الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

نريد رئيساً يقرأ بل رئيسة!

عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

للسياسة قوّادون وقادة وأذناب. لسنا من هؤلاء ولا من أولئك. ولا نطمح. لكن يعنينا أن نتمكن، أن يتمكن المواطنون من العيش الخلاّق، الجوهري، البسيط، الآمن، الكريم، بعيداً من المقابر ومن مستنقعات الموت والجوع والمرض واليأس والذلّ والمهانة والخنوع والفساد.


هل هذا العيش ممكن؟ الجواب الموضوعي والعقلاني الذي يجب أن يكون بديهياً لدى المواطنين، وخصوصاً الذين منهم يعلّقون آمالاً كباراً على المسألة، هو الآتي: هذا العيش ليس متوافراً ولن يكون ممكناً في اللحظة الوجودية الراهنة. كلّ مطالبةٍ حالمة ومترفة من هذا النوع، وخصوصاً عشية الاستحقاق الرئاسي، تذرّ الرماد والغبار في العيون والعقول، وتضع شروطاً تعجيزية يستحيل تحقيقها.
لن نحصل على رئيسٍ رئيس. لأن الرئيس، كهذا، لا يطلع من اجتماعات الطوائف والمذاهب، ولا من الأروقة والدهاليز والكواليس وأقبية الصفقات والمساومات والإرادات الإقليمية والدولية، بل من الوجدان العارم.
حياتنا السياسية تشهد عموماً – لكن من دون تعميم - جفاف الوجدان، بل موته تقريباً. فمن أين يؤتى برئيسٍ طالعٍ من مآثر الوجدان ومن خيول أحلامه؟ شأننا في هذا الاستحقاق، شأننا في الاستحقاقات السابقة المماثلة. فهل أتينا يوماً برئيسٍ معجزة، لكي نحلم برئيسٍ مثله؟ هل شهد تاريخنا السياسي رئيساً كهذا، لمجلس نوابنا الكريم؟ أو رئيساً موازياً ومن العيار نفسه لمجلس وزرائنا؟
لو كانت طبقتنا السياسية متمرسة بالمعايير القيمية، لو كان قرار الرئاسة وغيرها بيد هذه الطبقة "النبيلة"، لو أن هذه الطبقة تجرأت يوماً فجاءت برئيس من طينة ريمون إده، مثلاً، لكان لنا أن نتجرأ اليوم فنحلم بشخصٍ مماثل، في حال توافره.
السؤال البسيط الذي يجب أن يطرحه اللبنانيون على أنفسهم، ويجب أن يملكوا عنه الجواب البسيط، هو الآتي: هل يعتقد اللبنانيون "من كلّ عقلهم"، أن ما يجري هو لاختيار الرئيس الأفضل؟ لو كان المطلوب هو هذا حقاً، لكان علينا أن نطرد على الفور، الغالبية الساحقة ممّن يشغلون مراكز السلطة، والمناصب العمومية على الغارب، فنملأ شواغر الإدارة اللبنانية، لا بالتعيينات التي يفرضها قوّادو الأمر الواقع، بل بالكفاءات التي يضجّ بها مجتمعنا، لكنْ كفّروها وهجّروها أو أجلسوها في الظلّ، بعدما يأّسوها، في الديبلوماسية والأمن والثقافة والتربية والعدل والقضاء والاجتماع والاقتصاد والمال والصحة والكهرباء والأشغال والماء والطرق. وهلمّ.
على هامش الاستحقاق الرئاسي، وعلى سبيل التندّر الأسوَد، عرفتُ، عن كثب، أن مرضى الطموح الرئاسي "الماروني" يتكاثرون كالفطر، والطحالب، والطفيليات. حتى لسألتُ نفسي: لماذا يريد شخصٌ "ماروني"، بارع في عالم المال، أو في عالم الطبّ، أو في عالم الصناعة، أو في عالم الأمن والعسكر، أو في عالم العدل والقانون، أن يتخلى عن ميدان براعته وتفوقه، ليجعل من نفسه ممسحة... سياسية؟
للسياسة قوّادون وقادة وأذناب، وهؤلاء وأولئك لن يأتونا برئيسٍ للوجدان بل بمَن يكون واجهة منعَّمة، منزوعة الأظفار، للجلوس على كرسيّ الأمر الواقع.
... إذا لم يؤتَ بالفراغ نفسه رئيساً!

* * *


السؤال الذي أطرحه على الرئيس، على كلّ مرشح للرئاسة، مثلما أطرحه، في كلّ حين، على كلّ مرشح لرئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء، والنيابة والوزارة، ووظائف الفئة الأولى، ورئاسة الجامعة والعمادة: هل يقرأ الفكر أو الأدب قبل أن ينام؟ هل قرأ يوماً لمنى جبور؟ لرينه حبشي؟ لكمال صليبي؟ لمحمد العبدالله؟ لليلى بعلبكي؟ لعلوية صبح؟ لميشال طراد؟ لأنيس فريحة؟ لعاصي رحباني؟ ليوسف حبشي الأشقر؟ لفؤاد كنعان؟ لرئيف خوري؟ لصلاح لبكي؟ للشيخ عبدالله العلايلي؟ للخوري ميشال الحايك؟ لمهدي عامل؟ لأحمد بيضون؟ لبول شاوول؟ لسمير قصير؟ لجمانة حداد؟ لالياس خوري؟ لمحمد الماغوط؟ لجورج شحادة؟ لبدر شاكر السياب...؟
رئيس لا يقرأ، رئيس لا "يهرب" إلى رأسه، ولا إلى الطبيعة اللبنانية، ولا يشعر بما آل إليه جمالنا الأرضي على يد السلطات المتعاقبة، ووحوش الاستثمار، كيف له أن يكون على صلةٍ وثيقة بما يضطرم في الوجدان؟
رئيس متواضع الثقافة، بل رئيس لا يقرأ الفكر ولا الأدب؛ رئيس ذكوري، غير علماني، غير مفلوج وغير مصاب بالسكّري، بسبب انهيار لبنان المدني الديموقراطي الثقافي، وبسبب تمريغ دولة الحق والحرية وسلّم القيم والمعايير، كيف يتجرأ أن يكون رئيساً للبنان هذا؟

* * *


في الإحصاءات الموثوق بها، أن عدد المقيمين في لبنان تخطى الستة ملايين نسمة، بينهم نحوٌ من مليونين، وربما أكثر، من غير اللبنانيين، الذين اضطرتهم ظروفٌ معلومة (ومجهولة!) إلى اللجوء. بعد قليل من الوقت، من المحتمل، وفق معطيات الأمر الواقع المحلي والإقليمي والدولي، أن يصير هؤلاء، أو القسم الأكبر منهم، جزءاً لا يتجزأ من مكوّنات النسيج المجتمعي اللبناني، ومن موازين الديموغرافيا اللبنانية، بما ينطوي عليه هذا الموضوع من أخطار رهيبة تدمّر جوهر الكينونة اللبنانية، وبنية توازناتها.
أيّ مرشّحٍ من مرشّحي الرئاسة، يشترط على ناخبيه النواب (وغير النواب!) أن ينتخبوه على أساس الحلّ الذي يقترحه لهذه المسألة الوجودية الشائكة؟ فلأطرح السؤال بطريقة واضحة وشفّافة، وهو السؤال الذي يلهج به الضمير الجمعي اللبناني، كلٌّ من الزاوية التي ينظر فيها إلى الموضوع: ماذا لو بقي الوضع المأسوي في سوريا على حاله، بما يحول دون عودة غالبية اللاجئين السوريين في لبنان إلى ديارهم؟ فليعلن المرشحون جهاراً، أنهم يطلبون انتخابهم على أساس الحلّ الذي يقترحونه لهذه المأساة، وليُجرَ انتخاب كلٍّ منهم وفق تصورّه لهذا الحلّ؟

* * *


... ولماذا لا يكون الرئيس رئيسةً؟! امرأة؟ تجمع في شخصيتها الرئاسة والسياسة والديموقراطية والذكاء والمعرفة والثقافة والمدنية والكرامة والحرية والإباء والشراسة والقوة وعبقرية ... الأنوثة؟ شيءٌ من هذه الصفات، يعيد لبنان إلى ذاته، ويضعه على سكّة المعايير الانسانية.
رئيسة كهذه، أجدني كمواطن، معنياً بالمطالبة بترئيسها، بدل الغالبية الساحقة من المرشّحين المعلومين والمجهولين للرئاسة، ومعنياً بتوقيرها، والانحناء لدى عبورها، أنا الذي نادراً ما انحنيتُ لأحد.

* * *

ليس سرّاً أن رئيس قلبي ليس رجلاً، ولا بالتأكيد رجل سياسة. بل امرأة.
فليكن الرئيس، لمرّة واحدة، عن المرّات كلّها، امرأة. ليس من أجلي فحسب، بل خصوصاً عن الرجال جميعهم. ومن أجل لبنان!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم