كان لتهديد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بـ"جحيم سيحل بالشرق الأوسط" في حال لم يُطلَق الأسرى الإسرائيليين في القطاع بحلول موعد تنصيبه رسمياً، صدى كبيراً في الداخل الفلسطيني، وأيضاً لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خصوصاً أن ترامب يسعى الى إنهاء الحروب في المنطقة ترجمة لوعوده الانتخابية السابقة.

وللمرة الأولى، وافق نتنياهو على الهدنة، وما لم يقدمه الى الرئيس جو بايدن خلال الأشهر الـ15 الأخيرة سيقدمه إلى ترامب في أولى أيامه في البيت الأبيض، ولكن بضمانات ومكاسب ربما لم يحصل عليها من جعبة بايدن طوال مسار المفاوضات.

أسئلة كثيرة بشأن توقيت الاتفاق ومرونة نتنياهو المفاجئة، وأسبابها، إن كانت مرتبطة بخسائر الجيش الإسرائيلي في شمال غزة وضغوط أهالي الأسرى المحتجزين، أم أن لنتنياهو أهدافاً ومكاسب سياسية أخرى دفعته إلى الموافقة على هذا الاتفاق، منها محاولة إنهاء ما روّج  عن "حل الدولتين"، وإحياء صفقة القرن مجدداً، واستكمال مسار التطبيع، ولا ننسى ترتيبات الضفة الغربية وما ينتظرها من مشاريع استيطان، وغيرها من ملفات إقليمية ووعود ترتبط ببرنامج إيران النووي. فماذا يخفي الاتفاق من مكاسب لنتنياهو؟

انهيار حلم اليمين الإسرائيلي؟

يرى الكاتب والباحث في "مركز تقدم للسياسات" أمير مخول أن "بنود الاتفاق جاءت لمصلحة نتنياهو على مستوى الرأي العام الإسرائيلي الواسع، ولكنها أيضاً أثارت غضباً في أوساط اليمين"، فالصراع "ليس بن كتلتين في إسرائيل، بل داخل معسكر اليمين نفسه".

ويقول مخول، لـ"النهار"، إن "جزءا كبيراً من المعارضين للاتفاق، مثل الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسائيل سموتريتش، يواجهون أزمات سياسية متفاقمة، فهناك أوضاع صعبة جداً داخل حزب بن غفير، وكتلة جديدة وتصدع ومطالبات بالتنحي، لاعتباره غير عقائدي بشكل كاف".

أما سموتريتش، فيعتبره حزبه قد "فشل سياسياً وهنالك انحياز داخل حزبه نحو نفتالي بينت".

من دون شك، يشعر اليمين أن "حلمه الأساس قد انكسر، وهو أمام انهيار الحلم وهذا قد يمتد إلى الضفة، فلا استيطان ولا ضم ولا حكم عسكرياً في قطاع غزة، وكان اليمين يريد أيضاً الاستيطان في جنوب لبنان"، يضيف الباحث الفلسطيني.

ويذكر مخول أن أكثرية الإسرائيليين "أيدوا وتمنوا" انتخاب ترامب، و"هناك قلق لدى اليمين الإسرائيلي من محاولات منع الضم في الضفة وقبول مبادرة السلام العربية، ما ينتح منه صراع داخلي في أقصى اليمين، الذي لن يتنازل عن الحكم، وسيلجأ إلى عمليات إرهابية ضد الفلسطينيين".

ماذا كسب نتنياهو؟

نجح نتنياهو، في لارأي مخول، بعدم الاصطدام مع ترامب، لأن الأخير "مقبول ومدعوم من أوساط اليمين الإسرائيلي"، رغم الإخفاق في التوصل إلى مقايضة بالانسحاب من غزة في مقابل ضم الضفة،  والثمن على الأرجح "مرتبط بالعلاقات مع السعودية ومسار التطبيع، والتوافق في ما يتعلق بشأن طريقة التعامل مع ايران، ولكن ليس عبر المواجهة العسكرية، بل عبر التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين إيران والغرب".

"التطبيع مع السعودية سيكون في مقابل دولة فلسطينية، وهذا سيكون عملياً انقاذاً لنتنياهو أمام المجتمع الإسرائيلي ككل، لكنه سيخسر اليمين"، يوضح مخول.

ويضيف: "إسرائيل، حققت كثيراً عسكرياً، لكنها هزمت على المستوى الاستراتيجي، لأنه كلما توسعت حدودها تقلص أفقها الاستراتيجي، وهذا ما يحصل الآن، وعلى مستوى المجتمع الإسرائيلي هنالك رضى وترقب للاتفاق، لانهم يعتبرون أنهم حققوا الحد الأقصى من إمكانات الحرب".