يعنيه الامر بان ثمة قوة وازنة بدأت تفرض نفسها على ارض الواقع في مقابل قوة "حزب الله".
- ان اثارة الموضوع اياه على هذا النحو في اللحظة عينها التي يروج فيها الغرب بقيادة واشنطن لما سمّاه التحالف الدولي لجبه خطر "داعش"، هدفها الاقصى اقناع من لم يقتنع بعد بضرورة ادخال لبنان في هذا المحور، او التقليل من اهمية حجج الرافضين لهذا الدخول او تعميق السجال والجدال بين القابلين والرافضين.
- ان يكون هذا التسمين والتضخيم لظاهرة "داعش" مقدمة لا بد منها لولوج عتبة حسابات اخرى داخلية واقليمية يكون الشمال اللبناني بوابتها.
وسواء صحّت هذه الاحتمالات ام لم تصح، فان السؤال الذي سيظل يبحث عن اجابات شافية له هو: ما الذي يعد للشمال، او ما الذي يعد ليمرر من خلال بوابة الشمال عبر هذا الضخ الاعلامي؟


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم