الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

"برقيات لآلة فاكس معطّلة" لهاشم شلولة: "صوت صراخي الذي لا يسمعه أحد"

نور حطيط
"برقيات لآلة فاكس معطّلة" لهاشم شلولة: "صوت صراخي الذي لا يسمعه أحد"
"برقيات لآلة فاكس معطّلة" لهاشم شلولة: "صوت صراخي الذي لا يسمعه أحد"
A+ A-

"أوليست عيوننا هذه البركة الصغيرة غير المُكتشَفة من النور السائل الذي وضعه الله في أعماقنا؟ خلقنا القصيدة من ماء. في الطبيعة، الماء هو الذي يُرى، هكذا اختصر باشلار علينا تماهينا مع الكون. حين نحدّقُ في المستحيل نكتب، نحن الذين امتلكنا أيدي الأنبياء فكُنّا أعظم سَحَرة، نكتب حين نريدُ أن ننسى، نخترعُ فضاءاتنا، نتسكع في شوارعنا، نعرّينا من الخوف، ننام تحت أبياتنا، نفرحُ تارةً، ونحزنُ تارة أخرى. نمارسنا في قصائدنا.

نبصقُ على العابرين، نسكرُ، نمارس جرائمنا في قصيدة قصيرة أو ربما طويلة. نسرق، أجلّ نسرق. لماذا لا يُشرّعون السرقة الأخلاقية، كأن نسرق وردة من رصيف بيتٍ مهجور، أو برتقالة من بستان جارنا، أو ربما مكتبة، أو "bicycle" ورديّة. أوليست هذه نصيحة الشاعر الروسي يفغيني يفتوشينكو بأنه لكي يكون المرء شاعرًا لا يكفي أن يعرف كتابة القصائد، بل ينبغي له كذلك أن يكون قادرًا على حمايتها؟ من هذه الفلسفة، تحاول قصائد الشاعر الفلسطيني الشاب هاشم شلولة أن تتجلّى، فيحلّق وراء الأخلاقيات السائدة في مجتمعاتنا التي ظلّت حبيسة التابوات. حين يُعرّف نفسه في قصيدته "أنا" يقول: "أنا كل فوضاي، والفوضى لا شيء خارج مطلقه، اصطدم بشيء بكّاء، كان جوابًا لمنفى، ومنفى لجواب". عن دار "الكلمة" للنشر والتوزيع، صدرت لشلولة مجموعته الأولى بعنوان "برقيات لآلة فكس معطلة"، وهنا حوار معه عنها: 

"برقيات لآلة فاكس معطّلة"، إلامَ يرمز العنوان؟

يرمز العنوان إلى العبثية التي جاءت بالتراكم، وتكدّس الوعي، إلى عدم التفات أيّ من الذين أوجّه إليهم رسائلي التي مفادها أنني شخص مُعذَّب في هذا الوجود، وأنني أختمر بداخلي وجبة دسمة من الألم. يرمز إلى صوت صراخي الذي لا يسمعه أحد، والذي حاولت دائمًا رسم هذا الصوت بالأحرف، وتغليفه على هيئة برقيات، ويبدو أن الرسائل تكوّمَت حول الفاكس، لعطبٍ في خاصرته دون الوصول أو الجدوى من تلك الصرخات المكتوبة، ودون أن يمرّ عامل صيانة لإصلاح هذا العطب.

يقول الشاعر العراقي سركون بولص "إنّ قصيدة النثر تشجع القارئ على المشاركة كخلّاق شريك ليس فقط في استخلاص المعنى، وإنما في تفسير النص كقصيدة". ما رأيك؟ ولماذا اخترت القصيدة النثرية؟

في غالبية الأوقات، لا أنظر إلى طبيعة النص وتصنيفه، وأكره التشيؤ في هذا الموضوع. كل ما يهمني، هو تبديد الألم الذي يقبع بداخلي، ويكبر كل يوم كما هو، دون تجميل أو تلميع أو موسقة، رغم أنه يوجد ما هو مموسق في ما أكتب، ويبدو ذلك دون قصد ـ لا أقصد ما أكتب دائمًا ـ ولا أدرك ما تريده مني القصيدة ولا هي كذلك. رغم ذلك، لا أستطيع أن أخنق جِيد الغربلة الخاصة بالشعر، والمُصنفات الأدبية. أما عن رأيي في ما قاله العراقي العملاق، فهو أن قصيدة النثر في هذه الحالة تخضع لكاتبها. النص هو ابن الشاعر البار، والذي ينصِت بحُبٍّ لمزاج والده، ويطيعه بكل ما يريد.

الشاعر من خلال كم وكيف انصهاره، واتصاله وانسجامه مع النص، يستطيع التلاعب فيه كما يشاء ليصل إلى عمق القارئ، ويجعله شريكًا خلّاقًا في تفسير النص كقصيدة، وهذا يتطلب ثقافة عالية، وصوراً جمالية مختلفة عن المألوف والمُعتاد، وخَلق أسلوب خاص، والتفرد به.

من هو الإنسان في قصائدك؟

إنّ الإنسان لا يتعدى كونه سيزيف الأسطورة العبثية التي تثبِت عبثيتها بعجزها الدائم وبفعلها الذي لا فائدة منه. أقوم هنا بأبجدة دمعات وحبّات العرق السيزيفية، وأنتهي بالنظرية التي أؤمن، تلك النظرية سرمدية الظلام لهذا الوجود، والتي تتمركز في السّير على خُطى باتريك زوسكيند وأوجين يونسكو وألبير كامو، ولكن بشكل قصائديّ يشبه نزيف لوركا في شوارع مدينته. الإنسان يقف أعلى جبال المجاز الحاضر في قصائدي مهزومًا، ويردد بصوتٍ عالٍ، أنَّ البقاء لأزلية الحزنِ لا أبديته، فلا راحة للإنسان من الحزن والعذاب المتواصلين. الإنسان يتطهّر بالألم، ويحوله إلى ينبوع ويغتسل به بُغية تحويله إلى جمالية تتغنّى بها الذّات القارئة، وتتصالح مع النّصوص الموجودة، وتَجِدي هذه القصائد تأخذ بيد قارئها إلى زاوية من زوايا هذا العالم المظلم لتتفتّق رؤية الإنسان مع الظّلام، أيّ اللذة الظّلامية الفاردة لظلالها بشكلٍ غير مقصودٍ في الطّبيعة الإنسانية.

يعطي باشلار أهمية للمكان، للمكان المتسع، للمنزل القديم حيثُ رائحة الطفولة، والصمت النقي، للكوخ. ما مدى تأثير المكان على خيال هاشم والصورة الشعرية في قصائده؟

أقتبس ما قاله غاستون باشلار في كتابه "جماليات المكان": "البيت ركننا في العالم، إنه وكما قيل مرارًا، كوننا الأول، كون حقيقي بكل ما للكلمة من معنى". البيت هو عالمي المنفصل تمامًا عن شكل وهيئة وصورة العالم الآخر والخارجي، والذي هو سواي، أمارس فيه نقائضي ونقائصي وتعقيداتي وأيضًا صيرورتي، بعيدًا عن الأنظار الصاخبة التي ما إن تتابعت، تبقر بطن المشهدية الأولى لهذه الصيرورة. لهذا، وبمساعدة البيت تصبح الصيرورة محتكمة الحضور والسببية والمعنى القائم بذاته منفصلًا بشكلٍ شبه تام عن نمطية معناه الموجودة عند الآخرين ـ معنى المعنى. بالذهاب إلى رائحة الطفولة والمنزل القديم، فأنا أرتبط بهما دائمًا ارتباطاً ربما مَرَضي، ودائمًا ما يحاورني النص باكيًا حول ما أكرّسه من طاقة ترتبط شرطًا، وطواعية في الماضي رغم قسوته، وضلالته وشدّته وصَلبه لي على خشبته المُفعّمة بالمسامير التي لا تتوقف عن قذع وجرح وإيلام ظهر المصلوب، وتمحيصي الجاف من قِبَله، والذي بلا غاية في تلك الفترة.

تنداح من تحت تخوم النص كل هذه المعارك التي حدثت في البداية المُستوحاة من موت الفينيق بشكل تلقائي، وكل هذه المُعتنَقات التي تتنفس ما كان في الطفولة، وترتبه بشكل ربما خرافي أكثر مما يحتكم ليكون شكلًا شعريًا خالصًا.

لنمُرّ بالصمت النقي، ذلك الذي تُرجم باطنيًا في أعاجيب صغيرة، في ساح بيتنا ولعبة الموت التي كنت أعبث بها عن قصد وغير قصد، لعبة الموت، هي اللعبة البلاستيكية التي صنعَتْ منها فلسفة التحول فيما بعد سؤالًا كبيرًا وعميقًا ومهووسًا برغبة اللاإجابة، ويُبنى على هذه الرغبة الجَلَد الوجودي الذي يُحمَل على ظهر القصيدة، والذي يُشبه بحد ذاته فلسفة باشلار الظاهرة صورة وسيرة وسياق.

ليسَ علينا وصف الأشجار كما هي، ولا الحقول، ولا المرأة تلك مهمّة المختصين... إنما السؤال هنا، كيف تستعيد في قصائدك الدهشة الساذجة ربما، دهشة الأطفال لرسم الصورة بطابعك الخيالي؟

لقد قرأت يومًا عبارة تقول إن "الدهشة خير دليل على الجهل". أنا مع هذا التصور، وأؤيده اقترانًا بالوصول إلى أبعد منطقة من مناطق الوعي، لكن لا يستطيع الوعي أن يتجاوز الفنّ، الفنّ يسيح عاريًا فوق أعلى صرح للوعي دون خشية من السقوط المحتوم في الهاوية، وهنا يكمن جنون الفنّ، وقدرته على تجاوز كل شيء. إننا هنا نُدهَش بالجنون الذي تصنعه الصورة لا بشيء آخر غير الجنون.

لا أرى الأشياء كما هي، وهذا ما يؤكده خيالي حينما أغيب فيه. إنني أرى كل شيء خالعًا ملابسه، وغير مُستحٍ ولا خجلًا من أيِّ ردة فعلٍ وجودية صاخبة أو ناقمة لأجل كل هذا الوعي الذي لا يتوقف عن حرق كل ما له صِلة بمهزلة الحياة، مع الإيمان بأن الأذى الوجودي الذي يخلُف كل هذا العُريّ قادم، وباندفاعٍ يُشبه جنون الدهشة الذي أوردته مُسبقًا هنا. حاولتُ مرارًا نزع نفسي من دهاليز الإدراك التي تسدُّ أبوابها على المُدرِك دون انتباه، وهنا دلالة نفسية تُشير إلى عمق وأبدية الصراع القائمة بيني وبين الإدراك، وهذا ما يحدث غالبًا باستبطان وخفاء ودون تعقّل أو هزيمة أحدنا. دائماً ما كنت أحاول تدارك الإدراك لأجل دهشة الأطفال هذه لكن بلا جدوى، مجرد صراع قائم ومستمر باستفاضة حتى بات الإدراك لعنة تلاحق عقلي. لكن ورغم ذلك كله، فهنالك ما لا يجعلني أنكر بأن عقلي يتحول أمامه إلى طفل ينحت من خلاله ابتسامته، ويرتطم بجماله يُذهَل ويضحك ويُدهَش، ويفرد جناحيه في كون الخيال. بهذا، بل وبكل هذا، أستعيد وأرسم وأكتب وأردّد الدهشة.

يعرّف كيركغارد القلق بأنه "الدوار الناتج عن الحرية". ماذا عن القلق في نصوصك؟

على هامش ما سأقول، كير كغارد ذلك العجوز الدنماركي ورجل اللماذائيات، غير اللطيف أبدًا، أحبه لأنه استبطانيّ مجنون والتباسيّ شرس، يُشبه نفسه التي لا تشبه إلّا نفسه والقلق الصاخب والمنتحر، وأعتقد بأنّ ريجين أولسن مُحقّة في تركه. فهو لا يُطاق. لقد سمعته بعيني في إحدى المقالات التي كُتِبَت عنه يقول عبارته الشهيرة "القلق هو دوار الحرية".

إنه توصيف حقيقيّ بقدر جُثث الفنية التي تتقاذف بداخله، وتشي لنا بالأولوية المسروقة من فم التفسير ـ التفسير الذي يكون ردّ فعل لفعل البحث عن الحرية ـ إذاً، القلق هو ما يحدث لنا، ونحن نمارس طقوس التجلي بشكلٍ مرتبك نوعاً ما، بعدما نكون قد شهقنا شهقة أو اثنتين من شهقات الحرية، التي تتزاونّا بشكل انتهازي نوعًا ما، واستفزازي من منحى آخر لمساحة الإيمان الكبير بعقولنا من قِبَلِنا عقب كل هذا المجهود التنقيبي عن إبرة الحرية في كومة قشّ الوجود، يخبرنا هذا الشكل غير آسف بلا مطلق الحرية، وإن حدث وانتفضت الحرية على مؤقتيّتها أو محدوديتها فإننا بذلك نصل للدوار، الدوار الذي عانى منه شيخنا الجميل كيركغارد في سياق ما.

الدوار الذي نتحدث عنه هو هذا الدوار.

بالإسترسال في جوف القلق العميق والكبير، والذي لا يتسع لعدد أسبابه وماهياته ودواعيه وصوره وأسراره وأسئلته وأمراضه... فإن القلق يحدث حين تلمس الأينيّة والماذائيّة واللماذائيّة، وبقية الأخوات بأصابعهن الخشنة طَرَف العقل، العقل الحائر والضائع والتائه استداركًا للحيرة والضياع في ملحمة سؤالية لا يتوقف انصهارها وتماهيها مع أرواحنا المُعذبة. هنا القلق. هنا يصرخ وهنا يخطو خُطاه فوق أرض مستوية جرداء، مُعبَّدة بالأسئلة الوجودية الكبيرة، التي تؤرِّق غضاضة إحساسي الإنساني الشاب والشيخ الشائب والمشبوب.

القلق هو إله قصيدتي التي تعبده وتؤمن به إيمانًا حقًّا وصوفيًا. وبالاعتذار من "والتر ستس"، هكذا يحدث الزهد والتفلسف الذي يخترق حماقة القالب والصيغة والعادة كما ترتأي ذلك قصيدتي التي لا تتوقف عن الأنين. القلق متحدًا مع القصيدة اتحادًا لا يقبل الانفصال، الاتحاد بشكله الفلسفي كما ذكرته الموسوعة الفلسفية الكبرى. القلق هو القصيدة، والقصيدة هي القلق.

يقول هوراتيوس فلاكس، الشاعر الغنائي المولود في فينوسيا "إن الفن طويل، والحياة قصيرة". لماذا اخترت الشعر؟ وهل تؤمن بأنَّ على الشاعر تكملة مسيرة الشعراء السابقين له؟

لقد خالفت هوراتيوس فلاكس وخصوصًا في المرة الأولى، والوحيدة التي قرأت فيها عنه في كتاب صغير، يقبع في مؤخرة الكُتُب في مكتبة بلديتي القديمة، التي يغزوها الغبار حين كنت مراهقًا في الثانوية، لا أستطيع تذكر اسم الكتاب، وحين تحدث إليَّ عنه أحد الذين تتلمذت على أيديهم في مرحلة بداية دخولي معترك القراءة الشائك والفتّاك، الذي لا يخلق لك إلّا الأسئلة. يُشبهُ فلاكس الشاعر السوري الذي أختلف معه أيضًا نزار قباني إلى حدّ ما. كلاهما يعترف ضمنًا بالزهو الغنائي المحدود للشِّعر، وهذا ما تبغضه أنفاس السؤال الفلسفي الطويلة في القصيدة.

بالعودة إلى عبارته الموجودة في سؤالك، أثارني جدًا ما قاله، ويبدو أنه كان في حالة سُكر. نعم، الحياة قصيرة والفن طويل، الفن الذي اختارني، وليس أنا من اخترته. اختارني حين استباح بطولهِ حياة الروسي القروي، الشاب اللطيف سيرغي يسنين، والأردني الذي أُحِب وما كتب، وضوء مظلمته الذي أضاءه في قصائده مبتورة الأجنحة "تيسير السبول"، حين ذبح الفن الطويل صدر حياته، وانتزعه انتزاعًا من نفسه القصيرة قِصَر الحياة ومن الحياة حارمًا إيانا من رصيفٍ لا تخطو عليه سوى إلاهات شعرية قصائدية تعبُد تيسير كما حصل مع سيرغي بالضبط، وليس العكس، وهنا بالذات أخذ الفن مني رغبتي باللافن، واللاشعر.

لم أكُن أرغب بكتابة الشعر يومًا، لأن الشِّعر مهمته خلع فكرة الحياة من أذهاننا فقط، وأيضًا، لأنني كنت ابناً بارًّا للحياة، لكنه دون أسف أو وجل، قام بسحبي في وسط جوقة النعومة الشبابية التي كنت ساهبًا فيها وغافيًا على وسائدها كغفوِ طفلٍ تحت ظلِّ شجرة، إلى غابته الكبيرة التي لا يسكنها إلا الوحوش الضالة. لهذا اخترته كما اختارني. على الشاعر أن يسقط سقوطًا حُرًّا من خلال عدم تكملة مسيرة الشعراء السابقين له. عليه بالاندفاع صوب رواية شعرية كاملة وخاصة به، ويتمحور هذا الاندفاع في خلق تجربة خالصة مخلصة لوحدويتها وتفرّدها بذاتها. عليه أن لا يُكمل أي شيء إلا مسيرته، وإن كان في ذلك نوع من الغموض ناصع البياض، والمُبالغ بعدم المبالغة به، والصعوبة الواعية أو غير الواعية في ذلك.

ماذا عن الشعراء الشبان والشّابات منهم؟ برأيك، أما زالوا في مرحلة "تكوين الشعر"؟

أبغض فكرة الشاعر الشاب، والشاعر الكبير والقدير والعظيم وكيس الخُضار هذا كبُغضي لكلمة شاعر! القصيدة هي الشابة وهي الشيخة، وهي من تحدد الملامح الروحية لكاتبها، وليس كاتبها. بهذا أكتفي، وباعتقادي متفقين أنا وأنتِ في أيِّ مرحلة هؤلاء بالتزامن مع كتاباتهم المقولبة في قالب مُعيّن لا أقدام له حين نأتي بقصائدهم فارغة المضمون واللون والروح والرائحة ونغربلها ونسخر منهم كأننا نعتذر للشعر عنهم. لا أهاجمهم هنا، ولكني أعتبر الشعر هو وليد أقصى منطقة معرفية يصل لديها كاتبه، وأقصد بكاتب الشعر ليس من يبيع الحلوى المكشوفة في شوارع السوشال ميديا. هذا ما أريد قوله هنا، وأستغفر الشعر لي ولكِ فقط وليس لهم.

هذه إحدى قصائد مجموعته بعنوان "الفقيد".

"خلف صداي

أمام وجه النّهار

كنتُ أفُضُّ بِكارةَ الوجودِ


أنتزعُ من الصورةِ صورتها

لكي لا أكون

أو أنسى تاريخ الرّصيفِ

أفقدُ حقيبةَ جوعي

أو أجدُ كأسًا من عرق التلاقي


ضياعي صباحُ ما سيحدث

والمساء انتحاري


احتراقُ النّاسِ بالرّوح

هذا حلمي السجين

وهذا أنا العليل

تُسقِطُني عِلّتي فِيَّ

وتساوقي مع حُلمي الحريق


حرّفُ العِلّةِ انتحر

من فرّطِ نَهيِّ المقاعد الفارغة لي

عن الإتِّكاءِ عليها

ك انتحارِ سيفي في الغِمدِ

من تكرارِ مناداتهِ لي

وإصابة أُذُني بداءِ الحائِط


خيلٌ مُنسِرحٌ فراغي

والأسواط رذاذ الذاكرة

الصهيلُ اكتراثي لخواءِ المَعِدة


كَسَرَ الأبدُ المنحوسُ

كؤوسَ الماءِ المُتراصّةِ

فوق مِنضَدَّةِ القصيدةِ السوداءِ

وظلَّ ريقُ اللهِ في جوفي عَطِشًا

دون سِقايةٍ من صَلواتِ بؤسي

للرِّيحِ وللموتِ

ولأبٍ ك الكَنغَرِ

أتوعَّكُ من ضَجِيجِ فمي الجاف

كسياحةِ بغلٍ

في المُتَمَرَّغِ الضيّقِ


أجوعُ بلا أَبَهٍ من أحدٍ

أتقرفَصُ من بَرْدِ ثقوبِ الكوخ المتأكّل

أصرخُ في كهفِ العالم

حولي جثَثٌ

لا أحدَ يجيب

آكلُ لحمَ الموتى

ثُم أسقُط ليأكلني آخر".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم