الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الانقسامات الطائفية عزّزت نفوذ المرجعيات \r\nالمفتي الرقم 14 بعد 64 عاماً على بناء الدار

سمير منصور
A+ A-

لعلّ المحطة السياسية الأهم في مسار دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية كانت عام 1976 عندما عقد الاجتماع الشهير في دارة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد في عرمون، وضم الشخصيات السياسية الإسلامية المؤثرة، وكان من أبرز الحاضرين زعيم "الحركة الوطنية" الشهيد كمال جنبلاط، وبعده توالت اجتماعات شارك في بعضها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ونائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، وانبثقت من أحدها وثيقة عرفت بـ"الثوابت الاسلامية" وحسمت امر رئاسة الحكومة للرئيس الشهيد رشيد كرامي، وكانت البلاد على مفترق طرق خطير شكل بداية لحروب جديدة بعد "حرب السنتين"، واستمرت بأشكال مختلفة حتى 1990، وانتهت بدستور جديد انبثق من وثيقة الوفاق الوطني التي اتفق عليها في اجتماعات الطائف في المملكة العربية السعودية وضمت النواب اللبنانيين.


ومع تصاعد النفوذ السياسي لرؤساء الطوائف، الاسلامية والمسيحية على حد سواء، كانت دار الفتوى كغيرها من المؤسسات الدينية تزداد تأثيراً في المشهد السياسي وإن بنسب متفاوتة مع مؤسسات أخرى كالبطريركية المارونية والإفتاء الجعفري، في موازاة نفوذ مماثل لشخصيات دينية مؤثرة اثبتت حضوراً لافتاً على الصعد الدينية والاجتماعية والسياسية وفي الشأن العام عموماً، وكان منها العلامة السيد محمد حسين فضل الله والشيخ الشهيد الدكتور صبحي الصالح، كما برز في مرحلة معينة كل من الأباتي شربل قسيس والأباتي بولس نعمان في إطار ما عرف بـ"الجبهة اللبنانية". وكان النفوذ الديني يزداد تصاعداً في ظل الانقسامات الطائفية المذهبية والتصعيد في الخطاب السياسي الذي غالباً ما اتخذ منحى التحريض والشحن، وهذا ما أدى إلى انحسار حضور المستقلين والمعتدلين من كل الطوائف، سواء على المستوى السياسي أو الحزبي وحتى الوظيفي في ظل تقاسم الحصص والمواقع بين الزعامات السياسية والطائفية، بحيث لم يعد لهؤلاء مكان خارج الاصطفاف ضمن فريقهم الطائفي والمذهبي. وسنة بعد سنة أصبحت المؤسسات الدينية من أهمّ ركائز الحركة السياسية وأصبحت ملجأ السياسيين في الملمات... واجتماعات بكركي المتقطعة والموسمية بين السياسيين الموارنة خير شاهد، وقد بلغ نفوذ الصرح البطريركي ذروته بتعثّر انتخابات رئاسة الجمهورية، اذ طُلب تكراراً من البطريرك تسمية عدد من المرحشين لاختيار أحدهم بين رؤساء الكتل النيابية، مع الإشارة الى حالات تراجع لهذا الدور في بعض المراحل، ولاسيما عندما كانت المواقف السياسية للبطريرك لا تعجب أصحاب النفوذ، ولا تزال صورة الاقتحام الشهير للصرح البطريركي في بكركي والاساءة الشخصية للبطريرك مار نصرالله بطرس صفير دعماً للعماد ميشال عون، عام 1989 ماثلة في الأذهان، كما أن الخلاف الذي حصل في المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى في السنتين الماضيين وانقسامه إلى مجلسين، يساهم الى حد كبير في إضعاف دور المفتي الشيخ محمد رشيد قباني الذي أنهى أمس الساعات الأخيرة من ولايته في دار الفتوى ببلوغه الثانية والسبعين من العمر، وبدأت ولاية المفتي الجديد الشيخ عبد اللطيف دريان الذي يحمل الرقم 14 بين المفتين الذين توالوا على الموقع منذ تأسيسه، وهم على التوالي: المشايخ أحمد البربير، عبد اللطيف فتح الله، أحمد الأغر، محمد حلواني، محيي الدين اليافي، محمد فتح الله، عبد الباسط فاخوري، عبد الرحمن الحوت، مصطفى نجا، محمد توفيق خالد، محمد علايا، حسن خالد، محمد رشيد قباني.
وتجدر الاشارة إلى أنه في العهد العثماني لم يكن للافتاء جهاز اداري كما هو الحال اليوم، بل كان موقع الافتاء مقتصراً على شخص المفتي الذي كان يستقبل المراجعين وأصحاب الحاجات في بيته، إلى أن بادر المفتي الشيخ محمد توفيق خالد عام 1948 إلى البدء بتشييد المبنى الحالي لدار الفتوى في منطقة عائشة بكار، بتمويل من رئيس حكومة الاستقلال رياض الصلح، وقد بلغت كلفة البناء عامذاك، مئتين واثنين وعشرين الف وخمسمئة وست عشرة ليرة لبنانية وثمانين قرشاً، واستمرّت أعمال البناء سنتين حيث أنجز عام 1950 وانتقل إليه المفتي محمد توفيق خالد، وها هو المفتي دريان يتسلم مهماته في المبنى نفسه بعد 64 عاماً، مفتتحاً صفحة جديدة في تاريخ الافتاء، ولو دامت لغيرك لما آلت إليك!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم