جبران تويني.
فاروق غانم خداج
كاتب لبناني وباحث في قضايا التربية والفكر الإنساني
في ساحة الشهداء، وقف جبران تويني يوماً من أيام الوطن الجريحة، وصاح بقسمٍ هزّ الوجدان:
"نقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحّدين إلى أبد الآبدين، دفاعاً عن لبنان العظيم."
لم تكن تلك الكلمات مجرّد لحظة حماس، بل لحظة وعي. كانت شرارة نهضة، وصوتاً أراد أن يكسر جدار الخوف، ويزرع شتلة الأمل في أرضٍ أنهكتها الوصاية والانقسام.
كنا يومها شباباً نسير بين الجموع، تتقاذفنا الهتافات، وتشعل فينا الكلمات ناراً لم نفهمها تماماً. بدا لنا كلام جبران وسمير قصير كأنّه من زمنٍ آخر. حُلمٌ مستحيل، وخطابٌ يسبح في المثالية. لكنّ الأيام أثبتت أن الكلمات الصادقة لا تموت، وأنها، حين تُقال في اللحظة الصحيحة، تتحوّل إلى طريق يسير عليه الآتون من بعد.
كان جبران يعلم أن الكلمة أقوى من الرصاص، وأبقى من الظلم، وأنها إذا خرجت من القلب حملت رسالتها عبر الأجيال. لم تكن معركته سياسية فقط، بل أخلاقية وإنسانية ووطنية، معركة من أجل حرية الفكر، وصحوة الضمير، ووطن يحكمه القانون لا المحسوبيات.
واليوم، بعد سنوات من الصراع والكفاح، نرى الدولة اللبنانية تتحرّك على خطى ذلك الحلم الكبير. نرى المؤسسات تستعيد حضورها، والجيش يعيد هيبة الدولة في مناطق غابت عنها طويلا، والحوار الوطني يحاول أن يسمو فوق الطوائف والولاءات الضيقة. وكأنّ الزمان يردّ التحية إلى جبران، ويقول له: كلمتك لم تكن صرخة في الفراغ.
قال جبران ذات يوم: "الحرية ليست وجهة نظر."
تلك العبارة التي وجّهها بجرأة في وجه القمع، باتت اليوم شعاراً تتجدّد به معركة الكلمة. ما زالت تدعونا للدفاع عن الصحافة الحرة، وعن حرية الرأي كخط دفاع أول في وجه كل أشكال الاستبداد.
وقال أيضاً: "نريد دولة لا مزرعة."
لم تكن مجرد صيحة احتجاج، بل نداء تأسيسي لبناء دولة تقوم على المؤسسات لا الأشخاص، على الكفاءة لا المحاصصة، على المواطنة لا الطائفة. واليوم، مع كل محاولة إصلاح حقيقية، نسمع صدى هذه الكلمات يعود أقوى من قبل.
ولم يكن جبران يكتب من منطلق سياسي ضيّق، بل من منطلق سيادي عميق، حين صرّح: "لبنان أكبر من أن يُبتلع، وأصغر من أن يُقسّم."
عبارة تختصر جوهر الهوية اللبنانية، وتبقى درعاً في وجه محاولات الهيمنة والتفتيت.
أما الحلم الأوسع، فعبّر عنه بقوله: "لبنان الرسالة، المتنوع، المتعدد، الحر، والديمقراطي."
وما أحوجنا اليوم إلى استعادة هذا الحلم، لا كأمنية رومانسية، بل كبرنامج وطني شامل، يحيي الروح اللبنانية الأصيلة، ويجعل من التنوّع قوّة، لا ميدان صراع.
إن الهدية الحقيقية التي يمكن أن نقدّمها للبنان اليوم، ليست في تكرار كلمات جبران، بل في ترجمتها إلى فعلٍ صادق:
دعم الدولة، تكريس حرية الصحافة، تعزيز المواطنة، وتجفيف منابع الولاءات الضيقة لصالح انتماء أوسع وأعمق للوطن.
فهل نحن اليوم قادرون على استكمال مسيرة جبران، بالكلمة والفعل، ليصبح حلمه وطنًا نعيشه جميعًا؟
الزمن وحده كفيل بالإجابة، لكن ما هو مؤكّد أن الكلمة التي تحدّت الزمن، بدأت تتحقّق.
كاتب لبناني وباحث في قضايا التربية والفكر الإنساني
في ساحة الشهداء، وقف جبران تويني يوماً من أيام الوطن الجريحة، وصاح بقسمٍ هزّ الوجدان:
"نقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحّدين إلى أبد الآبدين، دفاعاً عن لبنان العظيم."
لم تكن تلك الكلمات مجرّد لحظة حماس، بل لحظة وعي. كانت شرارة نهضة، وصوتاً أراد أن يكسر جدار الخوف، ويزرع شتلة الأمل في أرضٍ أنهكتها الوصاية والانقسام.
