الهند وروسيا: صفقات الأسلحة والتحديات الجيوسياسية العالمية
د. خالد العزي*
في ظل التوترات الجيوسياسية العالمية والتحديات الاقتصادية التي تواجهها روسيا بسبب العقوبات الغربية، تأتي زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند في وقت بالغ الأهمية. على الطاولة مجموعة من الصفقات العسكرية المهمة مع القيادة الهندية، بما في ذلك طلب الهند شراء طائرات Su-57 الروسية المقاتلة من الجيل الخامس، وأنظمة الدفاع الجويّ S-500 المتقدّمة.
هذه الصفقات تأتي في وقت حسّاس للغاية، حيث تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، بينما تسعى الهند لتعزيز قدراتها الدفاعية، وسط التحديات الإقليمية والعالمية التي تواجهها. في الوقت ذاته، تحاول الهند الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها بين القوى العظمى، ولا سيما في ظل العلاقات الوثيقة التي تربطها بالولايات المتحدة في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في آسيا.

الصفقات العسكرية الهندية-الروسية: تعزيز الدفاع أم تحديات جيوسياسية؟
تُعدّ الهند من أكبر مستهلكي الأسلحة في العالم، وقد شكلت صفقاتها العسكرية مع روسيا جزءاً أساسياً من استراتيجيتها الدفاعية لعقود. طائرات Su-57 المقاتلة، التي تُعتبر من الجيل الخامس، تتميز بقدرتها على التخفّي عي الرادار، والقتال متعدد الأدوار، ما يعزز بشكل كبير من قدرات الهند الجوية ويعطيها تفوقاً عسكرياً في المنطقة.
أما S-500، فهو من أحدث أنظمة الدفاع الجوي الروسية، ويعدّ تقدّمًا ملحوظاً مقارنة بأسلافه مثل S-400. يتيح هذا النظام للهند التصدي للتهديدات الجوية المتقدمة، مثل الطائرات الشبحية والصواريخ الباليستية، مما يعزز قدراتها الدفاعية بشكل غير مسبوق.
مع ذلك، تثير هذه الصفقات تساؤلات حول تأثيرها على علاقات الهند مع الولايات المتحدة. فقد أعربت واشنطن عن قلقها من التعاون الدفاعي بين الهند وروسيا، خصوصًا في ظلّ التوترات المستمرة بين الولايات المتحدة وموسكو، كما أن قانون مكافحة خصوم أميركا (CAATSA) يفرض عقوبات على الدول التي تتعامل مع روسيا في مجال الدفاع، مما يجعل الهند في موقف حرج بين مصالحها الأمنية وعلاقاتها مع واشنطن.
الولايات المتحدة: صراع مع الصين وحسابات الجيوسياسة مع الهند
الولايات المتحدة تواجه تحديات جيوسياسية متعددة، ولا سيما مع تصاعد التوترات مع الصين وروسيا. في علاقاتها مع الهند، تركّز واشنطن على تعزيز التعاون الاستراتيجي لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. الهند تُعد شريكاً محورياً في هذا الإطار، خصوصاً ضمن تحالف كواد (الولايات المتحدة، الهند، اليابان، وأوستراليا)، الذي يهدف إلى تقليل تأثير الصين في المنطقة.
لكن الهند تجد نفسها في موقف صعب بسبب استمرار تعاونها العسكري مع روسيا. على الرغم من محاولات الولايات المتحدة إقناع الهند بتقليص اعتمادها على الأسلحة الروسية، فإن الهند بحاجة إلى هذه الأسلحة لتعزيز دفاعاتها، خصوصًا في مواجهة التهديدات من الصين وباكستان.
الصراع مع الصين: الهند بين قوتين عظيميين
يُعدّ الصراع الهندي-الصيني أحد العوامل الرئيسية في الاستراتيجية الدفاعية الهندية. فالصين، التي تُعتبر القوة الاقتصادية والعسكرية الكبرى في آسيا، تعزّز من وجودها العسكري في المناطق المجاورة للهند، خاصة على الحدود الشمالية في جبال الهيمالايا، وفي بحر الصين الجنوبي. هذا التوسع يشكل تهديداً بالغاً للهند، خصوصاً في ظل النزاعات الحدودية المستمرة بين البلدين.
لذلك، تسعى الهند إلى مواجهة هذا التهديد من خلال تقوية علاقاتها العسكرية مع روسيا، حيث تُعد صفقات الأسلحة مثل Su-57 وS-500 ضرورية لتعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة أي تصعيد محتمل من الصين. هذه التحركات تدعم التفوق الهندي في المجالات الجوية والصاروخية، ما يسهم في تمكينها من مواجهة التحديات العسكرية التي قد تطرأ على حدودها.
إلى جانب التوترات مع الصين، تشهد العلاقات الهندية-الباكستانية توترات دائمة، خصوصاً في ملف كشمير. باكستان، التي تعتبرها الهند تهديداً استراتيجياً مباشراً، تعزز تحالفاتها مع الصين، ما يضيف تحدياً آخر إلى الأمن الهندي. في هذا السياق، يُعدّ تعزيز العلاقات العسكرية مع روسيا خطوة استراتيجية للهند لتوازن القوة في المنطقة.
التحديات الجيوسياسية وتأثير الصفقة الهندية-الروسية
تتجاوز الصفقة العسكرية بين الهند وروسيا، بما في ذلك شراء Su-57 وS-500، كونها مجرد اتفاقيات دفاعية لتصبح جزءاً من استراتيجية هندية أوسع، تهدف إلى تعزيز قوتها العسكرية في مواجهة التوترات الإقليمية والدولية. هذه الصفقات تؤثر بشكل مباشر على العلاقات الهندية مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، مما يعكس توازن القوى المعقد بين روسيا، الصين، والولايات المتحدة.
الهند تجد نفسها في موقف دقيق، فهي تسعى للحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في مواجهة الصين، وفي الوقت ذاته تحرص على استمرار تعاونها العسكري الحيوي مع روسيا. إن قدرة الهند على المناورة بين هذه القوى العظمى تُظهر رغبتها في تحقيق توازن بين مصالحها الأمنية والاقتصادية في عالم سريع التغير.
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.
نبض