أثار عدم مشاركة إيران في قمة السلام الخاصة بغزة التي عُقدت في شرم الشيخ، جدلاً داخلياً واسعاً. القمة التي ترأسها الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والأميركي دونالد ترامب، وحضرها قادة وممثلون من أكثر من 25 دولة، شهدت دعوة رسمية من مصر للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي، لكن الأخير رفض الحضور بسبب العقوبات والتهديدات والهجمات الأخيرة من إسرائيل وأميركا ضد إيران.

 انقسام داخلي: بين التفاوض والرفض

أعلن هذا الموقف في وقت يطالب فيه كثير من الإيرانيين بمفاوضات مع أميركا لتجنب حرب جديدة وتخفيف العقوبات الاقتصادية التي تضغط على حياتهم. هؤلاء الذين يعبرون عن آرائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، يرون أن إيران يجب ألا تفوّت أي فرصة لتحسين العلاقات مع واشنطن.  
في المقابل، يرى آخرون أن أميركا لن تقدم تنازلات لإيران في أي مفاوضات، بل تسعى لفرض شروطها. وهؤلاء يعارضون التفاوض ويتهمون مؤيديه بالتغريب والخوف من أميركا. هذا الانقسام الذي يتجدد باستمرار، أشعلته قمة شرم الشيخ مجدداً، ما أثار نقاشات ساخنة في الإعلام ووسائل التواصل.

مؤيدو الغياب: مخاوف من المؤامرة والإذلال

المؤيدون لعدم المشاركة، والمتوافقون مع سياسات الجمهورية الإسلامية، يرون أن أميركا وإسرائيل تسعيان لتقسيم إيران، مشيرين إلى القواعد العسكرية المحيطة بها، والعقوبات، والتهديدات، وتفعيل آلية "الزناد" في الاتفاق النووي. وهم يعتقدون أن الحضور في القمة يعني تأييد سياسات أميركا وإسرائيل، ومنح شرعية لخطوات مثل نزع سلاح "حماس".  
كما يخشون من إذلال المسؤولين الإيرانيين بسبب تصرفات ترامب غير المتوقعة، أو يعتبرون أن الحضور من دون خطة واضحة سيكون بلا جدوى. ويذهب البعض إلى أن مواجهة مسؤولين أميركيين مباشرة قد تكسر تابو عدم التفاوض، ما يضر بمصداقية النظام الثوري.

  فرصة ضائعة لكسر العزلة

معظم الآراء في وسائل الإعلام وشبكات التواصل عارضت غياب إيران، معتبرة أنه يزيد من عزلتها الدولية ويؤكد استمرارها في العناد والأوهام، ما يبقيها متخلفة عن التقدم العالمي.

 آراء الخبراء: الديبلوماسية لإنهاء العنف

وكتب أستاذ جامعي: "غياب إيران عن قمة شرم الشيخ يعني انفعالاً ديبلوماسياً وترك الساحة للآخرين ليقرروا نيابة عنكم".
حميد أبو طالب، نائب الرئيس السابق في عهد روحاني، قال: "إذا كانت الحرب تمنع التفاوض، فلن تنتهي أي حرب. الديبلوماسية وُجدت لكسر دورة العنف. لو كان هذا الموقف سائداً إبان حرب إيران-العراق، ربما كنا لا نزال نحارب".  
وأشار جعفر شيرعلي نيا، وهو كاتب بارز، إلى مفاوضات وقف إطلاق النار مع العراق في الثمانينيات، ليضيف أن "السياسة الخارجية الإيرانية تفضل أحياناً الطرق الطويلة والمكلفة لحماية الشعارات. كنت أتمنى لو ذهب الرئيس إلى القمة".  

 دعوة للحضور  

مؤيدو الحضور يرون أن إيران كان يمكنها المشاركة بقوة، الدفاع عن مواقفها بشأن فلسطين، وتجنب وصمها بمعارضة السلام. ولكن غيابها يعني ترك المجال للآخرين لاتخاذ قرارات بشأن المنطقة من دون صوتها. ولا شك بأن الديبلوماسية الفعالة تعني الحضور والحوار مع الخصوم للدفاع عن المظلوم، والصمت في قضايا مثل غزة يعني فقدان منبر دولي.  

وكتب أحد المعارضين بسخرية: "إيران في مفترق طرق مذل: الحضور يعني فشلاً أيديولوجياً، والغياب يعني تدميراً سياسياً. إما التقاط صور مع 'الاستكبار'، أو الوقوف معه ضد شعبها".
وأضاف كاتب آخر: "عدم الحضور قد يكون احتجاجاً مشروعاً على العقوبات، لكنه لن يخدم مصالح إيران. الغياب يعني ترك الآخرين يقررون مصير المنطقة من دون صوتنا".