الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الحديث عن تنازلات يحتاج إلى "تدقيق"!

سركيس نعوم
سركيس نعوم
A+ A-

التنازلات الأخرى التي قدّمها "حزب الله" والتي ساهمت في اشاعة مناخات إيجابية عن الحكومة العتيدة، وفي تكوين مواقف عند غالبية الأطراف السياسيين في البلاد ترجّح، مع شيء من الجزم، قرب ولادتها بعد "حَمْلٍ" أصبح غير طبيعي أو يكاد أن يصبح كذلك، هذه التنازلات التي تحدّث عنها صديقي الشخصي في "الموقف" أمس لا يبدو أنها ثابتة أو نهائية أو ان المقصودين بتقديمها قد قدّموها. فانسحاب قوات "حزب الله" من سوريا صار قراراً إقليمياً كبيراً وربما ذا أبعاد دولية. ولذلك فإن "الحزب" لن يقبل أن ينصّ عليه البيان الوزاري في صورة مباشرة. وما قد يوافق عليه هو نص يؤكد على سياسة النأي بالنفس عن ما يجري داخل سوريا أو الابتعاد عن التورّط فيه. وهذا الموقف ليس جديداً، لأن حكومة ميقاتي المستقيلة المُمثِّلة لـ"خطّ واحد" في لبنان اتّخذته واعتمدته سياسة رسمية، لكنه لم يطبّق لا على الأرض، أي عسكرياً، ولا حتى في السياسة. والتخلّي عن "ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة" لم يُعلن "حزب الله" موافقته عليه ولا حتى حليفه في الزعامة الثنائية للشيعة رئيس أمل ومجلس النواب نبيه بري. كل ما قيل في هذا المجال أن اللغة العربية غنية جداً، وفي الامكان الاستناد اليها للخروج بصيغة مبهمة أو غير واضحة عن هذا الموضوع ترضي 8 و14 آذار جزئياً، ولكن من دون أن تقنع اللبنانيين أن هذه المشكلة وجدت لها حلاًّ نهائياً. والأمر نفسه بالنسبة الى "إعلان بعبدا" الذي يعتبره رئيس الجمهورية ميشال سليمان إنجازه الأكثر أهمية، أو ربما الوحيد. ذلك أن اللغة العربية الغنيّة ستتكفل باشارة إليه في البيان الوزاري إذا وصلت الحكومة الى هذه المرحلة لا تؤكد شيئاً ولا سيما في ظل الغموض الذي يحيط بموضوع "الحياد" أو "التحييد"، والذي ينظر اليه كل من فريقي الصراع الأساسيين في طريقة تختلف عن نظرة الآخر. وعمر هذا الاختلاف من عمر تأسيس دولة لبنان تقريباً.
أما تنازل "حزب الله"، أو بالأحرى تخلّيه عن استعمال قوته العسكرية الكبيرة في الداخل اللبناني سواء بتكرار عملية 7 أيار 2008 أو بتنفيذ عملية أقسى منها وبما لا يقاس، وذلك بسبب تعاظم قوة الجيش اللبناني وتماسكه والدعم الداخلي الشعبي له والخارجي والاستعداد لتقديم المساعدات التي يحتاج اليها، أما هذا التخلي فيحتاج إلى الكثير من التدقيق. فقرار "الحزب" أساساً كما قرار راعيته الأولى الجمهورية الاسلامية الايرانية هو عدم الانجرار إلى فتنة أو قتال في الداخل، ومحاولة تلافي ذلك بكل الوسائل. لكنّ عند الاثنين قراراً آخر هو خوض "المعركة" إذا فُرِضت عليهما. وهناك فريقان قد يكون لهما مصلحة في فرضها هما الجهات الاسلامية المتشدّدة جداً (السنّية)، والنظام السوري. فضلاً عن أن تهديد "الحزب" بالجيش ليس في محلّه رغم كفاءة جنوده وضباطه وقيادته، ورغم النشاط المُجهِد الذي بذله طيلة السنوات الثلاث الأخيرة. ولا يعود ذلك إلى عدم توافر السلاح والعتاد فقط، بل يعود، إضافة الى ذلك، الى أمرين: الأول، هو انقسام اللبنانيين شعوباً طائفية ومذهبية. فالجيش مكوَّن منهم وليس مستورداً من السويد أو من أي دولة اخرى. ويعني ذلك أن خلافاتهم وصراعاتهم موجودة داخله، وأي تحرّك فعلي له بهدف بسط سيطرة القانون ونزع السلاح لن يكون ناجحاً وإن كان "بالتساوي والعدل" لأن السلطة السياسية الرسمية منقسمة مثله ومثل الشعب عملياً وحتى رسمياً. ولن يكون ناجحاً اذا كان يستهدف فريقاً بعينه أو منطقة. لأن المستهدفين سيتعرّضون له وللدولة وربما يعرّضونه لـ"اختبار وحدوي" خطير ليس لبنان في حاجة اليه الآن. وكي لا يبقى الكلام عاماً، وكي لا يعتبره البعض تنظيراً بقصد "التيئيس" يمكن الاشارة الى المهمة العسكرية الواسعة التي كلَّفت السلطة المعنية الجيش تنفيذها في طرابلس بعد آخر جولة قتال شهدتها جبهة بعل محسن – التبانة. فهي تقلّصت عدة مرات بحيث صارت أخيراً تنفيذ مذكرات قضائية. والمعلومات المتوافرة عن هذه المرحلة تفيد أن قيادة الجيش كانت عازمة على تنفيذ المهمة الكبيرة، لكن مسؤولاً سابقاً أبلغ إليها أن تنفيذاً كهذا ستعتبره كل الفصائل الاسلامية حرباً شاملة عليها وستردّ عليه. وكان ذلك أحد اسباب تصغير حجم "الحجر". وفي المجال نفسه يقول مطّلع وعارفٌ إن صديقاً للقائد العماد قهوجي قال له بعد إحدى الجولات العنفية الطرابلسية: "بعد الذي جرى في صيدا (عبرا) لم تعد تستطيع أن لا تفعل شيئاً في طرابلس". فكان الجواب: "لكنهم سيطلقون النار على الجيش...". فردّ الصديق بنصيحة ثانية: "يجب أن تتلافى أي حال تُكتِّل، السنّة أو غالبيتهم ضدّك وضد الجيش. فـ"حزب الله" ليس موجوداً في طرابلس ولن يدخلها للمساعدة".
هل من قصة فعليّة للتطورات التي فتحت باب حل الأزمة الحكومية وإن مواربة حتى الآن؟


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم