السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

قصة الأغنية الثوريّة التي غيّرت مجرى التاريخ!

جاد محيدلي
قصة الأغنية الثوريّة التي غيّرت مجرى التاريخ!
قصة الأغنية الثوريّة التي غيّرت مجرى التاريخ!
A+ A-

يظهر في الحلقة الأولى من المسلسل الأميركي "عندما يروننا"، للمخرجة إيفا ديفرناي، عشرات من المراهقين من أصحاب البشرة السمراء وهم يتدفقون إلى متنزه سنترال بارك في مدينة نيويورك في التاسع عشر من نيسان 1989، وكان هؤلاء الشباب يسيرون على إيقاع أغنية "فايت ذا باور Fight the power" (كافِح السلطة) الشهيرة. ولمن لا يعرف هذه الأغنية، فهي تتخطى كونها مجرد أغنية، ولم يتم وضعها في المسلسل عن طريف الصدفة، كما كانت ملائمة لقصة العمل الذي يتناول الظلم العنصري في نيويورك خلال ثمانينيات القرن الماضي. كل ذلك كان في ذهن المخرج سبايك لي عندما كتب ثالث أفلامه "إفعلْ الصواب"، واتخذ أغنية "كافِح السلطة" كخلفية موسيقية وغنائية له. وتشكل هذه الأغنية مثالاً على نجاح فريق "بابليك إنيمي"، الذي انتشر عام 1986، في ابتكار شكل من أشكال الـ"هيب هوب" ذي الطابع الراديكالي على المستوى الغنائي والسياسي معاً، وهو ما لم ينجح أي فريق مماثل له في فعله منذ ذلك الحين. ويعود الفضل للمؤلف ومغني الراب الأميركي تشاك دي في تنظيم أعضاء "بابليك إنيمي" بمواهبهم المتفاوتة وجعلهم قوة لا تقاوم، إلى حد أن ألبومهم الثاني الذي صدر عام 1988 باسم "يتطلب الأمر ملايين الأشخاص لكبح جماحنا"، دفع موقع "إن إم إي" البريطاني المتخصص في الموسيقى، لوصف فريقهم بأنه الأفضل في عالم "الروك أند رول" على وجه الأرض. وفي خريف عام 1988 وجّه المخرج لي الدعوة لـ"تشاك" واثنين من زملائه في الفريق للغداء معه، وطلب منهم كتابة أنشودة لفيلمه الذي كان في طور التجهيز. واختار تشاك للأغنية اسم "كافِح السلطة" وكتب معظم كلمات الأغنية في أوروبا خلال جولة فنية لفريقه. 

نظراً لوعي تشاك بتاريخ الأميركيين من أصل إفريقي، استعان في أغنيته وبشكل مباشر بإشارات واقتباسات من بعض شخصياتهم الشهيرة. كما تضمنت أغنيته تلميحات مستترة إلى عدد من هذه الشخصيات، مثل المغني بوب مارلي، وداعية التحرر من العبودية فردريك دوغلاس. وهكذا كدّس تشاك في عمله كل ما في تراث الأميركيين سود البشرة من تقاليد الكبرياء والمعارضة، بهدف حضّهم على الانضمام إلى ركب المحاربين ضد السلطة. كما تتضمن أغنية "كافِح السلطة" مقتطفات من كلمات ألقاها نشطاء في الدفاع عن الحقوق المدنية مثل جيسي جاكسون، إضافة إلى أجزاء من أغنيات كلاسيكية ومن أعمال تنتمي إلى فئة موسيقى "الريغي" والموسيقى الكهربائية، وغيرهما. وبلغ الأمر حد أن المقطع الموسيقي المركزي الصاخب في الأغنية، الذي وُصِفَ بأنه أشبه بطبول الحرب، يتألف من 10 عينات مختلفة. وتم تصوير الأغنية في يوم ربيعي بارد وممطر في منطقة بروكلين في نيويورك، بمشاركة مئات من المتطوعين ممن حملوا صوراً لـ"الأبطال سود البشرة"، في إطار مسيرة انتهى بها المطاف إلى مكان تصوير "إفعلْ الصواب".

وعندما شاهد تشاك دي نسخة أوليّة غير مشذبة من الفيلم، دُهِشَ من عدد المرات التي ظهرت فيها الأغنية خلاله. فبجانب وضعها في بداية الفيلم، جعلها المخرج لي خلفية موسيقية مصاحبة لإحدى الشخصيات، ما أدى إلى أن تكون أشبه بنبض هذا العمل السينمائي وإيقاعه. وعندما اختار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وزوجته فيما بعد ميشيل روبنسون، فيلماً لمشاهدته في أول موعد غرامي بينهما؛ كان أول ما شاهداه هو الممثلة روزي بيريز، وهي ترقص على تلك الأغنية في المشهد الافتتاحي من ذلك الفيلم. لكن لسوء الحظ لم يكن بوسع فريق "بابليك إنيمي" الاستمتاع بتلك اللحظة التي طال انتظارها. فخلال الفترة التي فصلت بين تصوير الأغنية وإطلاقها ضمن ألبومهم الثالث، أدت تصريحات معادية للسامية أدلى بها عضو الفريق "بروفيسور غريف" - الذي كان يُعرف بوزير إعلام هذه المجموعة الموسيقية - إلى إغراق "بابليك إنيمي" في أزمة وجودية، ثبت فيما بعد أنها مُدمرة. أما الفيلم فاتُهم بالتحريض على العنف، وكان ذا طابع مثير للجدل، بقدر جعله موضوعاً لندوة عُقِدَت في صحيفة نيويورك تايمز، اعتبر خلالها قاض أبيض البشرة أن مضمون العمل سلبيّ إلى أبعد حد، قائلاً "لمَ لا نكافح من أجل السلطة بدلاً من أن نكافح السلطة".

لكن الأغنية نفسها، التي بيع منها نحو نصف مليون نسخة رغم أنها كانت منبوذة من محطات الإذاعة الرئيسية، اكتسبت حياة خاصة بها بعيداً عن كل هذا الجدل، فقد رددها الطلاب سود البشرة في وجه قوات الشرطة خلال أعمال شغب وقعت في ولاية فيرجينيا الأميركية في أيلول 1989، كما حولتها محطة إذاعة صربية تحمل اسم "بي 92" في عام 1991 إلى أنشودة مناوئة للرئيس سلوبودان ميلوشيفيتش، وكانت تبثها بشكل متكرر في الفترات التي مُنعت فيها من بث الأخبار، خلال حملة قمع مسلحة شنها النظام عليها. وكان صيف عام 1990 وقتاً ملائماً للغاية لأغنية من ذلك النوع، إذ شهد تأجج التوترات العرقية في نيويورك، بعد مقتل صبي أسود البشرة، ما أدى لخروج مسيرة عبر بروكلين للاحتجاج على ذلك، وهو حادث أسهم في الوقت نفسه في انتخاب دافيد دينكينز كأول عمدة لنيويورك من ذوي البشرة السوداء، ما غيّر مجرى التاريخ. ومن جانبها، قالت مجلة "تايم" إن أغنية "كافِح السلطة" هي أكثر من مجرد عمل موسيقي آخر، مُشددة على أنها أثبتت أن موسيقى "الهيب هوب" تتجاوز "الترفيه أو تجسيد تعبير المتحمسين لها عن اغترابهم أو استيائهم، بل إنها تشكل قوة اجتماعية رئيسية".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم