الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

بقايا قصر كاتسفيلس... قصة عائلة مهمة ومغمورة (صور)

المصدر: "النهار"
طرابلس _ رولا حميد
A+ A-

تثير البقايا الوفيرة لقصر "كاتسفليس" أو كما يعرف بـ"كستفليس" في #طرابلس، أحد أهم قصور المدينة، وواحد من أكبرها، إشكالية تأريخية وتفسيرية نظراً لقلة المعلومات الموثّقة عنه، رغم حداثته، بالمقارنة مع الكتلة الأثرية الضخمة الموجودة في طرابلس، والتي يقع القصر عند طرفها.

يمزج طابع القصر البنياني بين مختلف فنون البناء، من عثمانية، وإيطالية، وعربية. وتشير تقنيات عمارته إلى أنه حديث العهد نسبياً. ويُفترض ألّا يتعدى المائتي عام، وليس ثمّة ما يوثّق نشوءه، فيبقى في إطار المجهول.

يقع القصر عند طرف المدينة القديمة، في زقاق متفرّع من الطريق الذي بات معروفاً اليوم بالسوق العريض، ويحمل الزقاق اسم القصر. وكان حتى منتصف القرن الماضي، أحد أزقّة المدينة القديمة، الموصل إلى سوق الكندرجية، ويليه سوق البازركان، وبقية أحياء المدينة القديمة.

ونظراً لوقوعه عند طرف المدينة القديمة، يُفترض أن يكون حديث العهد. تُنسَب تسمية القصر، والحي الذي يقع فيه، إلى عائلة يونانية هي "كستفليس" التي لا يعرف كثيرون تفاصيل وجودها في طرابلس، وسبب تسمية الحي باسمها.

ويشير الأديب والمؤرخ الطرابلسي عبد الله نوفل في كتابه "تراجم علماء وأدباء طرابلس"، إلى أنّ "أول من جاء من العائلة إلى طرابلس شخص اسمه جيوفاني، وذلك في النصف الثاني من القرن الثامن عشر".

ويتحدث نوفل عن سلالة كستفليس، وما احتلته من مراتب ديبلوماسية كسفراء وقناصل لدى الدول الغربية، منها اليونان والولايات المتحدة وانكلترا وروسيا، وعن عملهم ككتبة، ومترجمين، وأدباء، بالإضافة إلى عمل بعضهم في التجارة.

وفي معرض حديثه عن العائلة ومكانتها في المدينة، يشير الكاتب إلى أن "والي طرابلس بربر آغا علم ذات يوم بوفود أحدهم، مع رعيته إلى المدينة، وتعبيراً عن الترحيب الكبير بهم، نظراً للمكانة التي احتلّوها، أمر بإطلاق قذائف مدفعية ابتهاجا بقدومهم، وتكريماً لهم".

المتعارف عليه بين العامة، وبنظر المؤرخ الطرابلسي الدكتور خالد تدمري، فإن باني القصر هو قنصل اليونان في طرابلس، لكن اسمه غير معروف، ولا توجد لوحة أو أثر يشير إلى تاريخ تأسيسه.

ويقول أحد صنّاع الأحذية في حي كستفليس، وهو من آل الكردي، أن المحل الذي يعمل فيه، هو من مستتبعات القصر، مثله مثل العديد من المحالّ والمخازن التجارية المحيطة به، والتي تقع في الطبقة السفلية للقصر، وامتداداً لبنيانه في الشارع العام. والمخازن تحولت إلى ما هي عليه من مراكز حرف وتجارة، لكنها كانت مرابض للخيول، بحسب الكردي، نقلاً عن سالفيه من أبناء الحي.

والقصر يقع بين قصور جميلة أخرى لكنها أصغر حجماً. وبينما لا تزال تحافظ بقية القصور على حالتها البنيانية، إلّا أن قصر كستفليس قد أصيب بدمار وخراب كبيرين، تصعب جدّاً إعادته إلى ما كان عليه، خصوصاً لجهة الأشكال التزيينية التي كانت سقوفه وجدرانه تزدان بها، والتي انتفى معلموها، بالإضافة إلى ما يروى عن تجهيزه بساعة شمسية وأخرى مائية نادرتي الوجود.

حالته الآن أقل ما يقال فيها إنها مأسوية، تآكلته الانهيارات والطحالب، وأزيل طلاؤه بمرور الزمن. تهدمت بعض جدرانه الخارجية، وأزيل الكثير من معالمه. وما بقي منها يؤشر إلى ما كان عليه من ثراء، وبذخ. صالونه يحكي مجداً غابراً. حيث لا تزال تحفّ بجانبيه مداخل ثلاثية مُقنطرة، ومزدانة بالخشب المحفور، مثلها مثل كافة سقوفه، مع طلاء جميل يغلب عليه الأخضر الفستقي، وبعض الزهري في غرف يُفترض أنها كانت للمنامة.

غُطّيت جدران إحدى قاعاته بمربعاتٍ، ضلع الواحد منها ثلاثون سنتمترا تقريباً، وكل مربع منها لوحة خاصة مرسومة بيد فنانين محترفين، كما الزينة المكوّنة من الجِصّ في السقوف.

تُظهر بقايا أسقفِه المتداعية، أن غالبية أسطحه من القرميد الذي استُورد من مرسيليا في فرنسا. وكانت المصدر الوحيد للقرميد في ذلك العصر. تطلّ صفوف من غرفه على الطريق العامّ. وتبدو شبابيكه مزخرفة من الخارج أيضاً. لكنّ حالَ داخِله تدعو إلى مرثاة مجدٍ كبير غابر. أرضياته متداعية، يُخشى معها، على ما يحذِّر بعض ساكنيه حالياً، من احتمال السقوط. جدرانه، والطين الذي بني منها، متهالكة، والعديد من الأعمدة المتبقية متشقّقة ومهدّدة بالسقوط.

يشير تدمري إلى أن "قبة تعلو إحدى باحات القصر، وتقوم تحتها بركة، لم تعد ظاهرة حالياً، أو أنها طُمرت بسبب الردم. وقيل لنا إن هذه البركة عملت كساعة مائية تحدد التوقيت، ويلتفّ حولها أربعة إيوانات من العقود البلقاء، وتنفتح إلى يمينها ويسارها غرف النوم المتعددة".

ويروي بعض العارفين بأحوال القصر من مستخدمي مخازنه "أن ساكني القصر كانوا يستأجرون حمّاماً كان قائماً قرب القصر، لنهار كامل من أجل استحمام العائلة الذي كان يستغرق نهاراً كاملاً مع الراحة التي أمنتها الحمامات القديمة للروّاد".

مكونات القصر، وبقاياه، وما يروى عنه، تشير إلى طموح جامح لأصحابه، وكأنهم أرادوا تحقيق كل ما ورد في مخيّلتهم في القصر. وبين جموح الطموح، والإهمال الكبير الذي طاول القصر وتسبب بإلحاق الأذية الأكبر فيه، تقوم إشكالية كبيرة وتساؤلات عن أصحابه، ماهيتهم، قدراتهم المالية، الدور الذي لعبوه في المدينة، والأكثر من ذلك، سبب غموض تاريخه وتاريخ بنّائيه.

كاتب العدل الطرابلسي الراحل فاروق عدرة تمكّن من شراء القصر، وورثه أبناؤه عنه، وهو لا يزال في ملكيتهم. وتشير تحقيقات صحفية سابقة أن آل عدرة كانوا ينوون ترميمه، وإعادته إلى سابق عهده، لكن الظروف، وتطورات الأحداث سبقتهم، فتعرض إلى النهب والسرقة، وطاولته قذائف القصف على المدينة في إحدى مراحل الحروب فيها، على ما يتذكّر تدمري.

ويتحدث تدمري عن آل كستفليس وهي "عائلة انقرضت من طرابلس، ولا يزال الزقاق يحمل اسمها، وكان أحد أبنائها قنصلاً فخرياً لليونان في طرابلس".

يضيف تدمري أن القصر "مميز بشبابيكه المنفتحة على الخارج، والإنارة والتهوئة يأخذها من الباحات والأفنية الواقعة داخل المنزل على الطريقة العربية والعثمانية. له قبة تعلو الباحة الوسطى للقصر، وهو قصر كبير معلّق فوق الطريق، وفيه باحتان مكشوفتان، وأخرى مغطاة بقبة فيها فتحات كفتحات الحمام. وتقع أسفل القبة مباشرة بركة ماء. الرخام أتى به أصحاب القصر من إيطاليا، والخشب من شجر البلوط (السنديان) الذي كان يزين البوابات الخارجية، وهو واحد من أكبر القصور الموجودة في طرابلس".

ولاحظ أن "قصر كستفليس متأثر بالعمارة العربية الإسلامية التي سادت منتصف القرن التاسع عشر. وهو من الأبنية التي تمتاز بالباحات المكشوفة والفناء الداخلي، ومنفتح على الخارج، منغلق على الداخل أي لا نرى شيئاً جديداً". ويقدّر تدمري أن "يفوق عمره المائتين وخمسين عاماً".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم