إلى الرئيس المكلّف نوّاف سلام

إلى الرئيس المكلّف نوّاف سلام
نواف سلام. (نبيل اسماعيل)
Smaller Bigger


"إن لم تستطع أن تقول كلمتك وتمشي، امشِ فستقول كلمتك"

استعير العنوان من نص لي مأخوذ من كتاب "زهرة في حائط"، جاء فيه ما حرفيّته: "قال أحدهم قل كلمتك وامشِ، أي عندما تتجرّأ امشِ ولا تبالِ. أقول لك أيضاً، إذا مشيت فستقول كلمتك، أي أنك عندما لا تبالي وتمشي فستتجرّأ. خطوات المواجهة تسير معك على وقع خطوات مشيتك. قرارك يتحرّر بحركتك وليس وأنت على كرسيك.."

أنا لا أعرفك دولة الرئيس، مع أنّه كان من المفترض أن نلتقي في مناسبات عديدة نظراً لتقارب الأفكار في ما بيننا. جَمَعنا كتاب بعنوان "لبنان اليوم" Le Liban Aujourd’hui أصدرته الصديقة فاديا كيوان بعد حرب 1975 مباشرةً، وجمعت فيه نصوصاً لكتّاب ومفكرين في مجالات متعدّدة، محاولةً منها لإعطاء لمحة متكاملة عن أحوال البلاد بعد أن خرجت من الحرب. أنت كتبتَ في السياسة وأنا كتبتُ عن التحرّكات الجماعية المدنيّة التي نظّمها اللبنانيون ضدّ الحرب. كلٌّ منّا كتب من الموقع الذي كان يتحرّك فيه، وكانت اتجاهاتنا متقاطعة إلى حدّ كبير.

أخاطبك اليوم من الموقع نفسه بعد أن أصبحت أنتَ في موقع السلطة، التي كنّا نناضل معًا، كلٌّ من موقعه، حتى تصبح هذه السلطة ديمقراطية مستقلّة بآفاق علمانيّة، أو على الأقل لا طائفيّة.

كُلِّفتَ بتأليف الحكومة بشبه إجماع خارجي وداخلي، شعبي ونيابي، تمامًا كما انتخب جوزف عون رئيساً للجمهوريّة. تذكّر ذلك قبل أن تتّخذ قراراً في شأن تأليف الحكومة.

 أعي، كما يعي جميع اللبنانيين، حجم المشكلات التي تواجهك في تأليف الحكومة. سأتوقّف فقط عند أم المشكلات، ألا وهي موقف "الثنائي الشيعي".

خلاصة هذا الموقف المعلن، هي أنّه لا يمكنك أن تؤلّف حكومة من دون رضى "الثنائي الشيعي" على أساس ألّا "شرعيّة لأي سلطة تناقض العيش المشترك". وقد أطلق "الثنائي" تسمية "الميثاقيّة" على هذا النص المقتطع من الدستور اللبناني، تذكيرًا بـــ"ميثاق العيش المشترك" الذي أسس لولادة لبنان الكبير.

لا أدّعي على الإطلاق مجاراتك في براعتك في تفسير الدستور والقوانين بشكل عام، فأنت من أهل الاختصاص المشهود لهم من خلال كتاباتك العديدة حول الموضوع. لكن اسمح لي بهذه الملاحظات، الأقرب إلى النظرة السوسيولوجيّة إلى الأمور:

1-  لا علاقة لـ "ميثاق العيش المشترك" بالمحاصصة الطائفيّة، بل هو إعلان مشترك من المسلمين والمسيحيين، بأن لبنان ليس مقرّاً ولا ممرّاً لا للشرق ولا للغرب. وعلى "الثنائي الشيعي" وتحديداً "حزب الله" أن يبدأ بحسم موقفه بحيث لا يعود لبنان مقرّاً أو ممرّاً لإيران.

2-  أنّ سلطة تخضع لفريق سياسي مذهبي، يفرض عليها تخصيص وزارة الماليّة لأتباعه، على عكس إرادة معظم اللبنانيين ومن معظم المذاهب والطوائف، هي سلطة تناقض "العيش المشترك" الذي يفترض "المشاركة" معاً في كافة المواقع الوزاريّة والإداريّة.

3-  إنّ فرض تعيين "شيعي" في وزارة الماليّة من قبل "الثنائي الشيعي" ليس "ميثاقيّاً" بالمعنى الذي يفترضه هذا "الثنائي"، إذ إنّه ممنوع تعيين "شيعي" في هذا الموقع لا يرضى عنه هو.

4-  إن تعنّت "الثنائي الشيعي" وفرضه على الطوائف والمذاهب الأخرى ما يريده وحده، يغذّي النزعات الطائفيّة والمذهبيّة ويشجّعها على التصرّف مثله، ما قد يؤدّي إلى مواقف، قويّة حاليّاً، تشكّك بإمكانيّة "العيش المشترك" وتنزع نحو الفدراليّة، مروراً بسياسات المحاصصة والتعطيل لآليات العمل السياسي بحسب الدستور، كما حصل في الماضي القريب. 

5-  إن تحجج "الثنائي" بنية عزله من قبل باقي المذاهب والطوائف يناقض الوقائع التي دلّت بوضوح أنّ "الثنائي الشيعي" هو من يمارس انعزاليّة فاقعة: عزل نفسه عن انتفاضة 17 تشرين، عزل نفسه عن أهالي ضحايا المرفأ، عزل نفسه عن النواب الراغبين في انتخاب رئيس للجمهوريّة ولمدة سنتين، عزل نفسه عن باقي اللبنانيين وأعلن الحرب منفرداً، عزل نفسه عن باقي المواطنين الشيعة الذين لا يجارونه في سياساته، وأخيراً عزل نفسه عن باقي الكتل النيابيّة وأحجم عن انتخاب جوزف عون وعن تكليف نواف سلام، في موقف مناقض لخيار معظم اللبنانيين.

 لا خوف من عزل الشيعة بل من انعزاليّة "الثنائي الشيعي" التي تضرب بالصميم "العيش المشترك". وهذا ما يرتّب علينا جميعاً، الداعمين للرئيسين جوزف عون ونواف سلام، والمعارضين الشيعة "للثنائي"، أن نعلن موقفنا صراحة وبصوت عالٍ، بدون تردّد ولا مواربة.

فلنقل كلمتنا ونمشي وتمشي معنا يا دولة الرئيس، فتقول كلمتك، التي نعرفها جيداً، والتي هي اليوم لصالح جميع اللبنانيين وفي طليعتهم المتضررين الشيعة من السياسات الانعزاليّة السابقة. وكلمتك، التي سمعناها منك عند تكليفك، هي تعهدك بتطبيق الدستور والقانون، فلا تكسفنا من أوّل الطريق، فلن تستطيع ولن نستطيع معك سلوك طريق المستقبل، إن انطلقنا من حفرة بوسع ترسبات الماضي، وانت قد كُلّفت أصلاً بردمها، مزوّداً بإرادة دولية ووطنية جامعة.

وبدل أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، لا تستعجل بالقبول بما هو غير مقبول، بل خذ وقتك وفاوض باسم شعبك وباسم الدستور. الوقت لصالحك وليس لصالح الذين يحنّون إلى الماضي المؤلم والمظلم لجميع اللبنانيين، وخاصة للذين كانوا ضحايا العدوان الإسرائيلي، وينتظرون منك الفرج، الذي لن يأتي إلّا من خلال القطع مع أسوأ ممارسات الماضي.

الأكثر قراءة

سياسة 11/6/2025 10:23:00 AM
"حزب الله": بصفتنا مكوّناً مؤسِّساً للبنان الذي التزمناه وطناً نهائياً لجميع أبنائه، نؤكد حقنا ‏المشروع في مقاومة الاحتلال والعدوان
سياسة 11/6/2025 8:21:00 PM
هيئة البث: "إسرائيل تُصعّد من وتيرة هجماتها في عمق لبنان، لإيصال رسالة مفادها بأنه ما دام حزب الله لم يُنزع سلاحه، يُمكن لتل أبيب أن تُؤدي إلى تصعيد كبير"...
اقتصاد وأعمال 11/6/2025 6:37:00 AM
تماسك الدولار عند أقل بقليل من أعلى مستوى في أربعة أشهر الذي وصل إليه في الجلسة السابقة، وسط تزايد الإقبال على الأصول الأعلى في المخاطر
سياسة 11/6/2025 6:00:00 PM
اعتبر الرئيس اللبناني جوزف عون أن "ما قامت به إسرائيل في جنوب لبنان يُعد جريمة مكتملة الأركان"...