كنا يومها شباباً نسير بين الجموع، تتقاذفنا الهتافات، وتشعل فينا الكلمات ناراً لم نفهمها تماماً. بدا لنا كلام جبران وسمير قصير كأنّه من زمنٍ آخر. حُلمٌ مستحيل، وخطابٌ يسبح في المثالية. لكنّ الأيام أثبتت أن الكلمات الصادقة لا تموت، وأنها، حين تُقال في اللحظة الصحيحة، تتحوّل إلى طريق يسير عليه الآتون من بعد.
كان جبران يعلم أن الكلمة أقوى من الرصاص، وأبقى من الظلم، وأنها إذا خرجت من القلب حملت رسالتها عبر الأجيال. لم تكن معركته سياسية فقط، بل أخلاقية وإنسانية ووطنية، معركة من أجل حرية الفكر، وصحوة الضمير، ووطن يحكمه القانون لا المحسوبيات.
واليوم، بعد سنوات من الصراع والكفاح، نرى الدولة اللبنانية تتحرّك على خطى ذلك الحلم الكبير. نرى المؤسسات تستعيد حضورها، والجيش يعيد هيبة الدولة في مناطق غابت عنها طويلا، والحوار الوطني يحاول أن يسمو فوق الطوائف والولاءات الضيقة. وكأنّ الزمان يردّ التحية إلى جبران، ويقول له: كلمتك لم تكن صرخة في الفراغ.
قال جبران ذات يوم: "الحرية ليست وجهة نظر."
تلك العبارة التي وجّهها بجرأة في وجه القمع، باتت اليوم شعاراً تتجدّد به معركة الكلمة. ما زالت تدعونا للدفاع عن الصحافة الحرة، وعن حرية الرأي كخط دفاع أول في وجه كل أشكال الاستبداد.
وقال أيضاً: "نريد دولة لا مزرعة."
لم تكن مجرد صيحة احتجاج، بل نداء تأسيسي لبناء دولة تقوم على المؤسسات لا الأشخاص، على الكفاءة لا المحاصصة، على المواطنة لا الطائفة. واليوم، مع كل محاولة إصلاح حقيقية، نسمع صدى هذه الكلمات يعود أقوى من قبل.
ولم يكن جبران يكتب من منطلق سياسي ضيّق، بل من منطلق سيادي عميق، حين صرّح: "لبنان أكبر من أن يُبتلع، وأصغر من أن يُقسّم."
عبارة تختصر جوهر الهوية اللبنانية، وتبقى درعاً في وجه محاولات الهيمنة والتفتيت.
أما الحلم الأوسع، فعبّر عنه بقوله: "لبنان الرسالة، المتنوع، المتعدد، الحر، والديمقراطي."
وما أحوجنا اليوم إلى استعادة هذا الحلم، لا كأمنية رومانسية، بل كبرنامج وطني شامل، يحيي الروح اللبنانية الأصيلة، ويجعل من التنوّع قوّة، لا ميدان صراع.
إن الهدية الحقيقية التي يمكن أن نقدّمها للبنان اليوم، ليست في تكرار كلمات جبران، بل في ترجمتها إلى فعلٍ صادق:
دعم الدولة، تكريس حرية الصحافة، تعزيز المواطنة، وتجفيف منابع الولاءات الضيقة لصالح انتماء أوسع وأعمق للوطن.
فهل نحن اليوم قادرون على استكمال مسيرة جبران، بالكلمة والفعل، ليصبح حلمه وطنًا نعيشه جميعًا؟
الزمن وحده كفيل بالإجابة، لكن ما هو مؤكّد أن الكلمة التي تحدّت الزمن، بدأت تتحقّق.
الأكثر قراءة
سياسة
11/6/2025 10:23:00 AM
"حزب الله": بصفتنا مكوّناً مؤسِّساً للبنان الذي التزمناه وطناً نهائياً لجميع أبنائه، نؤكد حقنا المشروع في مقاومة الاحتلال والعدوان
اقتصاد وأعمال
11/6/2025 6:37:00 AM
تماسك الدولار عند أقل بقليل من أعلى مستوى في أربعة أشهر الذي وصل إليه في الجلسة السابقة، وسط تزايد الإقبال على الأصول الأعلى في المخاطر
سياسة
11/7/2025 4:02:00 PM
بعد أن كتبت "بعلبك إيمتى؟" على تغريدة لأفيخاي... هذا ما جرى معها
مجتمع
11/7/2025 1:01:00 PM
تصاعد الجدل ليبلغ الجمعية، حيث أكد رئيسها الدكتور رامي اللقيس لـ" لنهار " أنه تم فصل الموظفة سارة الشياح من عملها...
نبض