الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ما الفائدة من دفع الفائدة على دين لم يكن له فائدة؟

غسان صليبي
ما الفائدة من دفع الفائدة على دين لم يكن له فائدة؟
ما الفائدة من دفع الفائدة على دين لم يكن له فائدة؟
A+ A-

تكاد لجنة المال والموازنة البرلمانية تنهي تعديلاتها على الموازنة التي اعدتها الحكومة، وذلك لاحالتها على مجلس النواب لمناقشتها والتصويت عليها. أورد في قسم اول، ملاحظاتي العامة حول التحركات التي اعترضت على بعض إتجاهات الحكومة لخفض العجز في الموازنة، وأتناول في قسم ثان الموقف الغائب من خدمة الدين العام، التي تستحوذ على أكبر نسبة من إنفاق الموازنة.

ملاحظات عامة حول التحركات التي واجهت الحكومة في مسألة الموازنة

قبيل بحث الحكومة لموازنة 2019، وخلاله، علت اصوات منتقدة لمقاربة الحكومة في مجال معالجة العجز. ترافقت الانتقادات مع طرح سياسات مالية اقتصادية بديلة، اهمها في مجال الضرائب، من الاتحاد العمالي العام وبعض الاحزاب وهيئات المجتمع المدني. مع الوقت تراجعت هذه الأطروحات لصالح المطالب الفئوية التي رفعتها مختلف القطاعات التي توجست من نية الحكومة معالجة العجز من خلال إقتطاع أجزاء من الحقوق المكتسبة لاجرائها في الاجور وملحقاتها وفي التقديمات الاجتماعية. ونفذت نقابات وروابط هذه القطاعات اضرابات للدفاع عن حقوقها، في المصالح المستقلة والمصرف المركزي وفي القطاع العام والتعليمي، إضافة إلى تحركات متقاعدي الجيش.

يمكن إبداء بعض الملاحظات على التحركات التي نظمت احتجاجا على مقاربة الحكومة لخفض العجز في الموازنة، إذ ركزت على الدفاع عن الحقوق المكتسبة في كل قطاع على حدة، مع غياب المقاربة الشاملة لمسألة العجز.

رغم تمظهر المشكة بشكل واضح بين خيار الاقتطاع من الاجور وخيار تحميل الرأسمال، المالي المصرفي خصوصا، جزءا من كلفة خفض العجز عبر فرض الضرائب، اقتصرت مواجهة النقابات والعسكريين على الدفاع عن مصالحهم، ولم تشمل مسألة توزيع تكلفة العجز بشكل عادل على الطبقات.

فهذا يفترض تنسيقا كان غائبا بين المواجهات المختلفة، رغم محاولة الاتحاد العمالي العام الدعوة إلى مؤتمر عام لتنسيق المواقف والخروج بورقة موحدة تطرح رؤية بديلة للموازنة. لكن سجن رئيس الاتحاد العمالي بشارة الاسمر عقابا على كلام له أعتبر مسيئا في حق البطريرك صفير، عطل المبادرة كليا.

يفترض التنسيق أيضا مفهوما لـ"المصلحة العامة" اتضح غيابه بشكل شبه كامل عن جميع التحركات. فقوى المواجهة عاجزة عن فرض توازن طبقي لصالح الاجراء، وفي الوقت نفسه امام غياب مفهوم للمصلحة العامة تتبناه الدولة والاطراف الضاغطون، ويساعد في الوصول الى تسوية طبقية.

البارز أيضا خلو النقاش من فكرة العدالة بين الاجور، حيث ان الفرق بين الحدين الادنى والاقصى في الكثير من البلدان لا يتجاوز التسعة أضعاف، في حين يصل احيانا الى اكثر من أربعين ضعفا في القطاعات التي أضربت.

وكان لافتا تصدر اصحاب الاجور العالية للتحركات، قابله صمت تام من أصحاب الاجور المتدنية وخصوصاً في القطاع الخاص، وهم المعنيون قبل غيرهم بعدالة السياسات الضرائبية وبالانفاق على الخدمات العامة من صحة وتعليم وكهرباء ومياه. ناهيك بغياب "المستهلكين" عن اي تحرك ضاغط.

اللافت أكثر طريقة تصدي الحكومة لهذه المواجهات. فقد لجأ رئيس الحكومة الى إصدار تعميم يذكّر أجراء القطاع العام والمصالح المستقلة بأن لجوءهم الى الاضراب مخالف للقانون وبأنه أعطى اوامره للمعنيين لمعاقبة المخالفين.

صحيح ان اللجوء الى الاضراب في هذه القطاعات ممنوع قانونا. حتى ان الاتفاقيات الدولية الخاصة بهذه القطاعات حذرة جدا في موضوع الاعتراف بحق الاضراب، لان ممارسته تؤثر في تقديم الخدمة العامة وفي الحفاظ على المصلحة العامة.

لكن الصحيح أيضا ان هذه القطاعات لم تتوقف عن اللجوء الى الاضراب منذ نشأة نقاباتها وروابطها، ولم تتعرض لأي ممانعة فعلية من الدولة. وهذا ما حصل ايضا مع التعميم الأخير المذكور لرئيس الحكومة، حيث بقي حبرا على ورق ولم يسع احد إلى تطبيقه.

هنا نلمس بعض اسباب قوة النقابات والروابط التي واجهت سعي الحكومة لتقليص مداخيلها. فمن جهة، تنتمي بعض قيادة هذه النقابات الى احزاب السلطة، وتدافع عن أجراء هم في جزء كبير منهم من أتباع هذه الاحزاب، وقد جاء توظيفهم في إطار تطبيق السياسات الزبائنية لهذه الاحزاب على مستوى الادارة العامة. ومن جهة ثانية، هناك ضعف الدولة وعجزها عن تطبيق القانون. وقد ظهر ذلك جليا في عدم تطبيق القانون وفتح الطرق، حين أغلقها مرارا العسكريون المتقاعدون.

هذا لا ينفي الجهد التنظيمي الذي بذلته هذه النقابات والروابط في مواجهة إتجاهات الحكومة.

فقد انتفض جميع الاجراء المعنيين دفاعا عن حقوقهم المكتسبة، الذي كان من شأن الاقتطاع منها، التأثير في نمط معيشتهم ومستواه. لذلك نجحت الاضرابات التي نظمت للضغط على الحكومة في الحد من نزعة الحكومة إلى تحميل أجور القطاع العام المسؤولية الاولى في عجز الموازنة.

وقد كان تحرك رابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، الاكثر تعبيرا عن جدية المواجهة وفعاليتها. فقد تمكنت الرابطة من الاستمرار في إضرابها رغم الضغوط الكبيرة التي مارستها احزاب السلطة من خلال اتباعها في الهيئة التنفيذية وفي مجلس المندوبين. وأعطت الرابطة درسا حول كيفية استعادة استقلالية العمل النقابي، من خلال التمسك بالمطالب من جهة، واعتماد الآليات الديموقراطية لاتخاذ القرارات من جهة ثانية.

ماذا عن مواجهة عبء الفائدة على الدين العام؟

يتوزع إنفاق الموازنة على الشكل الآتي:

خدمة الدين العام (الفوائد على الدين) %37

رواتب واجور وتقاعد وتقديمات %30

دعم و تحويلات اخرى ونفقات مختلفة %18

دعم اسعار الكهرباء %9

استثمارات في مشاريع حيوية %6

انحصر تركيز القوى التي واجهت إتجاهات الجكومة في شأن خفض عجز الموازنة، بفئة الانفاق الخاصة بالرواتب والاجور. في حين ان فئات الانفاق الاخرى بقيت خارج الاهتمام وخصوصاً الفئة الكبرى حجما التي تتعلق بخدمة الدين العام.

ربما تمكنت الروابط والنقابات من الحد من تكلفة خفض العجز على بعض اصحاب الاجور، لكن عندما يذهب 37% من الانفاق في الموازنة لتسديد فوائد الدين العام اي انه يتسبب بأكبر نسبة من العجز، وعندما تعادل هذه الفوائد كل الرسوم والضرائب المسددة من المقيمين اللبنانيين، يصبح من المستغرب الا يطرح المواطنون السؤال الآتي: ما الفائدة من الاستمرار في دفع المواطنين الفائدة على الدين العام، طالما لم يكن هناك فائدة من الدين العام في الخدمات العامة وفي البنية التحتية، الا المزيد من الفائدة على الدين العام لصالح الدائنين، ومن بينهم الكثير من السياسيين؟

السؤال الاقسى والاصعب للمواطنين، هو كيف يوقفون قرار الاعدام هذا في حق حاضرهم ومستقبل اولادهم واحفادهم، وخصوصاً ان عملية الانقاذ المتوقعة من مشاريع "سيدر" هي كناية عن ديون إضافية ستسلم لمن سرق وأهدر الديون القديمة؟

لا أرى جوابا عن هذا السؤال المصيري بالنسبة للمواطنين سوى التوقف عن دفع الرسوم والضرائب، إلى حين تأمين الخدمات العامة والبنى التحتية. فنحن ندفع الرسوم والضرائب لتأمين الخدمات العامة وتوفير البنى التحتية، فلماذا نستمر في دفعها طالما لا يتحقق الهدف من دفعها؟

يجب ان نخرج من هذه الحلقة الجهنمية التي أسرنا فيها المسؤولون، ولا امل في ذلك الا من خلال تعليق تنفيذ العقد بيننا وبين هؤلاء المسؤولين. هم تقاعسوا عن تنفيذ شروط العقد، ونحن للاسف نستمر في التصرف وكأن العقد لا يزال قائما.

ربما كان بالامكان رفع قضية بهذا المعنى امام مجلس شورى الدولة او امام المجلس الدستوري. وعلى اصحاب الاختصاص ان يساعدوا المواطنين في بناء قضية حول هذا الموضوع الحيوي.

هل من محامين يتطوعون لاعداد ملف للقضية؟ هل من مواطنين مستعدين للتوقف عن دفع الرسوم والضرائب؟

اعتقد أن الحاجة الملحة للخروج من بؤسنا ولتفادي مصيرنا المحتوم، تستحق المحاولة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم