السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

"صرخة في وجه الرصاص" صرخة في وجه الاستبداد الأسدي

مصطفى علوش
A+ A-

"صرخة في وجه الرصاص"، هو الفيلم الوثائقي الذي أعدّه الصحافي فرحان المطر وأخرجه يوسف الجندي، وأنتجه تلفزيون "العربي". ثمة فيه مقطع تظهر فيه الفنانة فدوى سليمان وهي تصنع قهوتها وتغني "صوتك غنيّة". فدوى سليمان هي المرأة التي عشقت الحرية وآمنت بالثورة السورية وعملت حتى آخر لحظة من حياتها في خدمتها.



يروي الفيلم وقائع من حياة مي سكاف، فدوى سليمان، وناجي الجرف. ثلاثة آمنوا بالثورة وسلميتها. ماتوا، أو استشهدوا أو تمّ اغتيالهم. القاسم المشترك في ما بينهم هو الوفاء الخالص للثورة. يتناوب كلّ من لويز عبد الكريم، ثائر الزعزوع، طاهر مقرش، نعمان حاج بكري، محمد الجرف، صخر ادريس، جود الزعبي، في الكلام عن هؤلاء الثلاثة، لرسم ملامحهم، كيف تعاملوا مع الثورة، كيف وقفوا ضد التطرف الإسلامي بكل وجوهه، وكيف كانت تفاصيل حياتهم اليومية لهم خلال الثورة، ولماذا اضطروا للهرب من سوريا الأسد من أجل خدمة سوريا الإنسان والحرية؟

أسمع صوت مي سكاف الباكي وأشاهد صورتها في الفيلم، وأراقب مدى الصدق والشرف والنقاء في كلماتها، هي التي كتبت قبل رحيلها: "إنها سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد". هي مي سكاف التي أجبرها النظام على الهرب بعد التهديد الأمني المباشر بالتصفية. وصلت إلى منفاها الفرنسي، وبقي الإحساس بالذنب يلاحقها حتى وفاتها، والسبب أنها كانت تريد البقاء في سوريا لكن الأسد أجبرها على الهرب.

ناجي الجرف، أو "الخال" كما كان يرغب بمناداته، كان يحلم بأن يحرق تنّور الثورة كل هذه البنى المهترئة لتولد بعدها بنى اجتماعية جديدة. سمّاه أهله "الناجي"، ثمّ عاد وولد مرة أخرى مع الثورة، فكان جسراً حقيقياً لإيصال أصوات البشر العاديين الرائعين الذين آمنوا بالثورة. ركّب الصحافي "كلمن أبو حوى"، صديق ناجي، الكاميرا على يده الاصطناعية بعدما قطعت مع ساقه. "كلمن أبو حوى" كان يسرد ذكرياته مع ناجي وعنه، وكأن الأخير لم يستشهد.

تحكي الممثلة لويز عبد الكريم عن فدوى سليمان، الفنانة والممثلة والشاعرة، عن مرض السرطان الذي أصابها وتكتمت عليه حتى وفاتها، كيف ذهبت إلى حمص لتتشارك الحياة والثورة مع الناس البسطاء، الفقراء، ولا يزال صوتها يرنّ في أرواحنا، هي والراحل عبد الباسط ساروت حارس الثورة.

يستمد الفيلم مادته من قلب الثورة من دون انحياز، ويمكننا القول إنه التقط الثورة السورية بكامل عنفوانها قبل أن يجتاحها التطرف الإسلامي. رافقت الصورة كل مشاهد الفيلم المنتقاة بعناية وصبر. إنها الصورة الوثائقية التي وثّقت القمع والقتل والرعب الذي عاشه السوريون وهم يواجهون أعتى نظام عرفه التاريخ المعاصر. صور لبلاد تذكّر بتاريخ الطغاة وهم يدمرون بلادهم من أجل بقائهم على الكراسي.

يعيدنا الفيلم إلى أيام التظاهرات السلمية وشعارات الثورة النقية وهي تتزين بعلم الإستقلال: "واحد واحد واحد الشعب السوري واحد، حرية للأبد غصب عنّك يا أسد". مي سكاف وفدوى سليمان وناجي الجرف، كانوا جزءًا من مشهد الثورة وهي تحطم جدران الخوف الممتد عميقاً في الروح. صوت ناجي الجرف الهادئ يحكي عن وفائه للثورة. صوت سكاف يحكي عن بشاعة مجزرة الأسد وحلم الأطفال، وقد شكلا مع كلمات فدوى سليمان قصيدة منسوجة من وجع وحلم.

مُعدّ هذا الفيلم الصحافي فرحان المطر زوّدنا شهادة تشرح بعض الصعوبات التي رافقت إتمام الفيلم: "صرخة في وجه الرصاص، صورة شديدة الصدقية والوضوح، لثلاث شخصيات من أبناء الشعب السوري رفعوا راية الحرية، وكلمة لا في وجه القمع والديكتاتورية الأسدية المجرمة، وقدموا عبر مسيرة حياة كل منهم مثالاً حياً صادقاً وواضحاً لأحلامهم التي جبهت بالموت بأشكاله منذ الأيام الأولى للثورة السورية. منذ أن كان الفيلم فكرة أولى، إلى أن تبلور بصورته الأخيرة، وصولاً إلى عرضه على التلفزيون، استغرق قرابة خمسة شهور، لم تكن سهلة بحال من الأحوال، واجه فيها فريق صناعة الفيلم الكثير من المفاجآت والصعوبات التي كان من المحتمل في كل لحظة أن تمنع الفيلم من رؤية النور. مفاجآت وخيبات أمل كثيرة كانت بالمرصاد، غير أن العامل الحاسم في إتمام الفيلم في النهاية كان متمثلاً في تعاون رفاق الدرب وجمهور الثورة العظيم، المشفوع بالحب للفيلم وفكرته، والإيمان بقضية الثورة التي ضحى هؤلاء بأرواحهم من أجل انتصارها، وهو ما يفسر القائمة الطويلة من الشكر التي زينت شارة النهاية. أهمية الفيلم تنبع من التوقيت الذي أنجز به، ليكون واحداً من الردود على حالة اليأس التي فرضت وجودها نتيجة التطورات الكارثية على أرض الواقع في سوريا. باختصار جاء الفيلم ليؤكد أن روح الثورة باقية وستنتصر مهما طال الزمن. الثورة السورية بأيامها الأولى، بسلميتها، بعفويتها، بالحماسة اللا محدودة من شرائح الشعب السوري بأطيافه وإثنياته حاضرة في فيلم "صرخة في وجه الرصاص" وهي الرد على زيف ادعاءات النظام الذي لا يجيد سوى القتل والكذب. يكفي الفيلم شرفاً أنه يقدم وثيقة جديدة تضاف إلى ملايين الوثائق لما يحدث في سوريا، والشخصيات الثلاث هي نماذج عن مئات آلاف النماذج الأخرى من الشخصيات التي تستحق كل واحدة منها فيلماً يروي بطولاتها وتضحياتها في سبيل الحرية".


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم