وارف قميحة*
خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة مجموعة العشرين يُعد تأكيداً لالتزام الصين بدورها القيادي في إصلاح النظام العالمي وتعزيز الحوكمة الدولية. يتضمن الخطاب رؤية شاملة لنظام عالمي أكثر عدلاً وإنصافاً، مع التركيز على التعاون والشراكة بدلاً من التنافس والصراع، وهي قيم تتماشى مع مبادئ "مجتمع المستقبل المشترك للبشرية" التي تروّج لها الصين.
لعل أهم ما تطرق إليه الرئيس شي يكمن في:
1. التركيز على التعاون بدلاً من التنافس:
أكد شي ضرورة النظر إلى التنمية كفرصة مشتركة، مشيراً إلى أهمية تعزيز التفاهم والشراكة بين الدول بدلاً من التنافس. هذه الدعوة تعكس فلسفة الصين في تحقيق المصالح المشتركة بعيداً من سياسات الهيمنة أو الإقصاء.
2. إصلاح الحوكمة الاقتصادية والمالية العالمية:
دعوة الرئيس شي لتحسين الحوكمة الاقتصادية والمالية تعكس قلق الدول النامية من تهميشها في النظام العالمي الحالي. تأكيده أن زيادة تمثيل الدول النامية هو مطلب أساسي لتحقيق التوازن في القرارات الاقتصادية والمالية التي تؤثر على الجميع.
3. رفض الحمائية ودعم التجارة الحرة:
إصلاح منظمة التجارة العالمية ومعارضة الحمائية يمثلان أولويات صينية لضمان استمرار العولمة الاقتصادية. تأكيد بناء شراكات صناعية وسلاسل إمداد أكثر عدالة وشمولية يهدف إلى تحقيق نظام اقتصادي عالمي أكثر استدامة.
4. الاهتمام بالحوكمة الرقمية والابتكار التكنولوجي:
طرح رؤية طموحة للتحول الرقمي والحوكمة العالمية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي يعكس إدراك الصين لأهمية الابتكار التكنولوجي في تحقيق التنمية المستدامة.
5. تعزيز التعاون في القضايا البيئية:
الدعوة للتعاون بشأن القضايا الإيكولوجية والتنفيذ الكامل لاتفاق باريس تُبرز التزام الصين بالقيادة في مجال التنمية الخضراء، وهو التزام يعزز مكانتها كدولة تدفع نحو تحول اقتصادي عالمي منخفض الكربون.
6. الحوكمة الأمنية ودعوات السلام:
تناول شي القضايا الحساسة مثل الأزمة الأوكرانية والصراع في غزة، مع تأكيده أهمية التفاوض والحلول السلمية. هذا يعكس موقف الصين التقليدي بدعم الحلول السياسية والدبلوماسية بدلاً من التدخلات العسكرية.
خطاب الرئيس شي جين بينغ في قمة مجموعة العشرين يعكس رؤية طموحة ومسؤولة لدور الصين في تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب يقوم على العدالة والتوازن. من خلال اقتراحاته الخمسية، تقدم الصين خريطة طريق شاملة لمعالجة التحديات الاقتصادية، البيئية، والتكنولوجية، ما يبرز التزامها بدعم تنمية مشتركة ومستدامة لجميع الدول، وبخاصة الدول النامية التي تسعى إلى تعزيز دورها في النظام الدولي.
هذه الرؤية الصينية ليست مجرد دعوة لإصلاح النظام العالمي، بل خطوة عملية نحو بناء شراكات تقوم على الحوار والاحترام المتبادل، حيث تسعى الصين من خلال هذه الطروحات إلى تعزيز التعددية الحقيقية ومواجهة التحديات العالمية بروح التعاون بدلاً من المواجهة.
بإصرارها على تعزيز صوت الدول النامية وتحقيق توازن أفضل في العلاقات الدولية، تضع الصين نفسها كنموذج لقوة داعمة للتنمية والازدهار المشترك. رؤيتها لعالم متعدد الأقطاب ليست فقط فرصة لتعزيز العدالة الدولية، بل أيضاً لإرساء أسس نظام عالمي أكثر استقراراً وشمولية يلبي تطلعات الشعوب نحو مستقبل أفضل.
*رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث ورئيس الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل