السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

حكايات على دروب ضائعة

أسامة جلالي- تونس
حكايات على دروب ضائعة
حكايات على دروب ضائعة
A+ A-

حليم مغرم بسارة، بينهما حبل سميك من الصداقة. هو خجول ويخشى جوابها إذا صارحها، يكتفي بمرافقتها ويستمتع بالحديث إليها، يأمل دائماً أن الطريق إلى المحطة لا ينتهي وأن ثنايا المدينة العتيقة متاهة. يحلم دائماً بأيام مشرقة ويرى فيها رفيقة إذ اتفقا على عمل معاً مستقبلاً. يعمل حليم اليوم طبيب أطفال، ابن سارة أحد مرضاه. كل ما يستمتع به هو رؤيتها والحديث إليها أحياناً.

****

ليس له الكثير ليفعله هذه الأيام. يستيقظ متأخرا ولا أحد ليلقي عليه التحية. يتصفح النت ثم يغرق في القراءة وكثيرا ما يغلبه النعاس من شدة السأم وقد تلزمه الوحدة بأسئلة وجودية يبقى أمامها عاجزاً متأملاً قطته حاسداً إياها عن تلك اللامبالاة التي تواجه بها رتابة الحياة. بعد استئصال رحمها تمضي القطة الليل بين الأزقة ولا تعود إلاّ صباحاً لتأكل ما تركه لها من طعامه ثم تغط في نوم ينتهي مع حلول الظلام. يفكر مراراً، ماذا لو كان قطاً؟ ربما ستكون الحياة أفضل بسعيه وراء العصافير والفئران. تستهويه الفكرة، يتمدد على فراشه وسرعان ما يغفو مجدداً، قد لا يستيقظ إلا عند ظهور القمر.

****

ها هو يمكث هنا أمام البحر، كان قد نصب خيمته منذ يومين وهو الآن أمام هذا الامتداد الأزرق، ليس مندهشاً كذلك الذي لم يرَ البحر قطّ. هو لا يأتي إلا طمعاً في السكينة وبعض السمك الطازج. كان مخزون الشراب قد انتهى منذ قليل كما أنه لم يصطد شيئا منذ الصباح. نزع ثيابه وقفز في الماء. كان السمك قريباً منه غير مبال بحركته، استغرب لعدم وجود جذب في الصنارة. اقترب أكثر من الخيط وقد انجذب لرائحة الطعم. أصابه الرعب لقدرته على الشم تحت الماء. هل صار مائياً؟ ذعر حين فكّر أنه لن يستطيع بلوغ اليابسة مجدّداً. صعد إلى السطح، لسوء حظه أنه لا يستطيع التنفس. عاد إلى الماء، كل شيء واضح هنا، أسماك وقناديل وسرطانات. ماذا عن حياته في المدينة كيف اختار لنفسه هذا المصير؟ هاهو سينعم بوحدة وسكينة أبديتين، قد يكون الأمر أفضل لو وجدت حوريات البحر. يصيبه الخوف لفكرة العيش في البحر. يسبح نحو اليابسة ويرتمي على الرّمال. يتلوّى ويتخبط وينقطع النفس.

****

كاتت العصا التي يحملها بمثابة عينين له. هو لم يبصر ضوء الشمس قط ولا يعرف طرقاً غير تلك المؤدية إلى الجامع. يمكث في أحد أركانه مرتدياً نظارات سوداء. قيل أن أحدهم قد لمحه يخرج ليلاً دون عصاه ويختفي في الظلمة. بعد انهيار النظام كان قد عثر على جثته وقد غرست العصى في عينيه. أشيع خبر أنه كان يعمل مخبراً لدى الشرطة.

****

لم يحلم نضال بالكثير، كل ما أراده هو تحويل واقعه إلى جنة أرضية. كان يردّد دائماً أنه ينتمي للجياع ومن سيقاتل علا صوته في الأرجاء، كان يحارب بكل ما أوتي من قوة من أجل مستقبل أفضل كبقية المحرومين. بعد انتهاء المعركة حاز نضال وسام شرف وبعض المال. جاء بعض المجهولين وتقلّدوا الحكم وصارت منازلهم جناناً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم