يُمهلُ ولا يُهملُ
في منتصفِ الثمانينياتِ، كنَّا جمعاً يزيدُ عنْ 400 شابٍ وشابةٍ، من أوائلِ دفعاتِ منحِ "مؤسسةِ الحريريِ" التعليميةِ في الجامعةِ الأميركيةِ في بيروتَ. احتشدْنَا في تلكَ الصالةِ الفسيحةِ في قصرِ قريطم، آتينَ منْ طوائفَ مختلفةٍ، ومنْ عواطفَ مختلفةٍ. تذكرتُ بعضاً من تلكَ الوجوهِ. كنتْ أراها في "محاورِ بيروتَ" أيامَ السلاحِ والرفاقِ والحربِ.
وقفَ رفيقُ الحريريُ أمامنَا هامةً كبرى، وكانَ عن يمينِهِ الفضلُ شلق، وعن يسارِه رجلٌ ما عرفتُهُ. كان يحدّقُ إلى وجوهِنَا، ويبتسمُ حينَ تلتقي العيونُ. أذكرُ كلماتِه كأنَّها اليومَ: "مش كلكن بتحبّوا رفيق الحريري. مش مطلوب منكم تحبّوا رفيق الحريري، ومش مطلوب تصيروا بحزب رفيق الحريري، لأنه رفيق الحريري ما عنده حزب، المطلوب تصيروا بحزب لبنان. كثير منكم كانوا حاملين سلاح، أنا كمان عندي سلاح رح سلّمكم ياه اليوم، سلاح العلم، ومطلوب منكم تستعملوا هذا السلاح... وتذكّروا دايماً إنو البلد يُمهلُ ولا يُهملُ".
اليومَ، بعدَ 20 عاماً على استشهادِ رفيقِ الحريري، أتذكَّرُ ذلكَ الجمعَ، وفيهِ كثيرونَ مَا أحبُّوهُ حينَها، ولا يُحبّونَه اليومَ، أمهلَهُم البلدُ عقدين منَ الزمانِ، لكنَّهُ ما أهملَهُم... فانقضّتْ عروشٌ ظُنَّ أنّها لنْ تزولَ، وذهبَ رجالٌ رُفعوا ذاتَ يومٍ إلى مصافِ القدّيسينَ. وبقينا نحنُ، حزبُ البلدِ الذي أرادَهُ رفيقُ الحريري، نتحلّقُ حولَ ضريحِهِ في كلِّ عامٍ، ولا ننساهُ على مدارِ العامِ. إنَّهُ الحقُّ يا سادة.
نبض