تقرير أميركي: تحذيرات داخل الجيش الإسرائيلي من جرائم حرب في غزة
أعلن 5 مسؤولين أميركيين سابقين أن الولايات المتحدة جمعت معلومات مخابراتية العام الماضي تفيد بأن مستشارين قانونيين في الجيش الإسرائيلي حذّروا من وجود أدلّة قد تدعم اتّهامات تتعلّق بارتكاب إسرائيل جرائم حرب في حملتها العسكرية في غزة، وهي عمليات اعتمدت على أسلحة زوّدتها بها الولايات المتحدة.
وأضاف المسؤولون أن هذه المعلومات، التي لم يُكشف عنها من قبل، كانت من بين أكثر التقارير المخابراتية إثارة للدهشة التي عُرضت على كبار صانعي القرار الأميركيين خلال الحرب، إذ أشارت إلى وجود شكوك داخل الجيش الإسرائيلي بشأن قانونية أساليبه، في تناقض واضح مع الموقف العلني لإسرائيل الذي يدافع عن عمليّاتها.
وقال اثنان من المسؤولين الأميركيين إن هذه المعلومات لم يجرِ تداولها على نطاق واسع داخل الحكومة الأميركية حتى أواخر إدارة الرئيس السابق جو بايدن، عندما نُشرت على نطاق أوسع قبل جلسة إحاطة في الكونغرس في كانون الأول/ديسمبر 2024.

وفاقمت هذه المعلومات المخابراتية من المخاوف في واشنطن بشأن سلوك إسرائيل في حرب قالت إنّها ضرورية للقضاء على مقاتلي حركة "حماس" الذي يتمركزون في البنية التحتية المدنية، وهي الجماعة نفسها التي أشعل هجومها على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 الصراع في القطاع.
وكانت هناك مخاوف من أن إسرائيل تتعمّد استهداف المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، وهي جريمة حرب محتملة نفتها إسرائيل بشدّة.
وعبّر مسؤولون أميركيون عن قلقهم إزاء هذه النتائج، خاصة وأن ارتفاع عدد القتلى المدنيين في غزة أثار مخاوف من أن عمليات إسرائيل ربما تنتهك المعايير القانونية الدولية بشأن الحجم المقبول للأضرار الجانبية.
ولم يتطرّق المسؤولون الأميركيون الذين تحدّثت "رويترز" معهم إلى تفاصيل بشأن طبيعة الأدلة، مثل حوادث حرب محدّدة، التي أثارت قلق المستشارين العسكريين الإسرائيليين.
وأفاد مسؤولون في قطاع الصحة في غزة بأن إسرائيل قتلت أكثر من 68 ألف فلسطيني خلال حملتها العسكرية التي استمرت عامين. ويقول الجيش الإسرائيلي إن 20 ألفاً على الأقل من القتلى مقاتلون.
وأجرت "رويترز" حواراً مع 9 مسؤولين أميركيين سابقين في عهد بايدن، من بينهم 6 على إطلاع مباشر بالمعلومات المخابراتية والنقاش داخل الحكومة الأميركية. وطلب جميع المسؤولين عدم كشف هويتهم نظراً لحساسية الأمر.
وبرزت تقارير عن معارضة داخلية داخل الحكومة الأميركية للحملة الإسرائيلية على غزة في عهد بايدن. ويقدّم هذا التقرير، المبني على إفادات مفصّلة من الأشخاص المعنيين، صورة أوضح لحدة النقاش في الأسابيع الأخيرة لإدارة بادين، والتي جرى في ختامها تنصيب الرئيس دونالد ترامب في كانون الثاني/يناير.
وأحجم السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة يحيئيل لايتر عن التعليق فيما يتعلّق بالمعلومات المخابراتية الأميركية والجدل الذي دار حولها داخل إدارة بايدن. ولم يرد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ولا المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي على طلبات للتعليق حتى الآن.
احتدام الجدل في آخر أيام ولاية بايدن
تسبّبت هذه المعلومات المخابراتية في الدعوة إلى عقد اجتماع بين الوكالات في مجلس الأمن القومي، والذي ناقش فيه المسؤولون والمستشارون القانونيون سبل الاستجابة للنتائج الجديدة وما إذا كان ينبغي الرد عليها.
وكان من شأن اعتراف أميركا بارتكاب إسرائيل جرائم حرب أن يلزمها، بموجب القانون الأميركي، بوقف شحنات الأسلحة لإسرائيل في المستقبل وإنهاء تبادل المعلومات المخابراتية معها. وتعاونت أجهزة المخابرات الإسرائيلية بشكل وثيق مع واشنطن على مدى عقود، وزوّدتها بمعلومات مهمة للغاية، لاسيما فيما يتعلّق بالأحداث الجارية في الشرق الأوسط.
وانخرط في محادثات إدارة بايدن في كانون الأول/ديسمبر مسؤولون من مختلف دوائر الحكومة، من بينها وزارة الخارجية والدفاع (البنتاغون) وأجهزة المخابرات والبيت الأبيض. وأطلع مستشارو الأمن القومي بايدن على الأمر.
ولم يرد البيت الأبيض حتى الآن على طلب للتعليق. وردّاً على أسئلة أُرسلت عبر البريد الإلكتروني بشأن تقارير "رويترز،" قال متحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية "لا ندلي بتعليقات بشأن القضايا المخابراتية".
وأوضح ثلاثة من المسؤولين الأميركيين السابقين أن النقاش بشأن ما إذا كان الإسرائيليون قد ارتكبوا جرائم حرب في غزة انتهى عندما قال محامون من مختلف وزارات الحكومة الأميركية إنه لا يزال من القانوني لواشنطن الاستمرار في دعم إسرائيل بالأسلحة ومعلومات المخابرات وبرّروا ذلك بأن واشنطن لم تجمع أدلّتها الخاصّة على أن إسرائيل تنتهك قانون الصراع المسلح.
واستندوا إلى أن معلومات المخابرات والأدلة التي جمعتها الولايات المتحدة نفسها لا تثبت تعمد الإسرائيليون قتل المدنيين والعاملين في المجال الإنساني أو منع دخول المساعدات، وهو عامل رئيسي في المسؤولية القانونية.
وشعر بعض من كبار المسؤولين في إدارة بايدن بالقلق من أن قراراً أميركيا رسمياً بالتوصّل إلى أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب من شأنه أن يجبر واشنطن على وقف الدعم العسكري والمخابراتي، وهي خطوة كانوا يشعرون بالقلق من أن تشجّع "حماس" وتطيل أمد مفاوضات وقف إطلاق النار وتغير المشهد السياسي في مصلحة الجماعة المسلّحة
وقال المسؤولون إن قرار الاستمرار في المسار نفسه أثار حفيظة بعض المعنيين بالأمر ممن كانوا يعتقدون أن إدارة بايدن عليها أن تكون أكثر حزماً في كشف الانتهاكات الإسرائيلية المزعومة والدور الأميركي في تمكينها على القيام بذلك.
وأضاف المسؤولون أن ترامب ومسؤوليه تلقّوا إحاطة من فريق بايدن بشأن المعلومات المخابراتية، لكنّهم لم يبدوا اهتماماً يذكر بالموضوع بعد تولّيهم السلطة في كانون الثاني/يناير وبدأوا في الانحياز بشكل أقوى إلى الإسرائيليين.
محامو وزارة الخارجية أثاروا مخاوفهم مراراً
وقال 5 مسؤولين أمريكيين سابقين أنّه حتى قبل أن تحصل الولايات المتحدة على معلومات مخابرات تتعلّق بجرائم حرب من داخل الجيش الإسرائيلي، أثار بعض المحامين في وزارة الخارجية، التي تشرف على التقييمات القانونية للسلوك العسكري الأجنبي، مراراً مخاوفهم مع وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن من أن إسرائيل ربما ترتكب جرائم حرب.
وقال اثنان من المسؤولين الأميركيين إنه في وقت مبكر من كانون الأول/ديسمبر 2023، أخبر محامون من المكتب القانوني في وزارة الخارجية بلينكن في اجتماعات أنهم يعتقدون أن السلوك العسكري الإسرائيلي في غزة يرقى على الأرجح إلى مستوى انتهاكات للقانون الإنساني الدولي وربّما يصل إلى مستوى جرائم حرب.
لكنّهم لم يتوصلوا قط إلى تقييم قاطع بأن إسرائيل تنتهك القانون الإنساني الدولي، وهي خطوة رأى فيها مسؤولون أميركيون آخرون في وزارة الخارجية تراجعاً من المكتب القانوني عن موقفه.
وأردف أحد المسؤولين الأميركيين السابقين "رأوا أن وظيفتهم كانت تبرير قرار سياسي". وقال مسؤول "حتى عندما كانت الأدلّة تشير بوضوح إلى ارتكاب جرائم حرب، كانت مسألة إثبات التعمد من عدمه هي المهرب لتجنّب المواجهة".
وانعكس عدم توصّل المكتب القانوني بوزارة الخارجية الأميركية إلى استنتاج قاطع إلى حد كبير في تقرير الحكومة الأميركية الذي صدر خلال إدارة بايدن في أيار/مايو 2024، عندما قالت واشنطن إن إسرائيل ربما تكون قد انتهكت القانون الإنساني الدولي باستخدام أسلحة زوّدتها الولايات المتحدة خلال عمليتها العسكرية في غزة.
لم يقدّم التقرير، الذي أعدته وزارة الخارجية الأميركية، تقييماً قاطعاً، متذرّعاً بضبابية الموقف في الحرب.
وعلق بلينكن على ما ورد في هذه التغطية من "رويترز" عبر متحدّث باسمه قائلاً "ما يمكنني قوله هو أن إدارة بايدن كانت تراجع باستمرار التزام إسرائيل بقوانين النزاع المسلّح، وكذلك متطلّبات قوانيننا".
ورفض بلينكن التعليق على المسائل الاستخباراتية.
مخاوف دولية بشأن جرائم حرب محتملة
في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق، بالإضافة إلى القيادي في حركة "حماس" محمد الضيف، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في النزاع في غزة. وأكّدت "حماس" منذ ذلك الحين أن إسرائيل قتلت الضيف.
وترفض إسرائيل اختصاص المحكمة التي تتّخذ من لاهاي مقرّاً لها ونفت ارتكاب جرائم حرب في غزة. ورفض قادة "حماس" الادّعاءات بارتكابهم جرائم حرب.
وكان من بين القضايا التي ناقشها المسؤولون الأميركيون في الأسابيع الأخيرة من إدارة بايدن ما إذا كانت الحكومة ستصبح في موقف المتواطئ إذا ما واجه المسؤولون الإسرائيليون اتّهامات في محكمة دولية، حسبما قال أشخاص مطّلعون على هذا النقاش.
ودافع المسؤولون الأميركيون علناً عن إسرائيل لكنهم كانوا يناقشون هذه القضية في السر أيضاً في ضوء التقارير الاستخباراتية، فيما أصبح نقطة ضعف سياسية للديموقراطيين. وخاض بايدن ولاحقاً نائبة الرئيس كامالا هاريس حملات رئاسية فاشلة في نهاية المطاف.
ولم يرد بايدن على طلب التعليق.
وترفض إسرائيل، التي تواجه قضية إبادة جماعية مرفوعة ضدها في محكمة العدل الدولية، مزاعم الإبادة الجماعية وتقول إن وراءها دوافع سياسية وإن حملتها العسكرية تستهدف "حماس"، وليس سكّان غزة المدنيين.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنّه يسعى لتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين إلى أدنى حد ممكن أثناء استهداف المسلحين المتمركزين في المستشفيات والمدارس والملاجئ، وذلك بطريق توجيه التحذيرات واستخدام الذخائر المناسبة. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي لـ"رويترز" في أيلول/سبتمبر إن الجيش يحقّق في نحو ألفي حادث سوء سلوك محتمل، بما في ذلك مقتل مدنيين وإلحاق أضرار بالبنية التحتية.
وأضاف المسؤول أن بعض الحالات ظهرت إلى العلن من خلال قضية الإبادة الجماعية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية.
نبض