الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الصياد فراس يعاند واقع حال البحر... ولا مفر (صور)

المصدر: "النهار"
طرابلس - رولا حميد
A+ A-

يبدأ فراس تركية نهاره باكراً، ينزل مع شريك إلى البحر قرب الحمام المقلوب في الميناء حيث يخبئ عدة الصيد في مكان مرتفع قليلاً فوق صخور البحر. الشريك هيأ الحشائش البحرية، وينتظر وصول فراس، يقعدان على حافة فاصل باطون ويبدأان فرم الحشائش بسكاكين خاصة منحنية، بقرقعة متناغمة على لوح خشب.

نصف ساعة تقريباً، والطعوم قد جهزت. ينزل فراس إلى البحر، ويحمل وشريكه عدة الصيد، أولها عدة الإبحار. لا يملك زورقاً، أو مركباً لعبور البحر. يعتمد دواليب الهواء الكبيرة للسفر القريب. تنتظره بضعة صناديق من أشرطة الحديد مخصصة لصيد السمك. يربط الدواليب بحبل، ويشقع الصناديق عليها بمساعدة شريكه، بعد أن زودها بالحشائش المفرومة، ويلبس ثوب السباحة، ويبدأ رحلته بجر الدواليب وحمولتها جراً إلى عمق يتيح له السباحة لبقية المسافة التي تقارب الثلاثمئة متر. ثم يمضي سباحة، وبالتدريج، يغيب فراس غاطساً حيناً، وعائماً حيناً في تفحصه لأعماق البحر حيث يمكن وجود السمك. وتغيب حمولة فراس، ويغيب معها مبتعدا إلى الداخل.

بعد فترة قصيرة، يبدأ فراس تنزيل الصناديق، يغوص بكل واحد منها، ويثبته في العمق. وبعد زهاء نصف ساعة، تكون كل الصناديق قد زرعت، فيعود فراس بالدواليب بلا حمولة. يلبس ثيابه المدنية، ويغيب مع شريكه لساعات. "نتفقد الصناديق كل ٣-٤ ساعات"، يقول فراس.

قرابة الظهيرة، يعود فراس وشريكه، يلبس ثوب البحر، يحمل دلوا وسلة بلاستيك مخرّمة لتسهيل تفريغ المياه، وظيفتها استقبال الأسماك العالقة في الصناديق. ويربط الدواليب بالحبل، ويمضي في عودة ثانية لتفقد الصناديق، وجني ما يمكن أن يكون قد علق في الصناديق من أسماك.

خبرة مع بداهة، تمكنه من معرفة كل صندوق أين زرعه. يغوص نحو كل واحد، يتفقده، فإذا حظي بمحتويات مهما كانت قليلة، سحبه إلى سطح المياه، وأفرغ حمولته من السمك في السلة البلاستيك المخرمة. يغوص من جديد لإعادة زرع الصندوق، والتوجه إلى صندوق آخر، وهكذا حتى الانتهاء من كل الصناديق.

يقول فراس: "أحيانا، نعود عدة مرات لأن الصيد قد لا يصح من المرة الأولى"، متابعا أن "اليوم موسم الأبو شوكة الذي يستمر بين نيسان وحزيران، ويشتد الصيد في حزيران".

الصيد في هذا الموسم "يدر علينا بعض المدخول"، يقول فراس مضيفاً: "لكن نعاني من "الجاروفة" التي تقضي على الأخضر واليابس، ووزارة الزراعة لا تعالج مخالفات كهذه، فالجاروفة تستخدم مختلف أحجام الفتحات، ومنها الصغير الذي يقضي على بذور السمك، والصيادون لا يستفيدون من البذور، ويكتفون بالسمك حتى لو كان صغيرا، وبذلك لا يتجدد السمك".

وبنتيجة الصيد العشوائي، تتراجع الثروة السمكية. "في السابق، كنا نصطاد الاخطبوط، والتوتيا بالآلاف، لكن التوتيا اختفت جراء الصيد العشوائي، ولم نعد نصيد ولا حبة توتيا. لا نعرف السر. كان الاخطبوط يأتي في أيلول، ويستمر حتى الكوانين (كانون الأول وكانون الثاني)، لكن أخيراً لم نر إلا فرخاً أو فرخي اخطبوط. والصدف اختفى. البحر لورا"، يشكو فراس من واقع الحال.

ويتابع نهاره، ويقول: "نقضي بضع ساعات بملاحقة السمك، ونمضي بعض ساعات سباحة نتسلى بها، وننتظر الرزقة، ولا نعرف كيف تأتي".

ويردف بلغته العامية، واللكنة المحلية الميناوية: "أوقات منشيل 200 ألف ليرة في اليوم، وأيام خمسمئة الف، لكن أحيانا صفر. ما منشيل شي. وفي عز الموسم قد يصل الصيد إلى ٨٠-٩٠ كيلوغراماً. ويتفاوت حجم الحبات (الأسماك)".

قريبا من الشاطئ، لم يبق إلا الأبوشوكة، وبقية الأصناف انقرضت، ويعدد فراس أصنافها مثل الجربيدي، والحفيشة، واللقز، ويقول: "الجربيدي انقرضت بنسبة عالية، أما اللقز فقد انقرض بصورة تامة، والسبب فوضى الصيد، منه بالجواريف، أو باستخدام السموم، أو التفجير الذي يقضي على البذور، فيموت السمك، ولا يتجدد نسله".

يصارع فراس وشريكه واقع حال البحر، فليس أمامهما، ولا خلفهما، إلا البحر، ولا مفر.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم