تعبيرية.
وزير الشباب والرياضة ، د. جورج کلاس
ترتبط العلاقة بين الإعلام والمواطنة بمدى تركيز المحتوى الإعلامي بكل مضامينه الفيلمية والكتابية والتوثيقية على الإيجابية في الوظيفة الإبلاغية والقدرة التحليلية، التي يواكب بها الإعلام الأحداث، ويقوم بتغطيتها وتظهيرها بموضوعية وحيادية، ملتزماً بدقة الحدث ومراعاة عناصره، من دون إيغال في التنظير وإغراق التوقعات، التي من شأنها أن تخفّف من قيمة الحدث ولواحقه، وتحيد بالإعلام عن دوره الإخباري والتحليلي والإنمائي.
فالوظيفة الرئيسة للإعلام في المجتمعات النامية، حيث الناس تحتاج إلى الاستزادة من المعارف وتنمية قدراتهم هي التركيز على نشر الإيجابية وتعزيز الإعلام والتركيز على التفاؤل ومحاربة السلبية بكل وجوهها، من خلال التحفيز على أخذ المبادرات الإيجابية، والتركز على عناصر الإعلام الأبيض، واستخدام تقنيات التعبير الإيجابية المستندة إلى اعتماد مصطلحات لغوية مشحونة بالمعنويات وبعيدة عن التيئيس والإحباط.
ويتّصف المشهد الإعلامي الإيجابي بفنيّة تعامله مع الأوضاع المأزومة، وكيفية تعامله مع الحقائق الصلبة والمعلومات المؤكّدة، وأسلوب تقديمها باحترافية تجعلها مقبولة كمعطى واقعي، يتصف بالسعي لتقديم خدمة معرفية، يفيد منها المجتمع في بلد تكثر فيه الولاءات، وتعمّ فيه النزاعات التي تترك آثارها على الحس الوطني العام.
والدور التفاعلي، الذي يقوم به الإعلام الإيجابي في عملية توطيد العلاقة بين أبناء المجتمع الواحد، يشكل قاعدة أخلاقية ومهنية في تحديد عملية التواصل بين المجموعات، وتوحيد رؤاها وأهدافها نحو خلق مفهوم جامع للقيم والمبادئ الوطنية، التي يرتكز عليها صانعو الإعلام في عملية خلق منظومة ارتكازات وطنية، يتم الاجتماع حولها، وخلق إطار من المفاهيم التي تختصر العلاقة بين (التباعدات)، ومحاولة جعلها (تقاريات)، من شأن الالتزام بمفاعيلها الإيجابية أن تجعل الإعلام ينشر كل ما من شانه بعث الفكر الإيجابي البنّاء الذي يعمل على تمتين العلاقات، وتوحيد الأهداف وتقريب الرؤى، كما يحرص على إشاعة كل ما من شأنه الإضاءة على المواضيع، التي يمكن أن تكون محطة تلاق بين الآراء المتعددة وذات التنوع الفكري والاختلاف العقيدي بين الناس.
والإشكالية الأولى، التي تعترض عملة بناء إعلام للإيجابيات في مجتمع تعددي الثقافة ويتصف بالحرية، هي كيفية تعاطى وسائل الإعلام مع القضايا الساخنة، التي يمكن أن تشكل محور اختلاف بين الأفرقاء؛ الأمر الذي يطرح معيار الحيادية، والموضوعية، ومدى التزام الإعلامي بقيم العدالة في مقاربة الأمور، وتناولة للمعالجات التي غالباً ما تتصف بالتوفيقية، لأن من أساسيات الإعلام الإيجابي أن يضيء على الإيجابيات من دون أن يتجاهل السلبيات، وأن يوازن بين الأبيض والأسود ويقدّم الخير على الشر، ويقود المجتمع نحو المصالحة والوئام، ويشجعه على المبادرات الخيرة، التي من شأنها أن تسهم بعملية ردم الهوة وبناء الجسور بين الجماعات، والتوفيق بينها. .
وليست مهمة الإعلام الإيجابي مسألة سهلة في أزمنة النزاعات الخلافية الداخلية، نظراً لما تتطلبه من الإعلامي من قدرة على التوفيق ما بين المواقف المتصلبة، التي غالباً ما تكون مبنيّة على تشنّجات مسبقة، وتراكمات لم يتم العمل على إيجاد حلول لها، فتركت آثارها السلبية على جوانب عدة من العلاقة التي تنظم التباينات، التي من تداعياتها ترسيخ السلبيات وتوسيع الفوارق؛ وهذا ما يجب تحاشيه في صياغة العلاقات، والتركيز على تقديم الإيجابيات، وأبرزها تظهير حسناتها، في إطار تدعيم مبادرات التقريب وبناء السلام المجتمعي.
ومن شأن ذلك أن يجعل من الإعلام الإيجابي أحد أبرز مرتكزات استراتيجيات السلام، حيث يكون للإعلام دور رئيس في صناعة الرأي ونشر الحقائق من دون تحدّ أو تغليب فريق على آخر.
وهذا ما يطلق عليه في علم الإعلام السياسي فنُّ التوازن بين الحقائق والاحتكام إلى عدالة المعرفة، التي من أبرز عناصرها أن يمارس الإعلام مسؤولية إبراز الإيجابيات والبناء عليها، مع تجاهل السلبيات، والاتعاظ من الظروف التي أنتجتها، ومعرفة الأسباب التي أدت إليها.
ومتى عمل الإعلام لشرح إيجابيات المواقف، وشجّع على كيفية استثمارها وتنمية المعارف حولها، تظهرت بوضوح قيم المواطنة، التي تشكل عنصر الوحدة، وتمتن مبادئ التفاهم الآيلة إلى قيام مجتمع إعلامي، تغلب فيه الإيجابيات، وتضمحل السلبيات بكلّ وجوهها. وهذا ما يؤكد على الدور الإيجابي للإعلام في نشر ثقافة الالتزام، وتعزيز أصول المواطنة، انطلاقاً من اعتبار أن الإيجابية التعبيرية تؤسس لكيانية وطنية، ركائزها صراحة الانتماء، وصلابة التفكير، وحرية التعبير .