يعاني لبنان منذ سنوات من سوء إدارة الدولة لإيراداتها أدى إلى تراكم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت بعد الأزمة السورية وزادت وطأتها بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب، ما ينذر بانهيار كامل للاقتصاد في ظل معاناة ملموسة لدى مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية، ونمو الدين العام الذي تخطى حاجز الـ١٥٠في المئة من قيمة الناتج المحلي الاجمالي، وعجز يلامس الـ ١٠% حتى بعد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في ظل رفض تام من مختلف فئات موظفي القطاع العام، وهو ما تم التعبير عنه عبر التظاهرات والإضرابات. وما زاد الطين بلة أن هذا البلد يعاني من انقطاع السائح الخليجي الذي ينفق مبالغ عالية نسبياً، وارتفاع نسبة البطالة لتصل إلى حدود ٤٥% من إجمالي اليد العاملة، كما أن ثلث الشعب اللبناني يقبع تحت خط الفقر، بحسب بعض التقارير.
ومعلوم لدى الجميع ذلك المنطق الذي حكم ويتحكّم بمستقبل هذا الشعب، فالنظام السياسي يُعتبر من الأسوأ في العالم، وفشل اللبنانيون عبر عقود من تغيير هذا النظام الطائفي الاقطاعي المناطقي، وتحول البلد إلى مستقنع من عشرات الأحزاب التي يبيع أغلبها المواقف لدول تدعمه عقائدياً ومادياً وحتى عسكرياً، حتى أن الانتماء للبنان فقط أصبح من الأشياء غير العادية، ما دفع الشباب اللبناني إلى الهجرة هرباً من نظام ينهشه الفساد وقلة الخدمات، ناهيكم عن التلوث القاتل في البرّ والبحر والهواء، حتى أصبح اللبناني يخشى من الهواء الذي يتنشقه.
طبعاً، حاول المجتمع الدولي مساعدة لبنان والأخذ به عبر تنظيم مؤتمر سيدر، وتقرر تقديم مبلغ ١١ مليار دولار كقروض ميسرة لتمويل مشاريع البنية التحتية لإطلاق عجلة الاقتصاد، وهذه القروض مشروطة بتنفيذ إصلاحات جوهرية لتحويل الأموال، وهو ما عجزت السلطة عن تحقيقه حتى الآن لبدء تحويل الأموال، فأركان الحكم غارقون في خلافات على حارات وزنقات القرى، ويحكمون بعقلية المافيا والمصالح الشخصية، وتقيّم المؤسسات الدولية الوضع المالي بالسيّئ والسلبي، وهذا ما يؤدي إلى هروب المستثمرين وعدم قدرة الدولة على تخفيض قيمة الدين العام الذي ينمو بسرعة تصل إلى ٧ % في العام الواحد بسبب العجز والفوائد العالية للقروض وغياب النمو الاقتصادي، ولولا تحويلات المغتربين اللبنانيين التي تناهز الـ ٩ مليارات دولار في العام لكان الوضع مزرياً جداً لأن هذه التحويلات تساهم بشكل كبير في ميزان المدفوعات.
إذاً، واقع الحال يبعث على القلق الشديد، وهذه ليست نظرة تشاؤمية إنما واقع ملموس يعلم به كل اللبنانيين، ورغم أن البنك المركزي يحاول الحفاظ على احتياطي نقدي معتبر لتسديد العجز، لا بد من طرح السؤال التالي: إلى متى يستطيع البنك المركزي تحمل هذه المسؤولية؟ وإلى متى ستلجأ الدولة إلى الاقتراض بفوائد عالية جداً لجذب المقرضين الذين هم في غالب الأحيان ليسوا سوى المصارف اللبنانية، والجدير ذكره أن الليرة اللبنانية استطاعت أن تقاوم الضغوط على مدى عشرين عاماً تقريباً، رغم أن الكثير من عملات الدول النامية قد فقدت من قيمتها في ظل الازمات المالية. وتشير التقارير إلى أن نسبة التضخم تلامس الـ ١٠% وهو ما يدل على أن الاقتصاد متعثر. وفي ظل الوضع الراهن أصبح لزاماً ومطلباً لجوء الدولة إلى جدولة الدين مع المقرضين قبل أن ينهار الهيكل على رؤوس الجميع، أو رفع الدعم عن الليرة اللبنانية وتركها لمصيرها المحتوم وقيمتها الفعلية، وهو ما سيشكّل كارثة للطبقة المتوسطة والفقيرة في البلد، وتشكل الديون بالليرة اللبنانية ما نسبته حوالي ٦٥% من إجمالي الدين العام. وإذا نظرنا إلى بعض الدول من حولنا كتركيا وروسيا والهند وأوكرانيا ومصر وجنوب أفريقيا التي فقدت عملاتها الكثير من قيمتها، فإننا نستطيع ان نستشفّ العبر ونتضرع إلى الله بأن يلهم سياسيّي لبنان شيئاً من الحكمة للابتعاد عن عبثهم المفرط وغير المقبول على الإطلاق.