نتنياهو يختبر بالنار قرار مجلس الأمن لغزة... وتفهّم أميركي لتصعيد لا يبلغ الحرب الشاملة
اختبار آخر يتعرض له وقف النار الهش في غزة، إذ شنت المقاتلات الإسرائيلية سلسلة من الغارات الجوية على مناطق متفرقة من القطاع، رداً على مزاعم للجيش الإسرائيلي بتعرض جنوده لإطلاق نار من مقاتلين في خان يونس بجنوب القطاع.
في الأصل، لم يمر يوم منذ بدء سريان الهدنة في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، من دون أن تفتح القوات الإسرائيلية النار على الفلسطينيين عبر "الخط الأصفر". وبلغ مجموع الفلسطينيين الذين سقطوا في الانتهاكات الإسرائيلية أكثر من 308 أشخاص، بينهم 30 في غارات الأربعاء.
وتجد الانتهاكات الإسرائيلية تفهماً من المسؤولين الأميركيين، طالما أنها لم تتحول إلى حرب شاملة. ويؤكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن وقف النار لا يزال متيناً، ويدفع بإجراءات تضمن الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة الأميركية. ويصب قرار مجلس الأمن الذي تبنى الخطة المذكورة الاثنين في هذا الاتجاه، وخصوصاً البند المتعلق بتشكيل قوة الاستقرار الدولية الموقتة وتحديد صلاحياتها.
التفهم الأميركي للانتهاكات، يؤدي وظيفة قوامها حماية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مواجهة الانتقادات المتصاعدة له سواء في معسكره أم في معسكر اليمين المتطرف وحتى من قبل المعارضة، بأنه خضع للإملاءات الأميركية وتخلى عن الأهداف المعلنة للحرب وفي مقدمها القضاء المبرم على حركة "حماس" سلطوياً وعسكرياً. فإذا بالحركة تعيد فرض سلطتها على المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي، وتعلن رفضها التخلي عن سلاحها، وتعترض على قرار مجلس الأمن، لأنه حدد مهمة القوة الأمنية الدولية بتفكيك البنى العسكرية في القطاع، وتؤكد رفضها لـ"الوصاية" على الشعب الفلسطيني.
عاد نتنياهو في الأيام الأخيرة إلى استخدام تعبير درج عليه منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وهو "أن الحرب لم تنتهِ" على أي جبهة من الجبهات وفي مقدمها غزة. والملاحظ، أنه بعد وقف النار والضغوط التي مارسها عليه ترامب للموافقة على الخطة الأميركية، كان يستخدم تعبير أن "المعركة لم تنتهِ".
ويفضل نتنياهو وترامب في المرحلة الحالية، إبقاء التناقض في مواقفهما مرناً. ويراهن رئيس الوزراء الإسرائيلي على أن رفض "حماس" التخلي عن سلاحها لمصلحة قوة الاستقرار الدولية، سيجعل ترامب يمنحه تفويضاً جديداً لمعاودة الحرب. أما الرئيس الأميركي فلديه رهان على أن الزخم الدولي المتولد الآن، فضلاً عن دور الوسطاء، كفيلان بجعل "حماس" تقبل بتسوية مخففة لمسألة السلاح.
وفي الوقت نفسه، لا تعدم الحكومة الإسرائيلية وسيلة إلا وتستخدمها لاستفزاز "حماس" في غزة أو في الضفة الغربية أو في لبنان (الغارة على مخيم عين الحلوة)، لجرّها إلى رد يمكن اعتباره خرقاً صريحاً لوقف النار، وتالياً خلق المبرر الذي تبحث عنه إسرائيل لمعاودة الحرب على نطاق واسع. وهذا نموذج تستخدمه الدولة العبرية مع "حزب الله" في لبنان، منذ الهدنة الهشة قبل نحو عام، والتي تحولت إلى وقف للنار من جانب واحد.
المسألة التي لا لبس فيها، هي أن نتنياهو يريد العودة إلى الحرب الشاملة، من دون أن يظهر في نظر ترامب على أنه هو المتسبب بها. من هنا أتى مصطلح "الأيام القتالية" التي تلوح بها إسرائيل ضد لبنان، وهو نموذج قد يطبق ضد غزة أو الضفة...أو إيران.
وفي غزة، يعود السباق مجدداً بين الدخول في المرحلة الثانية من الخطة الأميركية أو انهيار وقف النار.
نبض