الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"المخلوقاتُ لا تعرفك": اللقمةُ التي مضغتها اليوم كانت بمذاقِ إنسان

المصدر: "النهار"
"المخلوقاتُ لا تعرفك": اللقمةُ التي مضغتها اليوم كانت بمذاقِ إنسان
"المخلوقاتُ لا تعرفك": اللقمةُ التي مضغتها اليوم كانت بمذاقِ إنسان
A+ A-

صدرَت حديثاً لدى مؤسسة "الموجة الثقافيَّة" في المغرب، مجموعة منتخبات من الشعر الكردي الذي تناول ثيمة الحرب بعنوان "المخلوقاتُ لا تعرفك" بترجمةٍ من الشاعر السوري جوان تتر، إلى مقدّمتين غنيَّتن إحداهما للباحث المغربي (أشرف الحساني) والأخرى للشاعر الكردي السوري (خوشمان قادو)، ضمّت المجموعة كوكبة من الشعراء الكرد السوريين الشباب من حساسيَّاتٍ مختلفة.

يقول المترجم لموقع ( ) عن مغامرة الترجمة: "حاولت قدر الإمكان أن أكون أميناً للنصّ الأصليّ، وفي الوقت نفسه أن يكون النص في اللغة العربيَّة مستساغاً ومقروءاً"، أمّا عن أساليب وسمات النصوص فيقول: "النصوص مليئة بمفردات الحرب، ونظرة الشاعر الكرديّ السوري الشابّ إلى هذه الحرب التي ما برحت تحرِق كلّ شيء، كيف من الممكن أن ينظر الكرديّ بحساسيَّته المعهودة تجاه الحرب التي يخوضها منذ أن خُلِق ومحاولته في أن يتحصَّل على حقِّه في العيش الكريم مع مجموعةٍ كبيرةٍ من الوحوش التي عمِلت على عهود طويلة في إمحاء ثقافته والحدّ من انتشارها أو توسِّعها. تختلف سماتُ النصوص المُترجَمة ما بينَ مُلغِزٍ وآخرَ مباشرٍ بيدَ أنّه يحتاج إلى إعمال الفكر وتشغيل الخيال إلى أبعد الحدود".

في ما يذهب الباحث المغربي (أشرف الحساني) في معرض تقديمه للكتاب إلى أنَّ "شيرو هندى، خوشمان قادو، جوان قادو، حكيم أحمد، أفين شكاكي، جوان نبي.. كل هذه أسماء شعرية عمد جوان تتر في كتابه "المخلوقات لا تعرفك" إلى ترجمتها ببراعة من اللغة الكردية إلى اللغة العربية إيماناً منه بقيمتها الجمالية وتفردها في المشهد الشعري الكردي المعاصر. وهي تجارب تحتفي بشرودها وتمردها على اللغة و تعمل على بناء شعريتها من الأشياء الصغيرة التي تخلفها الحرب في ذواتنا، إنها بمثابة نداء خفي حول ما يجري اليوم من قتل وتعذيب وترحيل في بقعة جغرافيَّة تشهد عرساً من الدم وداخل شعب طالما ظل يحن منذ شمس الربيع العربي إلى بعض من الهواء النقي".

أمّا الشاعر الكردي السوري الشاب خوشمان قادو فتحدّث في مقدّمته الثانية عن أن "الثورة الشعرية الحقيقية التي كانت لها تأثير واضح على بنية الوعي الكُردي دون أي مقدمات فكرية، مع العلم أنها لم تكن بحسب معايير علمية أو مناهج عقلية وفكرية، إلّا أنها استطاعت أن تؤسس لثقافة أدبية، كانت بعد الثمانينات من القرن العشرين، فأصبح الوعي أداةً لمعرفة الهوية الكُردية، وكلُّ شيءٍ خضع لتأثير ذاك المفهوم الجديد، وأصبح الأدب الساحة الأوسع استيعاباً لتلك المعركة، ومعها تعالت الأصوات للتأكيد على الذات الكُردية، بحيث إنّ الذات الكُردية النقدية لم تكن قادرة على انتهاج الحيادية في توجهاتها. يعود سبب ذلك إلى خضوع الذات الفردية للذات الجمعية في مجتمعٍ طالما كان الكُرد فيه مضطهدين، لذا كان من الضروري أن تكون الحداثة مرافقة لمكونات الأدب والثقافة في المجتمع ذاته، فأدرك الشاعر والأديب الكُردي بأن تراثه وفلكلوره غنيان جداً، ويعتبران خزينة قيّمة يستطيع من خلالهما إنتاج أعمال أدبية رائعة".

مختارات من النصوص المترجَمة:

شيرو هندى:

"قاتل محترف"

اللقمةُ التي مضغتها اليوم كانت بمذاقِ إنسان،

التهمتُ فاكهةَ الخوفِ مع بذورها، وها هي الشجرةُ تنمو بداخلي في هذه اللحظات،

ضَجِرتُ من تِعداد ضحاياي...

كلَّ يومٍ أدفع جسدي للحياة، لأقود من يقودونني

خلسةً، جارتي تغنّي لحديد النافذة..

