درويش شمعة في "غاليري شريف تابت" يجيد لعبة التأليف بحثًا عن المصطلح الجديد
بيروت - منصور الهبر
يأخذ درويش شمعة، في معرضه لدى "غاليري شريف تابت"، بمنطق أول يعود إلى رصد الشكل والتأمل المباشر في الطبيعة. ومهم التأكيد أنه لا يرسم الموضوع، بل يستنطق الغابة بما تذخر من تناقض هندسي ولوني، وفق أسلوب تحفيزي.
أعمال الباستيل على الورق توضح أن درويش يتماهى إلى حد كبير مع أسلوب بول سيزان (1839-1906)، لكنه لا يهتم باللّون الصامت أو الزاهد، فالهدوء والتأمل يخفتان على حساب التوحش اللوني والسرعة التي تساهم في تحفيز الحواس. يجعل العنف الشجر يتخذ اللون الأحمر الدامي، في لوحة "خريف في أهدن"، حيث تتغير معالم "غابة أهدن"، لكأنها تصير على قاب قوسين من أن تتبدد في منحى تجريدي.

مؤكدٌ أن الفنان يُجيد لعبة التأليف، وهي معضلة معقدة يجتنبها الكثيرون، كما يتقن توزيع مروحة اللون موسيقيًا بين مساحات واسعة، متوسطة، وصغيرة، رغم المغالاة في التودد إلى الألوان الصاخبة، الجذابة، من أحمر، برتقالي، وأزرق.
لو قيض لي لأخترتُ 12 عملاً من المعرض: 12 لوحة، زيتًا على قماش. يعود السبب في ذلك إلى أن الأعمال هذه تحافظ على تبيان بداية المغامرة الفنية. تبقى آثار التصميم بمادة الفحم الحاد واضحة، فلا يطمرها اللون. الفحم خطوطٌ من تجريح وعنف تمثل في التقطيعات اللونية في مواجهة خافتة وجلية. لوحة "طائرة ورقية"، كما لوحة "البنفسجي" خير مثال على هذا العراك بين خط ولون.

يذهب الفنان في تعبيرية خاصة ضمن إرادة بناء وتعمير لا تكل. وراء المشهد يربض هذا الخط وذاك اللون، كجوهر وجذر للاعمال كلها. من هذا المنطلق نرى ضرورة ملحة لفرملة الكثافة الجمالية بهدف رصد نواة الاعمال وتظهيرها، ومرتكزها هو "خط أسود وقطعة لون". فليأخذ الفنان بهذه النواة، وليخرج الى آفاق فردية بالكامل تنبع من الثنايا الداخلية، للوصول الى مصطلح "الوضع الجديد" كما سماه موندريان. وما الفن سوى هذه الهجرة المستمرة... نحو الوضع الجديد.
نبض