الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عودوا إلى التحدث وجهاً لوجه!

المصدر: "النهار"
A+ A-

تعززت قدرة الإنسان على التواصل مع غيره جرّاء التطور التكنولوجي، فأصبح يعتمد على البريد الالكتروني (E-mail) والرسائل النصية (SMS) وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة بشكلٍ يومي. وفيما يوفّر عليه هكذا أسلوبٌ للاتصال الكثيرَ من الوقت، ويجعل تواصلَه مع الغير سريعاً، فإنه قد أدى إلى تقويض جهوده للتواصل بنجاح، خصوصاً أن اعتماده عليه أصبح مفرطاً. فالسرعة في التواصل لا تعني بالضرورة نجاحاً في التواصل، ما يؤكد أهمية الحديث وجهاً لوجه.


 


 


الاتصال ليس فقط كلمات


يمكن تلخيص عدم نجاح الاتصال الالكتروني بنتيجة البحث الذي أجراه أستاذ علم النفس المتقاعد في جامعة كاليفورنيا – لوس أنجلس ألبير مهرابيان، إذ خَلُصَ إلى أن 7% فقط من الرسالة يقوم على كلماتها، 38% على نبرتها، و55% على تعابير الوجه ولغة الجسد، أي إن الغالبية الكبرى لعملية التواصل لا تتعلق بالكلمات.


من هنا، نجاح تواصل الإنسان مع غيره يكمن في توجهه إليه بالحديث وجهاً لوجه، ففي هذا الأسلوب يسمع المتلقي نبرة الصوت ويرى تعابير الوجه ولغة الجسد عند المتكلّم، مصغياً إلى كلماته، خلافاً لأسلوب الـE-mail والـSMS حيث لا يفهم المتلقي إلا 7% من مضمون الرسالة، بما أنه يتلقى فقط الكلمات المكتوبة. فكم من نكتة لم يفهمها متلقي البريد الإلكتروني مثلاً، ولم يعرف حتى إنها نكتة، على الرَّغم من استعمال الشخص لرمزٍ تعبيري (Emoji)!


كذلك أكدت دراسة للباحث غريغ ستيفينز في جامعة "برينستون" في نيوجرسي أهمية التواصل وجهاً لوجه بدل التواصل عبر الهاتف أو البريد الالكتروني، اعتمد فيها على التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (FMRI)، إذ أشارت دراسته إلى أنه خلال حديث شخصٍ مع الآخر في تواصلٍ سليم وجهاً لوجه، يُظهر دماغ كلّ واحدٍ منهما عوارضَ متشابهة وأنماطَ استجابة مشتركة، فيما ينخفض إلى حدٍّ كبير هذا الاقتران العصبي عند غياب الاتصال السليم، أي عنداللجوء إلى الـE-mail والـSMS.


 


الخلايا العصبية المرآتية


في تحدّث الشخص مع صديقه وجهاً لوجه تعاطفٌ وتفاهمٌ لا يمكن إيجادهما في تواصلهما عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية، وأثبت الاختصاصي الإيطالي بالفيزيولوجيا العصبية غياكومو ريزولاتي - الذي يعمل حالياً في جامعة بارما – الأمر، حين اكتشف الخلايا العصبية المرتبطة بمسألة التعاطف مع الغير، وسمّاها "الخلايا العصبية المرآتية" (Mirror Neurons).


إذ إن دراساته وجدت أن هذه الخلايا تعطي الإنسان القدرة على اختبار الأمور نفسها مع الغير، فيشارك في الحديث مع الشخص الآخر بشكلٍ سليم وواضح ومفهوم، وتجعله يتصوّر نفسه في مكانه أحياناً، أي مفكّراً مثله ومختبراً أحاسيسه من خلال محاكاةٍ مباشرة لشعوره. هذا ما يحصل عند تفهّم الصديق لصديقه ووضوح الحديث بين زملاء العمل وتفاهم الزوج والزوجة، بما أنهم اعتمدوا الاتصال المباشر أي وجهاً لوجه، من غير اللجوء إلى البدائل الإلكترونية الغامضة.


وكلّما تعمّق الحديث أكثر "اختلط" الدماغان معاً، ويصبح دماغ السّامع معتمداً نمطَ استباق واقع القصة التي تجري، وتوّاقاً لمعرفة مجرياتها وكيف سيُنهي المتكلم ما يخبره إياه، ما يؤكد عمق الحديث ومدى التفاهم الذي يجمع الشخصَين في التواصل المباشر، خلافاً للتواصل عبر الـE-mail والـSMS.


 


طريقة الاتصال هي الرسالة؟


يستعمل البعض طريقة اتصال معينة لإيصال رسالة بطريقة غير مباشرة، فاعتماد الشخص على البريد الالكتروني قد يدل إلى هروبه من المواجهة، خصوصاً أن هذه الطريقة تتطلب وقتاً للرد خلافاً للاتصال المباشر عبر الهاتف أو عبر "سكايب". أما الاتصال عبر الرسائل النصية فيشكل وسيلة للتحدث بطريقة غير جدية في الكثير من الأحيان، ما يفسّر اعتماد الهاتف أو الحديث وجهاً لوجه في الأمور الجدية أو المهنية أو الزوجية.


والسرعة في الرد هي أيضاً دليل متانة الاتصال، إذ إن البطء عمداً بالرد على أحدهم أرسل رسالة إلكترونية أو رسالة نصية يشير إلى عدم الرغبة بالتحدث، تماماً عندما يتأخر أحدهم على الرد على مكالمة هاتفية، سعياً منه لإضاعة الخط، أي ليقفل المتّصل الخط، أو تحضيراً لكذبة أو تبريرٍ ما عند استقبال المكالمة، ما يدل إلى أن طريقة الاتصال تكون أحياناً هي الرسالة بحد ذاتها.


 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم