"متنفّس الهدنة" تاريخيّاً بين لبنان وإسرائيل: ماذا تغيّر؟

سياسة 15-10-2025 | 15:00

"متنفّس الهدنة" تاريخيّاً بين لبنان وإسرائيل: ماذا تغيّر؟

لم ينتمِ لبنان إلى فئة الدول القادرة بسهولة على العيش المستقرّ وسط اتفاق سلام مع إسرائيل، وكانت محاولة 17 أيار خافتة 
"متنفّس الهدنة" تاريخيّاً بين لبنان وإسرائيل: ماذا تغيّر؟
موقع المالكية الإسرائيلي على الحدود مع لبنان (أحمد منتش).
Smaller Bigger

تستولد دوّامة المراحل المتفجّرة في أنحاء من تضاريس الجغرافيا اللبنانية بضربات حربيّة إسرائيلية، تدخّلاً ديبلوماسيّاً ودوليّاً دائما لاقتراح "متنفّس هدنة" بين لبنان وإسرائيل، مع الحفاظ على فحوى ما تضمّنته الطروحات على طاولة الحلّ الذي لطالما لخّصت حذافيره الرئيسيّة في الانسحاب من الأراضي اللبنانية وتبادل الأسرى والرعاية الدوليّة للتهدئة التي لم تتحقّق بسهولة أحياناً.

 

ولعلّ اتفاقية الهدنة "التأسيسيّة" التي وقّعت في 23 آذار 1949 واستتبعت "هدنا" مماثلة، كانت تلك التي اتّبعت من السعاة نحو بديهيات إنهاء أيّ تطور حربيّ، رغم أنّها لم تتضمّن إغداقاً مطلبيّاً.

 

تاريخيّاً، نصّ تنفيذ اتفاقية آذار 1949 على تبادل الأسرى بين لبنان وإسرائيل، فيسلّم لبنان 7 أسرى ويتسلّم 37 أسيراً. وشرعت القوات الإسرائيلية في الجلاء عن القرى اللبنانية المحتلّة، بإشراف مراقبي الأمم المتحدة، وأذيع أنه تمّ إخلاء 12 قرية لبنانية.

 

 

قوات
قوات

 

ولم يتأخّر لبنان ديبلوماسياً في طلب انسحاب إسرائيل بعد ثلاثة أيام من احتلال جزء من جنوب لبنان، فألقى السفير آنذاك غسان تويني كلمته الشهيرة في مجلس الأمن الدولي "دعوا شعبي يعيش في سلام" في 17 آذار 1978. ولم يمضِ يومان حتى صوّت مجلس الأمن على مشروع قرار أميركيّ اقترح ربط الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان بإرسال قوّة دولية إلى هناك. فأصدر مجلس الأمن القرار 425 في 19 آذار 1978 بأكثرية 12 صوتاً، وبدأ تكوين قوّة الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان. لكن الانسحاب الإسرائيلي لم يتحقّق في تلك الفترة.

 

ثمّ حاول لبنان اختبار السلام مع إسرائيل في عهد الرئيس أمين الجميّل، فوقّع اتفاقاً في 17 أيار 1983 في خلدة وكريات شمونة. ورغم أنّ ديفيد كيمحي كان واثقاً بعدم الندم على التوقيع، فقد ألغي الاتفاق إثر رفض بعض القوى السياسية والشعبيّة له بعد أقلّ من عام على ولادته.

 

لم ينتمِ لبنان إلى فئة الدول القادرة بسهولة على العيش المستقرّ وسط اتفاق سلام مع إسرائيل، وكانت محاولة 17 أيار خافتة ولم تتبعها محاولات على غرارها. لكنّه اعتاد نمط الهدنة بعد التوتّرات الحربية، بما في ذلك مع التوصل إلى "تفاهم نيسان" بعد مشاورات أميركية مع حكومتي إسرائيل ولبنان في 26 نيسان 1996، ما أنهى عملية "عناقيد الغضب" الإسرائيلية مع تعهّد القوى المسلّحة في لبنان بعدم مهاجمة إسرائيل، فيما لا تطلق الأخيرة المدنيين اللبنانيين. التسوية المهادنة بعد الرشقات الحربية، توطّدت مجددا بعد حرب بين "حزب الله" وإسرائيل بدأت في تموز 2006، ثم أصدر مجلس الأمن بالإجماع في 11 آب 2006 القرار 1701 الذي نصّ على وقف الأعمال الحربية بين الطرفين وانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية وتوسيع عديد قوّة "اليونيفيل".

 

التحوّل النوعيّ غير المسبوق في الاتفاقات اللبنانية - الإسرائيلية الذي شكّل "مفاجأة" أعمق من منطق المشاورات التقليدية، حصل مع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الأول 2022، قبل أن تسيطر نار المواجهات مع تبعات هجوم "طوفان الأقصى" الذي شنّته حركة "حماس" على الداخل الإسرائيلي في 7 تشرين الأول 2023، ما أدّى إلى اندلاع حرب غزّة وتدخّل جبهة "الإسناد" من لبنان ثم الحرب الإسرائيلية، قبل أن أعيد نمط طلب الهدنة إلى واجهة المحادثات حتى التوصّل إلى اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني 2024، من دون أن ينهي العمليات العسكرية الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية أو يعيد كلّ الاعتبار إلى الشرعية اللبنانية.

 

لا يزال التعويل الدوليّ قائماً على أن ينفّذ لبنان قرار وقف النار كما قرار الحكومة اللبنانية حصر كلّ السلاح، وتالياً نزع سلاح "حزب الله" من كلّ المناطق اللبنانية.
والواقع أنه بعد الإنجاز الذي حقّقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمساعدة من دول عربية في إنهاء الحرب في قطاع غزة في قمة شرم الشيخ، سيكون أمام لبنان احتمالات عدّة:

 

-  نجاح الإدارة الأميركية في التوصّل إلى سلام بين لبنان وإسرائيل، ما يعني نجاح الحض على احتمال التوصّل إلى اتفاق سلام كما في أيار 1983، وسط مواقف لمسؤولين أميركيين يسعون إلى التوسط لإدخال لبنان في اتفاق سلام مع إسرائيل.

 

- البقاء في مراوحة وعدم القدرة على تنفيذ اتفاق وقف النار والقرار الحكوميّ اللبنانيّ، وعدم انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، ما يذكّر بغياب القدرة سريعاً على تنفيذ القرار الدولي 425 في آذار 1978، فيما لم تنسحب إسرائيل من جنوب لبنان قبل عام 2000 .

 

- نشوب حرب إسرائيلية جديدة أكثر تفجّراً.

 

وفي انتظار تحقق الاحتمال الأرجح، تفرض المشاورات السياسية بمتابعة دوليّة منطق هدنة بالحدّ الأدنى من شروط لبنان وإسرائيل.



 
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/13/2025 1:59:00 AM
حكومة بنيامين نتنياهو تجري مشاورات هاتفية عاجلة بشأن تعديلات على قوائم الأسرى الفلسطينيين الذين سيُفرج عنهم في إطار خطة ترامب.
المشرق-العربي 10/14/2025 6:00:00 AM
 لماذا استغرق التوصّل إلى اتفاق كل هذا الوقت فيما أُهدرت فرص سابقة وهل كان من الممكن إبرام صفقة في وقت أبكر عندما كان عدد أكبر من الرهائن على قيد الحياة، وقبل مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين؟
النهار تتحقق 10/14/2025 12:15:00 PM
"القناة الـ13 الاسرائيلية" عن بلدية كريات شمونة: "أصوات انفجارات سُمِعت في المنطقة في الصباح الباكر"
صحة وعلوم 10/14/2025 10:48:00 AM
وزارة الصحة: الإجراء المتخذ بحق "تنورين" يُلغى فوراً اذا اتخذت جميع الإجراءات الضرورية لجودة المياه