وأنا خلسةً أبكيها.

مدينةٌ - جيفةٌ تجمّعنا حولها

أغنيةٌ قديمة تغدو لِحافي، وفجراً أستيقظُ داخل رماد.

**

ابن آوى خلف تلك الهضاب البعيدة، يختفي عن طلقات جنديّ نَزِق،

أترى؟

القَطَا التي حطّمت قدمَها حصّادةٌ، والديدان التي تحفر عميقاً داخلَ أشلاءٍ بشريَّة طازجة،

أَتسمع؟

أطفال الجنّ الحُفاة، أصحاب المناقير الشبيهة بمناقير البوم، قد أحنَت ظهورها خيفةَ راعٍ مراهق،

أَتعرفهم؟

والفراغ الذي يخرس أمام الضوء،

أَتسمعه؟

المخلوقاتُ كلها، تلك، لا تعرفُكْ...

خوشمان قادو:

"غبارٌ أبيض"

- في تلكَ الأثناء، كان الدمُ يتجمّد في شرايينه، يداه وقدماه تتنمّلان، بياضٌ يحيطه، التراب يتهاوى ببرودته، الغبار يقضي على أنفاسه، يتهاوى الرخام عليه حين ينظرُ للأعلى، بخفّةٍ يزيح رأسه جانباً، وآنَ يفتح عينيه يبصر رأسه لصق حافّة السرير.

فَزِعَةً تمدّ الزوجة يدها لكأس الماء المركونة جانباً, هُنيهة تؤوب أنفاسه إليه:

*اعذريني، ولكن الحلم لا يدعني وشأني.. قال للزوجة.

بانفعالٍ يغادر الفراش، يتجه صوب غرفة الأطفال كي يمازحهم قليلاً، ومن ثمّ يغادر إلى إيوان البيت؛ لتبصر عيناه النافذة ويصرخ:

مرّة أخرى تركتم النافذة مفتوحة، الآن كيف سنحمي أنوفنا من هجوم رائحة الدواء؟

حين مغادرتهِ المنزلَ إلى العمل، يحمي أنفه بيده من دون أن ينظر إلى المشفى، ومع وصوله إلى المدرسة، وبريق الحياة الذي يومِضُ من أعين التلاميذ، لحظتها ينسى كلّ شيء.

كلّ ليلةٍ وعند هبوط العتمة، كانت السماء تُرديه قتيلاً، بخوفٍ غير معلن يضعُ رأسه على الوسادة، لترتّل له زوجته بضع كلمات، هكذا كانت الحياة قبراً ضيّقاً له.

في ذلك الصباح، رائحة ندى الأزهار توقِظُ شدوَ العصافير، السريرُ كان لطيفاً والراحة تحتضنُ المكان، مندهشاً فتح عينيه وبغبطةٍ جال بنظره الأنحاء، صامتاً غادر الفراش، بقلبٍ فَرِحٍ تجوّل في المنزل، يفتح باب غرفة الأطفال ليراهم ثم يغلق الباب هادئاً، يغنّي في قلبه أغنية، وبابتسامةٍ يقترب من النافذة ليتبدّى له الخارجُ بهيَّاً، تلتقي عيناه بباب المشفى رائياً جثة رجلٍ ممدّدةً على السرير تُخرَج وتوضعُ خلف عربةٍ، كان ثمّة رخامٌ وشاهدةُ قبرٍ كذلك.

جوان قادو:

"عينانِ يَقِظتان:

طِوالَ الأيَّام، ما من شيءٍ يثيرُ انتباهي!

من برد هذا الخمول الغاضبِ الغيور، أصنع لعبةً تطاردكَ كلعنةِ يتيمٍ، تحطّمُ بيوضُ السَكينَةِ في دماغك.

لَن تُبصِرَ شيئاً بعدَ الآن!

عينان وحشيّتان ستنبتان داخلك... عينانِ يقِظتانِ لن ترقدا أبداً..

لن تلحَظ بهما سوى همسات العجائزِ الخَرِفَة، حشرجاتِ المحتَضَرين، وخيوطَ الألمِ المسحوبةِ من الجرحْ.

ستغدو دميةَ كوابيسَك، وتارةً، أمامكَ، ساخرةً منك روحُ خوفكَ المحمومَة ستفقأ ثآليلها التي كحبّاتِ الرمَّان، تكرهكَ، لتحبّ الخراب المكدّس في روحك، أكثر.

حكيم أحمد:

"لوحدي"

قامشلو، نفضَتني عن فُستانها،

قطعانُ العفاريتِ المتوّحشة تتجمّع ساخرةً منّي،

بمفردي أصبحتُ صورةَ قاتلٍ مثبتةٍ بالسماء:

هؤلاء أيّها الإله من ملأوا حضن أمي أشواكاً، مع أنّها كانت تربّي الدموع...

الزقاقُ كان يضيقُ بي، والقريةُ تمدّ لسانها

فَزَزتُ من النومِ

إيييييييييه...

هذه المرّة لن أنام وحدي، سوف أصطحبك معي إلى الحلم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم