الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

إمام أوغلو يكرّس نفسه خصماً قوياً لإردوغان... اليوم اسطنبول وغداً تركيا

المصدر: "النهار"
إمام أوغلو يكرّس نفسه خصماً قوياً لإردوغان... اليوم اسطنبول وغداً تركيا
إمام أوغلو يكرّس نفسه خصماً قوياً لإردوغان... اليوم اسطنبول وغداً تركيا
A+ A-

وتشكل خسارة أردوغان اسطنبول، بعد خسارته أنقرة في انتخابات آذار، ضربة قوية للرجل القوي لتركيا، وخصوصاً أن المدينة التي كانت نقطة انطلاق لحياته السياسية في التسعينيات، صارت مركزاً لشبكة رعاية واسعة تمتد إلى البناء والرعاية الصحية والرياضة.

وصنع  إمام أوغلو المفاجأة للمرة الأولى في 31 آذار الماضي عندما انتزع الصدارة في انتخابات كبرى المدن التركية وعاصمتها الاقتصادية وفاز على مرشح الحزب الحاكم رئيس الوزراء السابق بن علي يلديريم. ومذذاك، نزل إردوغان بثقله لإلغاء نتائج التصويت. إلا أن قراره ذاك ألحق على ما يبدو ضرراً كبيراً بسمعته وأثار غضب ناخبين كثراً، حتى في صفوف قاعدته المحافظة، فانقلب السحر على الساحر، الأمر الذي أتاح للمرشح الشاب توسيع قاعدته، رغم محاولات الحزب الحاكم إضعافه بوسائل شتى، بينها تسويق معلومات بأنه يوناني الاصل.

ومع ذلك، لم ينم إمام أوغلو على حرير. فعلى الورق، كان يلديريم خصمه السياسي، ولكن عملياً كان منافسه الرئيسي أردوغان. فعندما فاز المرة الأولى، كان الرئيس التركي هو الذي اتهم المعارضة بسرقة الانتخابات ودعا الى اعادة فرز الاصوات وحض اللجنة الانتخابية على الغاء النتائج.

وقبل اعادة التصويت ، وضع وكالة الانباء الرسمية المكلفة تقديم معلومات مباشرة عن نتائج الانتخابات تحت سلطة مديرية الاتصالات الخاصة به. وفي 17 حزيران، صرح بأن إمام أوغلو لا يستطيع أن يكون رئيساً للبلدية إذا لم يعتذر لحاكم محلي تشاجر معه خلال زيارة لإقليم على البحر الأسود. وخلال اليومين التاليين، اتهم أردوغان خصمه بصلات إرهابية وشبهه بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مستغلا وفاة الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي أمام المحكمة والتي اتهم بها السلطات المصرية. وقال أمام حشد: "يوم الأحد سنقول نعم لبن علي يلديريم...أو هل نقول نعم للسيسي".

لم يكن غريباً أن يلجأ أردوغان الى مثل هذا السلوك الغريب نظراً الى ما تمثله اسطنبول بالنسبة إليه. فخسارته اليوم المدينة التي تعد 16 مليون نسمة والساحة السياسية الاهم لتركيا ومركز ثقلها الاقتصادي، قد تعني خسارته تركيا غداً.

في اسطنبول، خاض أردوغان معمودية النار في مسيرته السياسية. كرئيس لبلديتها في تسعينات القرن الماضي، نجح في مكافحة الفساد وتحسين النقل العام، واكتسب سمعة العامل الجدي. وعندما صار رئيساً، حوّل المدينة ورشة بناء ضخمة ومعرضاً لمشاريعه المثيرة للجدل، بما فيها جسر ثالث فوق البوسفور والمسجد الاكبر في تركيا ومطار عملاق جديد. لذا خاف أردوغان من أن تكون المدينة التي دفعته الى مناصب عليا، تكرر الامر نفسه مع إمام أوغلو.



وفي بضعة أشهر، صار إمام أوغلو وجهاً لتركيا أكثر انفتاحاً بعيدة كل البعد عن رؤية أردوغان لتركيا محاصرة بالاعداء، بمن فيهم أوروبا وأميركا، ومنقسمة بين قوميين وخونة. وحوله فوزه الأول في آذار نجماً للمعارضة التركية ولا شك في أن فوزه اليوم سيجعل منه منافساً رئاسياً محتملاً قوياً.

إمام أوغلو...من هو؟

لم يكن إمام أوغلو( 49 عاماً) معروفاً من قبل لكنه هزم حزب إردوغان عام 2009 عندما فاز برئاسة حي منطقة بيليكدوزو في الجانب الأوروبي من اسطنبول.

هو يعتبر من النجوم الصاعدين في سماء السياسة التركية، وينتمي إلى جيل الشباب نسبياً مقارنة بقيادة حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه ويتزعمه كمال كليجدار أوغلو البالغ من العمر 71 عاماً.


من مواليد مدينة طرابزون بشمال تركيا، وخريج كلية إدارة الأعمال في جامعة اسطنبول، وينحدر من أسرة متدينة ومحافظة من الناحية الاجتماعية لكن لها تاريخ طويل في العمل السياسي، فوالده مؤسس فرع حزب الوطن الأم بزعامة رئيس وزراء تركيا الراحل تورغوت أوزال في طرابزون.

اعترف إمام اوغلو بأنه ينحدر من أسرة محافظة، لكنه أصبح أكثر تحرراً وتبنى القيم الديموقراطية الاجتماعية خلال مرحلة دراسته الجامعية.

ولم ينخرط في العمل السياسي حتى عام 2008، وهو عام انضمامه إلى حزب الشعب الجمهوري. وبعدها بسنة انتزع رئاسة بلدية حي بيليكدوزو من حزب العدالة والتنمية.

خاض حملته الانتخابية بجدارة وحكمة، متفادياً إثارة الانقسام واستفزاز الناخبين. ولجأ إلى خطب ودّ مختلف قطاعات الناخبين.

وكان يتوجه الى الناخبين في الأحياء التي تعتبر معقل حزب العدالة والتنمية، ويتجول في شوارعها، ويتحدث إلى الناس في مسعى لكسب ود المواطنين العاديين.

اسطنبول

وتعتبر اسطنبول التي تملك ناتجاً محلياً إجمالياً أكبر من الناتج المحلي الإجمالي للبرتغال وميزانية تتجاوز 4 مليارات دولار ، بقرة نقدية للشركات المقربة من الحزب الحاكم. فوسط طفرة المشاريع الاعمارية للمدينة على مدى العقدين الماضيين، حقق المطورون مليارات الدولارات. وساعدت إدارات حزب العدالة والتنمية المتعاقبة في تحويل إسطنبول إلى اقتصاد ريعي.

وتدير بعض الجهات الفاعلة الرئيسية في المقاولات بعض أكبر المجموعات الإعلامية في تركيا. وبالنسبة إلى أردوغان ، فإن السيطرة عليهم تعني السيطرة على الصحافة.



وتثير خسارة حزب العدالة والتنمية مشكلة لعدد من المؤسسات المقربة من أردوغان. فقد أظهر تقرير صدر أخيراً أن مؤسسات يديرها أولاد الرئيس وأصدقاؤه، إضافة إلى مجموعة من الجماعات الإسلامية حصلت على 100 مليون دولار كدعم من البلدية بين عامي 2014 و 2018.

وجمعت "تورغيف" التي يضم مجلس إدارتها ابنة إردوغان، زوجة مدير اتصالاته وعمدة مدينة اسطنبول سابقًا، نحو 51.6 مليون ليرة (8.8 ملايين دولار). وحصل نادي الرماية برئاسة أحد أبناء الرئيس على 16.6 مليون ليرة. ومن المعروف أيضاً أن هذه المؤسسات تستفيد من ثروات من الخارج.

وتعهد إمام أوغلو قطع التمويل البلدي لمثل هذه المجموعات التي ادعت على صحافي وثق الدعم في وقت سابق من هذا العام. وفي 14 حزيران، قبلت محكمة في اسطنبول لائحة اتهام بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات ضد اثنين من صحافيي بلومبرغ، وخبير اقتصادي شهير، وعشرات آخرين في الصحافة ووسائل الإعلام الاجتماعية "يستهدفون الاستقرار والنظام الاقتصادي في تركيا".

وتأتي خسارة اسطنبول ذلك في وقت حساس للرئيس الذي يجهد لإصلاح الاقتصاد التركي الذي ضربه الركود ، ومن المقرر أن يجتمع مع الرئيس ترامب في نهاية الأسبوع في محاولة لنزع فتيل المواجهة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.


ومع أن ولاية إردوغان تمتد حتى 2023  وحزب العدالة والتنمية يسيطر مع إحليف قومي  على الغالبية في البرلمان، لكن الهزيمة في اسطنبول تكشف تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية بثبات وسط معاناة البلاد ضيقاً اقتصادياً منذ منتصف العام الماضي وتوقف مفاجئ للنمو ودخول البلاد في الركود خلال فصل الشتاء وتراجع الليرة التركية وارتفاع التضخم.

وكتب الصحافي التركي المخضرم مراد يتكين أخيراً أنه "إذا فاز إمام أوغلو، ستكون هناك سلسلة من التغيرات في السياسات التركية...فوزه سيعتبر بداية أفول حزب العدالة والتنمية وأردوغان".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم