هل أطلق ترامب تعريفاته بسبب تغير النظام الدولي؟

هل أطلق ترامب تعريفاته بسبب تغير النظام الدولي؟

يقول أحد المحللين إن ضرورات استراتيجية أطلقت "يوم التحرير". ما مدى دقة ذلك؟
هل أطلق ترامب تعريفاته بسبب تغير النظام الدولي؟
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعلن من البيت الأبيض عن فرض تعريفات جديدة (أ ب)
Smaller Bigger

يعتقد المحلل السياسي جورج فريدمان أن هناك ضرورات استراتيجية كبرى حتمت على الولايات المتحدة فرض الرسوم الجمركية الأخيرة على معظم دول العالم. فكرته الأساسية التي عرضها في موقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" هي أنه بعدما تبين ضعف روسيا في الحرب ضد أوكرانيا، بات لزاماً أن تتغير الأدوات الاقتصادية التي استخدمتها أميركا لدعم حلفائها خلال الحرب الباردة، وهي حرب يرى أنها استمرت إلى ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

 

أسست الولايات المتحدة نظاماً اقتصادياً كان مفيداً من الناحية النظرية لها ولشركائها، لكنه في الوقت نفسه كان معرضاً للعطب بسبب أحداث داخلية في الدول المصدّرة ذات الاستقرار الهش. بالتالي، مع تسارع غياب التوازن المالي بين الولايات المتحدة وكثير من تلك الدول، ومع ازدياد التهديد لوفرة السلع وتراجع التهديد الروسي، عفا الزمن عن النظام الاقتصادي العالمي السابق.

 

نقطة ضعف

في حين أن الوقائع المعروضة صلبة، قد تكون نقطة الضعف المحتملة في التحليل هي التركيز على أن لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة استراتيجية استباقية للتحولات الدولية. يدعي بعض الذين عملوا مع ترامب في ولايته الأولى، والذين انتهى بهم المطاف إلى الاستقالة أو الإقالة، أن ترامب يفتقر إلى هكذا تصور استراتيجي.

 

كذلك، لم يتحدث الرئيس يوماً عن نظرته للنظام الدولي الذي يتخيله، بينما تنحصر غالبية تصريحاته في قدرته على "عقد الصفقات" وفي الشكاوى من كيفية "نهب" الدول للولايات المتحدة. وأحياناً، تبدو حسابات ترامب للتوازنات الدولية شديدة الضيق. فهو يقيّم توازن الشراكات عبر معادلة "الدولار مقابل الدولار"، علماً أن تلك الشراكات هي الوسيلة التي تبسط أميركا من خلالها نفوذها على العالم.

 

تناقضات

وما يحجّم صحة فرضية وجود قناعة لدى ترامب بضرورة مواكبة مرحلة انتقالية دولية، عبر فرض التعريفات، أنه كان مؤمناً بفوائد الرسوم الجمركية منذ فترة طويلة. فهو أيد التعريفات للمرة الأولى عبر إعلان في صحيفة "نيويورك تايمز" سنة 1987، أي في ذروة الحرب الباردة. بعبارة أخرى، يؤمن ترامب بفائدة التعريفات مهما يكن شكل النظام الدولي وموقع أميركا فيه.

علاوة على ذلك، لا تبدو هذه القناعة شبه الآيديولوجية مرتبطة بأفكار متسقة، على الأقل بحسب جيك سايمونز من صحيفة "تلغراف". فحين يتربط الأمر بالسياسات المحلية، يدعم ترامب خفض التنظيم وكذلك حجم الحكومة. لكن دولياً، هو يعارض التجارة الحرة. يتابع سايمونز: "على المشكلة أن تكون بديهية. (السياسة) الأولى مستحيلة مع الثانية. السياسات الداخلية والدولية تغذي بعضها البعض. لا يستطيع الحصول على كلتيهما".

 

وتطرق محللون كثر إلى دليل يظهر ضعف السياسة الأميركية الحالية ويشير أن الولايات المتحدة جربت الرسوم الجمركية في ثلاثينات القرن الماضي وقد أدت إلى إطالة أزمة الكساد، كما إلى أضرار عكسية للاقتصاد الأميركي. فبين سنتي 1929 و1933، وبفعل تطبيق قانون "سموت-هاولي" الشهير، انخفضت صادرات وواردات الولايات المتحدة بنحو الثلثين كما ارتفعت نسبة البطالة لتشمل نحو 25 في المئة من القوى العاملة الأميركية، بعدما كانت أقل من 9 في المئة سنة 1930.

 

ترامب (أ ف ب)
ترامب (أ ف ب)

 

تبرير لاحق

إن واقع ارتباط التعريفات الجمركية برغبات ترامب أكثر من ارتباطها بالتحولات الدولية يكشفه السؤال الافتراضي عما كان ليحدث لو أن كامالا هاريس هي التي فازت بالانتخابات الرئاسية الماضية، أو حتى لو فاز بها أي جمهوري. الجواب البديهي على هذا السؤال هو أن أميركا برئاسة أي شخصية أخرى غير ترامب لم تكن لتلجأ إلى هذه التعريفات، على الأقل ليس بهذه الشمولية. هذا بالرغم من أن التوازنات الدولية هي نفسها.

 

لا يزال مناصرو ترامب وسياساته يرون أنها ناجمة عن استراتيجية واضحة. المحامي فرنسيس سامبا الذي يكتب عن الشؤون الدولية يعتقد أن الجغرافيا الاقتصادية حتمت هذا السلوك على ترامب انطلاقاً من إعادة تعزيز "مبدأ مونرو" ورؤية وزير الخزانة ألكسندر هاميلتون التي روجت للتعريفات كمعزز للتصنيع الداخلي لا كركن من أركان الحمائية. لكن هذا التحليل أقرب إلى تبرير نظري لاحق لقناعة شخصية لم يبنِها ترامب بالضرورة على أي معطى استراتيجي دولي. يُعرف هذا بـ "التبرير اللاحق للحدث" (post hoc justification).

 

ربما يتمكن ترامب من التوصل إلى اتفاقات مع الدول بشأن تجارة "أكثر إنصافاً" بدون أن يلحق ضرراً بالغاً بمكانة الولايات المتحدة. وقد يتمكن حتى من إعادة تحفيز بعض الصناعات المحلية بسبب تعريفاته. وربما يستطيع، في حال تحققت سيناريوهات أقل تفاؤلاً، أن يدفع دول العالم إلى اعتماد نظام تجاري جديد يقوم على أنقاض النظام الحالي. لكن احتمال أن تكون كل تلك التداعيات قائمة على تصور استراتيجي عالمي مسبق لدى ترامب لا يستند إلى الكثير من الأدلة الدامغة.

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

سياسة 11/6/2025 10:23:00 AM
"حزب الله": بصفتنا مكوّناً مؤسِّساً للبنان الذي التزمناه وطناً نهائياً لجميع أبنائه، نؤكد حقنا ‏المشروع في مقاومة الاحتلال والعدوان
اقتصاد وأعمال 11/6/2025 6:37:00 AM
تماسك الدولار عند أقل بقليل من أعلى مستوى في أربعة أشهر الذي وصل إليه في الجلسة السابقة، وسط تزايد الإقبال على الأصول الأعلى في المخاطر
سياسة 11/7/2025 4:02:00 PM
بعد أن كتبت "بعلبك إيمتى؟" على تغريدة لأفيخاي... هذا ما جرى معها 
مجتمع 11/7/2025 1:01:00 PM
تصاعد الجدل ليبلغ الجمعية، حيث أكد رئيسها الدكتور رامي اللقيس لـ" لنهار " أنه تم فصل الموظفة سارة الشياح من عملها...