ترامب سعى للتأثير عليها... الانتخابات الرئاسية في بولندا مقياس لموجة الشعبوية في أوروبا
في انتخابات رئاسية محتدمة، تواجه بولندا خيارًا مصيريًا بين مرشّحين، هما عمدة ليبراليّ مؤيّد لأوروبا في مقابل محافظ قوميّ متشدّد، وسط محاولة تأثير من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وترقّب أوروبي حذر لمآلات التصويت. وتقترب نتائج استطلاعات الرأي بينهما إلى درجة أنه من المستحيل التنبّؤ بنتيجة الجولة الثانية يوم الأحد.
ورغم الشؤون الداخلية لبولندا، ألقى ترامب بثقله وراء المرشّح القومي كارول ناوروكسي، ووعد بتوثيق العلاقات العسكرية إذا اختاره البولنديون على رئيس بلدية وارسو الليبرالي رافاو تراسكوفسكي.
منافسة ذات تداعيات عالمية
التقى ترامب مع ناوروكسكي في وقت سابق من هذا الشهر في البيت الأبيض، وأرسل وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم إلى اجتماع لمجموعة الضغط المحافظة CPAC في بولندا، حيث أعربت عن تأييدها القويّ له، بل أشارت إلى احتمال توثيق العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وبولندا إذا فاز ناوروكسكي، مع تلميح إلى أن فوز تراسكوفسكي قد يعرّض أمن بولندا للخطر.
ولا تضع هذه الانتخابات مستقبل بولندا الداخلي على المحك فحسب، بل المكانة الدولية لعضو رئيسي في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي على الجناح الشرقي للحلف، في منطقة تسيطر عليها المخاوف من حرب روسيا في أوكرانيا.
يقول أنصار ترزاسكوفسكي إن زعيماً مؤيداً لأوروبا سيعزز مكانة بولندا على الساحة الدولية، في وقت تشهد فيه أوروبا حرباً. أما أنصار ناوروكسكي فيعتقدون بأن الحكم المحافظ وحده هو الذي يمكن أن يحمي السيادة الوطنية والقيم المسيحية التقليدية، ويقولون إن دعم ترامب سيعزّز أمن بولندا بشكل كبير.
من يُحدد النتيجة؟
المرشح الذي قد يحدّد النتيجة في نهاية المطاف هو مرشح لن يظهر في جولة الإعادة.
سلاوومير مينتزن سياسي يميني متطرّف، يبلغ من العمر 38 عامًا، ومنتج جعة من مدينة تورون الواقعة في وسط البلاد، احتلّ المركز الثالث في الجولة الأولى من الانتخابات، التي جرت في 18 أيار/مايو، بحصوله على ما يقرب من 15% من الأصوات.
وعلى الرغم من خروجه من السباق، أصبح أنصاره، وأغلبهم من الشباب المناهضين للمؤسسة الحاكمة ومن المتشكّكين بشدّة في كل من بروكسل والمؤسسة السياسية البولندية، من أكثر الناخبين سعيًا وراءهم في البلاد.
يبرز نفوذه تحولًا أوسع في السياسة البولندية، حيث أصبح اليمين المتطرف، الذي كان يعتبر في السابق قوة هامشية، يؤثر بشكل متزايد على الأجندة الوطنية، كما أنه جزء من اتجاه أوسع نطاقًا يتمثل باكتساب الأحزاب اليمينية المتطرّفة زخمًا في جميع أنحاء أوروبا.
انتخابات تحظى باهتمام أوروبي كبير
تفوّق تراسكوفسكي، عمدة وارسو والمرشح عن التحالف المدني الحاكم بزعامة رئيس الوزراء دونالد تاسك، على منافسه كارول ناوروكسكي، المرشح عن حزب "القانون والعدالة" المتشكك في الاتحاد الأوروبي، في الجولة الأولى من الانتخابات. ويخوض الرجلان الآن جولة إعادة محتدمة يوم الأحد.
ستؤدّي الانتخابات إمّا إلى تمكين تاسك، وهو إصلاحي مؤيد للاتحاد الأوروبي، من خلال حليف رئاسي، وإمّا إلى إثقال كاهله بمنافس يُمكنه استخدام حقّ النقض ضد التشريعات وعرقلة مبادرات الحكومة.
وتحظى الانتخابات باهتمام كبير في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، حيث استسلمت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد، بما في ذلك المجر وسلوفاكيا، للحكم الشعبوي، وتشجّعت القوى اليمينية المتطرفة بعودة ترامب إلى البيت الابيض. وقد تكون الانتخابات البولندية اختبارًا حقيقيًا لمدى صمود اليمين المتطرف في وسط وشرقي أوروبا.
وفي حين حققت الأحزاب الوسطية التقليدية انتصارات ضئيلة في الانتخابات الأخيرة في رومانيا والبرتغال، حصل اليمين المتطرف على دعم كبير.
قد يكون لنتيجة الانتخابات البولندية تداعيات على الأمن الأوروبي بشكل عام. فقد برزت بولندا كطريق إمداد رئيسية للأسلحة والمساعدات الغربية إلى أوكرانيا بعد الغزو الروسي، وفتحت حدودها لملايين اللاجئين.
ما الذي تراهن عليه بولندا في هذه الانتخابات؟
وظيفة الرئيس في بولندا هي وظيفة شرفية إلى حد كبير، لكن القدرة على نقض التشريعات تجعل الرئاسة منصبًا حاسمًا بالنسبة للأحزاب الحاكمة.
يمكن للرؤساء في بولندا أن يخدموا لفترتين رئاسيتين كحد أقصى، مدة كل منهما خمس سنوات؛ لذا فإن انتهاء ولاية الرئيس أندريه دودا، الذي أعاق استخدامه لحق النقض أجندة تاسك الداخلية، يمثل فرصة لرئيس الوزراء. إذا فاز تراسكوفسكي، فإن احتمال استخدام حق النقض الرئاسي سيكون أقلّ بكثير. أما فوز ناورتسكي فقد يؤدي إلى إضعاف ائتلاف تاسك.
بالإضافة إلى حق النقض، يوقّع الرئيس أيضًا على تعيين السفراء، وهو مجال آخر جعل فيه دودا من الصعب على الحكومة العمل.
كذلك يمثل بولندا في قمم حلف شمال الأطلسي، وهو دور مهم بالنظر إلى قرب البلاد من الحرب بين روسيا وأوكرانيا؛ ويقوم بتعيين محافظ البنك المركزي.
قضايا الحملة الانتخابية
لدى المرشّحين رؤى مختلفة تمامًا لمكانة بولندا في العالم:
ترازاسكوفسكي:
- تركّز حملة ترازاسكوفسكي، الذي خسر الانتخابات الرئاسية بفارق ضئيل أمام دودا قبل خمس سنوات، على قضايا الأمن، مع تبني موقف أكثر يمينية بشأن الهجرة وأمن الحدود.
- يؤيد ترازاسكوفسكي، البالغ من العمر 53 عامًا، دورًا أكبر لأوروبا في الدفاع مع الحفاظ على علاقات وثيقة بين وارسو وواشنطن.
- جعل سنواته على رأس العاصمة البولندية المتنامية حجر الزاوية في حملته الانتخابية، وهو معروف بآرائه التقدمية بشأن حقوق المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، ودفاعه عن إلغاء قانون الإجهاض الصارم في بولندا.
ناوروكسكي:
- لم يكن ناوروكسكي، الملاكم السابق والرئيس الحالي للمعهد الوطني للذاكرة الوطنية الذي يحقق في جرائم العهد النازي والشيوعي، معروفًا على نطاق واسع قبل هذه الانتخابات الرئاسية.
- سعى إلى النأي بنفسه عن إدارة حزب القانون والعدالة السابقة من خلال انتقاد بعض القيود التي فرضتها خلال جائحة كورونا.
- يرى أن أميركا هي الحليف الوحيد الموثوق به لبولندا.
- متشكك من الاندماج في الاتحاد الأوروبي، وأعطى صوتًا للمشاعر المعادية لأوكرانيا المتصاعدة في بعض قطاعات المجتمع البولندي.
- يتبنى القيم الكاثوليكية التقليدية، التي يقول إنها مهددة، ويختلف بشدة مع منافسه في قضايا زواج المثليين والإجهاض، التي يرفضها.
نبض