مقابل ثمين... لماذا صمتت إسرائيل عن صفقة مقاتلات إف-35 للسعودية؟
حين وافقت الإدارة الأميركية على بيع إحدى أكثر مقاتلاتها حداثة وتطوراً (إف-35) للسعودية، اتهجت الأنظار نحو إسرائيل، التي سبق أن رفضت امتلاك أيّ دولة محيطة بها أو قريبة منها سلاحاً متطوراً، كما سبق أن خاضت في ثمانينيات القرن الماضي معركة شرسة لمنع بيع الولايات المتحدة طائرات المراقبة AWACS للرياض. وقد سجّل هذا الصدام كواحد من أصعب المواجهات في تاريخ العلاقات الأميركية - الإسرائيلية.
في عام 2007، حاولت إسرائيل مجدداً منع الولايات المتحدة من بيع مجموعات القنابل الذكية - المعروفة باسم JDAMs – للسعودية أيضاً.
وبالتالي، السؤال المطروح اليوم: لماذا لم تعارض إسرائيل بيع المقاتلات الأميركية الحديثة للسعودية؟
ياكواف كاتس، أحد مؤسسي منتدى السياسة MEAD، والباحث البارز في JPPI، ورئيس تحرير السابق لصحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، يجيب عن هذا السؤال، ويشير إلى الفوارق بين الماضي والحاضر.
يقول كاتس في مقالة بالصحيفة نفسها إن الفرق هو أن السعودية في عام 2025 لن تكون كما كانت في ثمانينيات القرن الماضي، أو حتى في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لم تعد السعودية لاعباً إقليمياً بعيداً، بل أصبحت شريكاً استراتيجياً لإسرائيل. يضيف: "يسافر الإسرائيليون إلى الرياض لأغراض العمل؛ وتحلق الطائرات الإسرائيلية فوق المجال الجوي السعودي؛ وساعدت الطائرات السعودية في اعتراض وابل الصواريخ الإيرانية العام الماضي؛ ويتحدث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان صراحةً عن التطبيع".

علاوة على ذلك، لن يتسلّم السعوديون طائراتهم من طراز إف-35 قريباً. فدُول عربية وُعدت بطائرات مماثلة كجزء من اتفاقيات أبراهام في عام 2020 لا تزال تنتظر لأكثر من خمس سنوات، بعدما جمّدت المخاوف الأميركية من وصول هذه التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين الصفقة. وكما هو الحال مع هذه الدول، سيمتد الجدول الزمني لتسليم الطائرات للسعوديين سنوات عدة، ويتطلب موافقة الكونغرس ومراجعة البنتاغون. التفاصيل قابلة للتغيير، والتكنولوجيا قابلة للتخفيض، والشروط قابلة للتغيير، وفق كاتس.
ثانياً، تُدرك إسرائيل أن هذه الصفقة جزءٌ لا مفر منه من المسار نحو اتفاق تطبيع مع المملكة بوساطة أميركية.
ثالثًا، وربما الأهم، القانون الأميركي يُلزم واشنطن بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. إذا حصلت السعودية على هذه الطائرات، فستطالب إسرائيل بحزمة تعويضات خاصة بها، يعدّدها الكاتب:
ما تريده إسرائيل يُناقش بالفعل خلف أبواب مغلقة. أحد الاحتمالات هو الوصول إلى منصات محظورة حالياً، مثل طائرة أف-22 رابتور، التي اعتُبرت حساسة للغاية للتصدير. خيار آخر هو المشاركة على المستوى الأساسي في تطوير منصات أسلحة مستقبلية، مثل المقاتلة الأميركية أف-47، التي تنتمي إلى الجيل التالي، والتي كشف عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخيراً.
خيار ثالث هو حزمة مساعدات عسكرية جديدة طويلة الأجل لتحلّ محلّ مذكرة التفاهم التي تنتهي في عام 2028. تسعى إسرائيل جاهدةً لوضع إطار عمل مدّته 20 عاماً، يتضمّن مساعدة مالية لشراء طائرات أميركية الصنع، إلى جانب برامج بحث وتطوير مشتركة لأنظمة الأسلحة المستقبلية.
سيُمثل هذا النوع من التعاون تحولاً في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية من علاقة مشترٍ ومورد إلى شراكة استراتيجية حقيقية، تربط الولايات المتحدة وإسرائيل تقنياً وعملياً بطرق تدوم. قد تكون النتيجة النهائية مزيجاً من هذه الخيارات مع منصات متقدمة، وتعاون تنموي، وحزمة تمويل طويلة الأجل.
بالتالي، يخلص كاتس إلى أن إسرائيل قررت عدم مواجهة الولايات المتحدة، والتركيز بدلاً من ذلك على إمكانية التطبيع مع السعي إلى تعظيم المكاسب التي يمكن أن تحققها في المقابل.
يرى الباحث والكاتب الإسرائيلي أن هذه اللحظة "تتجاوز" مجرد الطائرات المقاتلة، وتتعداها لتصل إلى حدود وضع الخطوط العريضة المحتملة لنظام إقليمي جديد ناشئ بعد عامين من الحرب مع إيران و"حماس" و"حزب الله" والحوثيين.
نبض