الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الدولتان الصفران

امين قمورية
A+ A-

اختيار حيدر عبادي رئيسا للوزراء في العراق يثبت مرة أخرى ان التقاطع بين واشنطن وطهران هو العامل الحاسم في تحديد مسار اللعبة السياسية في هذا البلد. أما العامل الداخلي، فضعيف جداً والاضعف منه العامل العربي.


هذا التوافق الخارجي حرم نوري المالكي المنصب الاعلى، بفعل غير دستوري، كونه صاحب الكتلة النيابية الكبرى وتالياً صاحب الاحقية بالتأليف. وكان هذا التوافق نفسه حرم اياد علاوي المنصب نفسه بعملية مماثلة لمصلحة المالكي الذي حل ثانيا في الانتخابات، عندما شكل ائتلافاً حوله اعتبر الكتلة الكبرى، مع ان قائمته لم تكن كذلك في النتائج النيابية.
هذه المرة تكرس تماماً الغياب العربي عن الحياة السياسية الداخلية في العراق. صحيح ان السعودية سجلت اعتراضاً واضحاً على عودة المالكي الى رأس السلطة وكان عاهلها أحد أبرز المهنئين بوصول عبادي. لكن التغيير في العراق لم يكن استجابة لرغبة الرياض بقدر ما كان ضرورة حتمها الانفجار الداعشي في نينوى والانبار وصلاح الدين. وحده هذا المتغير كان كافياً لإنتاج تفاهمٍ جديدٍ بين الولايات المتحدة وإيران. فقد اتضح أن تجنيد العراقيين ضد داعش غير ممكن بوجود المالكي، وكذلك التدخل الأجنبي في العراق، لانه سيفسر بانه نصرةَ لطائفةٍ على أخرى، إذا لم يسبقه تاليف حكومة واسعة، وهو أمر مستحيل في ظل وجود المالكي واخطائه.
أما الخارج الابرز من المعادلة فهو سوريا. ذلك أن دمشق كانت شكلت بدعمها المعلن لاياد علاوي آنذاك لاعباً بارزاً في الداخل العراقي تطلب ضغوطاً اميركية وايرانية كبيرة كي تتخلى عن مرشحها لمصلحة المالكي مرشح واشنطن وطهران في حينه. ولم يتراجع النظام السوري عن موقفه في العراق في ذلك الوقت الا ارضاء لواشنطن وليس لطهران، محاولاً يومذاك تسجيل نقاط لمصلحته وكسر العزلة الدولية التي كان يعانيها عشية عودة السفير الاميركي الى دمشق بعد قطيعة ديبلوماسية طويلة. أما اليوم، فان دلالات تغيير المالكي في بغداد لا تسر ساكن قصر الشعب في دمشق. فهو لم يخسر فقط حليفاً بالضرورة في العراق المجاور، بل يخشى ان يجد نفسه يوماً كبش فداء على مذبح التسويات الكبرى المحتملة بين واشنطن وطهران التي تظهر ان المصلحة العليا للدولة الايرانية تتفوق على المبادىء والعلاقات الشخصية والتمسك بالحلفاء، خصوصاً ان حربه المدمرة رمته تماماً في احضان الآخرين ولا سيما منهم ايران.
أثبتت مجريات الامور في العراق، وتفاعلات العدوان الاسرائيلي على غزة، ان الحرب الدائرة على الارض السورية لم تدمر البشر والحجر والمؤسسات في هذا البلد فحسب، بل جعلت سوريا بعد العراق، ما أريد لهما من زمان ان تكونا: دولتين صفرين في المعادلات الاقليمية.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم