الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

بوتين في إيطاليا... دفعٌ للحكومة إلى إقران القول بالفعل؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

"جنون"

"نأمل أن تتحدّث إيطاليا باستمرار وبوضوح عن موقفها (في تحسين العلاقات بين موسكو وبروكسل) وتقاتل من أجل ما قيل مرات عدة علناً، في ما يتعلّق بالعودة الكاملة إلى العلاقات الطبيعية بين روسيا وأوروبا ككل". هذا ما طالب به بوتين أمس الحكومة الإيطالية خلال المؤتمر الصحافيّ مع كونتي.

وعد الائتلاف "الشعبويّ" الحاكم في إيطاليا بتحسين العلاقات مع روسيا خلال الحملة الانتخابيّة لكلّ من "حركة النجوم الخمس" بقيادة لويجي دي مايو الذي أصبح وزيراً للتنمية الاقتصاديّة وحزب "رابطة الشمال" بزعامة ماتيو سالفيني الذي يتولى منصب وزير الداخلية. وسبق للأخير أن وصف العقوبات على موسكو ب "الجنون" لكونها "موجّهة إلى سوق مجاورة وودية".

"فوز واضح" للكرملين؟

في آذار 2018، نقل مايكل بيمباوم من صحيفة "واشنطن بوست" عن مديرة "المعهد الإيطالي للشؤون الدولية" ناتاي توكشي قولها إنّ هنالك "اعتقاداً جوهريّاً (في إيطاليا) بأنّ معاملة روسيا قد أسيئت بعد الحرب الباردة. إنّهم يعتقدون أنّه إذا حصلت الولايات المتّحدة على فضاء نفوذ، فلِم يجب على روسيا ألّا تحصل عليه؟". في ذلك الوقت، عنون بيمباوم تقريره بعبارة: "ما زلنا لا نعلم من سيقود إيطاليا. لكنّ فائزاً واحداً واضحاً هو الكرملين".



بغضّ النظر عن فوز حزبين مؤيّدين علناً لبوتين في الانتخابات الإيطاليّة، يبدو تجيير الانتصار للكرملين أسهل نظريّاً ممّا هو عمليّاً. بعد أكثر من سنة على تشكيل الحكومة الإيطاليّة، لم تبرز مكاسب روسيا بشكل جليّ من فوز "الشعبويّين"، وهذا ما يفسّر ربّما مضمون الزيارة وكلام الرئيس الروسيّ في المؤتمر الصحافيّ. فالسياسة الإيطاليّة استمرّت على حالها بالنسبة إلى العقوبات على موسكو، كما أنّ إيطاليا عرفت فترة طويلة من العلاقات الإيجابيّة مع الكرملين في الحكومات السابقة أيضاً. من جهته، أشار بوتين إلى أنّ حجم المبادلات التجاريّة وصل إلى 27 مليار دولار سنة 2018 لكنّه لا يزال أدنى بكثير من الفترة التي سبقت العقوبات حين وصل إلى 54 مليار دولار سنة 2013. واللافت أنّ بعض حديث بوتين قوبل بتشكيك "لطيف" من رئيس الوزراء الإيطاليّ المقرّب من "حركة النجوم الخمس".

بوتين متفهّم؟

ذكر الرئيس الروسيّ أنّ أوكرانيا تتحمّل عبء تصحيح العلاقات مع بلاده وبالتالي تسهيل رفع بروكسل عقوباتها عن موسكو. فما كان من كونتي إلّا أن أجاب: "حين يقول الرئيس بوتين، صديقي فلاديمير، إنّ الأمر لا يعتمد على روسيا، (يبدو) متواضعاً جداً. الحقيقة هي أنّ روسيا يمكنها تأدية دور بارز في تخطّي هذا الخلاف. نحتاج إلى خلق ظروف الثقة المتبادلة". قد لا يعبّر كلام كونتي عن تغيير في الموقف الإيطاليّ من روسيا. لكن بالمقابل، يدلّ كلامه إلى ما كتبه بيمباوم من أنّ رئيس الوزراء لن يكون راغباً باستهلاك رأسماله السياسيّ للدفاع عن بوتين.

خلال قمّة للاتّحاد الأوروبي الشهر الماضي، قرّر المجتمعون تمديد العقوبات الاقتصاديّة على القطاعات الإنتاجيّة في روسيا حتى أواخر السنة الحاليّة. ولم تستخدم إيطاليا حقّ النقض. يظهر أنّ تغيير روما للسياسة الأوروبية تجاه روسيا ليس سهلاً ويبدو بوتين نفسه متفهّماً للموضوع، إذ قال في حديث إلى صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطاليّة عشيّة الزيارة إنّ سالفيني وحزبه "يدفعان باتّجاه الإلغاء السريع للعقوبات المناهضة لروسيا" مشيداً ب "موقفهما الترحيبيّ" تجاه بلاده. واعترف بوتين بضيق هامش التحرّك المتوفّر أمام روما لكنّه أمل في أن تتمكّن إيطاليا من تقديم شرح للاتّحاد عن مدى الضرر الذي ألحقته العقوبات. لكن هل يعبّر كلام بوتين عن تفهم حقيقيّ أم لباقة ديبلوماسيّة أمام وسائل الإعلام؟


منعطف
في نيسان الماضي، كتبت رئيسة برنامج أوروبا الشرقيّة وأوراسيا في "المعهد الإيطاليّ للشؤون الدوليّة" نونا ميخيليدزي أنّ القليل قد تغيّر على صعيد السياسات الإيطاليّة الملموسة تجاه موسكو. فإضافة إلى أنّ إيطاليا وافقت مرّتين السنة الماضية على تجديد العقوبات، لم تكن إيطاليا بعيدة أصلاً عن روسيا في السنوات الماضية، إذ كانت حكومة يسار الوسط بقيادة ماتيو رينزي قد وقّعت على اتّفاقات مع موسكو بقيمة تخطّت مليار يورو سنة 2016. ودعم كونتي فكرة ترامب بدعم عودة روسيا إلى مجموعة الدول السبع، لكنّها لم تقم بأيّ متابعة لدعمها هذا. وأكّدت ميخيلدزي أّنّ التوافق الفكريّ لم يُترجم في نهاية المطاف بقرارات سياسيّة مؤيّدة لروسيا، لكنّها توقّعت أن يتغيّر الأمر في حال فوز الشعبويّين في الانتخابات الأوروبية.

فيما حصدت "الرابطة" و "الحركة" 32% و 17% من أصوات الناخبين على التوالي في الانتخابات الأوروبية، يُحتمل أن تصبّ زيارة بوتين في إطار جسّ نبض ما يحضّر له الحزبان وخصوصاً "الرابطة" على مستوى العلاقات الثنائيّة في المرحلة المقبلة. وبالتالي ليس مستبعداً أن يكون بوتين قد حضّهما خلال العشاء الذي أقيم على شرفه ليل الخميس على استثمار هذا الفوز لصالح المزيد من التقارب الاقتصاديّ والسياسيّ مع روسيا. فهل نرى قريباً خطوات إيطاليّة ملموسة في هذا الإطار؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم