الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كامل حمادة.. لبناني يموت دفاعاً عن مطعمه في كابول

المصدر: "بي.بي.سي"، ترجمة نسرين ناضر
ليز دوسيت
A+ A-


كان كامل حمادة يُعدّ أفضل قالب حلوى بالشوكولا في كابول، وأشهى الأطباق اللبنانية، وكان يعتقد أيضاً أنه وضع أفضل خطة لإجلاء المطعم. لكن خطته لم تنجح في إنقاذه وآخرين ممن قضوا معه عندما هاجمت حركة "طالبان" مطعمه Taverna du Liban الكائن في شارع هادئ في أحد أقدم الأحياء في العاصمة الأفغانية.


لكن إجراءات السلامة التي اتّخذها ساهمت في إنقاذ أشخاص كثر.


ويُقال إن كامل استلّ مسدساً من مكتبه لمواجهة المهاجمين الذين أطلقوا عليه النار وأردوه قتيلاً فيما كان يدافع عن مطعمه العزيز على قلبه.


لم أكن لأتوقّع منه أن يتصرّف بطريقة مختلفة. فقد تعرّض مطعمه لهجوم من قبل. وكان يخبرني دائماً أن مسدّسه جاهز لمساعدته على الدفاع عن مطعمه والأشخاص الذين ساهموا في جعله مكاناً مميزاً.


عندما أوقِف بعض موظّفيه قبل بضع سنوات على خلفية ضلوعهم في خلاف محلي، أصرّ كامل على الذهاب إلى السجن معهم لأنه اعتبر أن وجوده يساهم في التعجيل في خروجهم. وقد تحقّق ذلك فعلاً.


كلما كنت أزوره في كابول، كان يُقدّم إلي بكل فخر أحدث أطباقه التي يُعدّها الطهاة الأفغان العاملون في المطعم، والطهاة اللبنانيون الذين أقنعهم بالانضمام إليه في العاصمة الأفغانية.


وغالباً ما كان يُريني التدابير الإضافية - مزيد من الأبواب والمسدسات والقوانين - لمواكبة اللائحة المتزايدة من المقتضيات الأمنية التي تفرضها المنظمات الأجنبية والأفغانية.


محطة مظلمة


وقد عبّر الأفغان والأجانب - الذين سبق أن حلّوا ضيوفاً على مطعمه - عن حزنهم وصدمتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الحزن والصدمة على خسارة كامل حماده إنما أيضاً على أفغانستان.


اكتسب كامل روحه المتّقدة بالحماسة والعزم من وطنه الأم لبنان وملامسته للمخاطر في أماكن مثل بغداد وكابول.


كانت ابتسامته الدافئة التي لا تفارق وجهه تخفي وراءها روحاً هائمة أقامت موطناً لها في أماكن حيث غالباً ما يعيش الناس على حافة الهاوية ويبحثون عن مكان لينسوا ذلك.


ويشاء القدر بطريقة مأسوية أن يُقتَل صديقه اللبناني، وابل عبدالله، ممثّل صندوق النقد الدولي البالغ من العمر 60 عاماً، في الليلة نفسها. غالباً ما كنت أراهما معاً في المطعم يستعيدان الذكريات عن الأرض التي غادراها والمكان الذي بات الآن الوطن بالنسبة إليهما.


بعد ساعات على وقوع الانفجار، توالت التفاصيل والمعلومات عن هويات القتلى الذين سقطوا في تلك الأمسية التي كان يُفترَض بها أن تكون أمسية هادئة في كابول يستمتعون فيها بتناول الأطباق اللبنانية اللذيذة.


بذل كامل قصارى جهده ليجعل مطعمه في كابول بمثابة منزل لعدد كبير من سكّان كابول البعيدين عن ديارهم.


مهما كان الطعام الذي يطلبه روّاد المطعم، كان يُحضر لهم دائماً ضعف الكمية. وعندما ينضم إلى طاولة أحدهم، يتبادل معه أحاديث آسرة.


ذات ليلة، دعوته للانضمام إلينا لمناقشة فيلم كنّا ننوي إنتاجه عن مستديرة شهيرة في كابول كانت طوال قرون محط تركيز من الملوك ورجال حاشيتهم. عنوان الفيلم بلغة الداري هو "أخبار سر چوك"، أي أخبار المستديرة.


كامل هو من اقترح علينا، مع الضحكة الخافتة التي كانت تُميّزه، أن نستخدم الطريقة الأحدث لمعرفة ما يحصل، من خلال منطاد المراقبة الأبيض، أي العين التي تتمايل في السماء فوق القصر الرئاسي.


قال بلال سرواري، زميلي في "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) في كابول، إن المهاجمين من حركة "طالبان" أجروا بحوثهم الخاصة قبل تنفيذ الهجوم. وقد أخبرته الشرطة أنهم وصلوا مع "خرائط وتواريخ ومشروبات الطاقة" لتنفيذ "عملية منظّمة ومدروسة جيداً".


عندما اقتحموا الأبواب المعدنية المزدوجة، دمّروا أيضاً شيئاً من الأمل ببقاء كابول مكاناً مضيافاً وآمناً تماماً كما أراد كامل حماده من خلال مطعمه.


كتب بلال عبر "تويتر": "كابول تنزف، وكذلك قلبي".


في عام مصيري لقياس مدى قوّة الأمن والاستقرار في أفغانستان، كانت محطة مظلمة حقاً أن ينطفئ ضوء قيّم جداً في المدينة.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم