الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

نزيه خاطر سطورُهُ دسمة

شوقي أبي شقرا
A+ A-

يودعنا نزيه خاطر ونحن نودّعه، وقبلاتنا ترتمي حارة على وجنتيه وعلى قلبه وعلى كيانه أجمع وعلى قلمه الألذ. وهنا يلتقي الوهج والضرب على الآلة، على الجرس الذي يطنّ ويسمعه الخلّص له والذين آمنوا به وأحبّوه كثيراً حين اكتشفوه خارج الشهوات حجراً كريماً.


ونزيه لم يكن الا الشرس في ميدانه، في ساح الكلمة. ولم يكن أيضاً الا الحنون في بطانته في حاشيته وفي من حواليه. ولم يكن الا الوافر العاطفة نحو الأقرب ونحو الأبعد قليلاً أو في بعض زيادة أو في بعض نقصان. ويغفر له فن النقد الذي مارسه طويلاً في "النهار"، وفي الصفحات الثقافية، كونه عذباً في فينة وكونه صلباً في فينة، وكونه عاصفة في فينة ثالثة. ذلك أنه دقيق في عمله، في سطوره الكثيفة البنيان، وفي الجملة المجدولة كأنها على النول، وذات البث الجمالي، وهكذا حاملاً انفراده في حقله، والليان المستعر في تعابيره. وكان يلبث في هذا النطاق، في براري أحلامه وحيد القرن، وحيد الأنفاس، وحيد الفكر والأفكار. ولطالما أنكره القارئ في بدء الكتابة، ثم كان الأياب اليه والاعتماد عليه حيث الأمر يتطلب، وحيث هو كأنه الأستاذ. وانما التلميذ من يتصفح نصوصه التي تحتوي الرأي المنبعث من الناقد الذي كان، ومن المثقف الذي له حسابه وله مؤونته من العلم والعلماء ومن الأدب والأدباء ومن الشعر والشعراء. وكان، فوق شخصه الصحافي، معلماً في التربية اللبنانية. وعلى سحابة مديدة فلش بساطه وذوقه والرعشات التي دل عليها. وكان صادقاً أتمّ الصدق لا يهون ولا يضعف أمام من كانوا يتربصون أو يخافون أو ينزعجون من أيّ مقالة له وأيّ قول وأيّ خطاب.
ونزيه يشبه عصره، وكان الساقي والذي يستقي والذي يرتوي من غمزة أو من لوحة، أو من مسرحية او من لعبة هي كبرى وينبغي ان تنقل من ظلام الى نور.
وفي الحركة التشكيلية والمسرحية اللبنانية طالما حضر وناقش وارتأى وزها بما هو جيد، متقدم، وموهبة قيد الانطلاق. وحرص دائما على الانشاء الدسم، كما قلت، وعلى أنه دائماً في صراع مع الكلمة، مع اللغة العربية. ومن جراء فهمه وصلته بهذه اللغة، سار متأنيا في مطافها الواسع، وابتكر تلك الجملة الكفية السطوع، والكفية الزينة، والكفية الوضوح، ولكن في مرتع من الثقة والاقتدار على أن يروض وأن يمهد وان يرمي حبات الحنطة في الثلم الصحيح.
ويذهب نزيه رفيقنا في المغامرة الحديثة وحيث الاصالة تغني عن الجوع، الى الضفاف، الى الجوانب، الى الاطراف المسرفة في استقبال البارعين من امثاله. ونشعر بوقتنا هذا، بأنه ثقيل علينا، وبأننا فقدنا من هم غيارى على الوطن، على كل شيء ذي فتون وكأنهم البدر في سمائه وهم أعطوه ومنحوه العز، وأعطوا صحافتنا باللغات الثلاث، ما يعد حصاداً ووزنات ولن يرحل ويتبدد سريعاً بل ينهض علانية ويصلح ان يكون إرثاً يغرق في الغنى، وفي ملاعب البقاء وأسرار الحياة التي لا تزول، هذه المرأة التي كم هي علبتها ملأى بها وتنتظر البشرى ولو قصية ولا دانية القطوف عند الصديق والكاتب الذي اعتزم الرحيل.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم