الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الإهمال والتهميش قسّما سيناء

مهى سمارة
الإهمال والتهميش قسّما سيناء
الإهمال والتهميش قسّما سيناء
A+ A-

يشكّل شمال #سيناء الجيب الرخو في منظومة الأمن المصرية، فمنذ 2012 تحوّلت المنطقة إلى ساحة حرب بين رموز الدولة من جيش وقوى أمن وجماعة "الإخوان المسلمين" الذين فرّوا إلى شبه الجزيرة الصحراوية النائية والبعيدة هرباً من عيون السلطة.

على مدى سبعة أعوام وشمال سيناء تعيش جحيماً. اشتباكات ومواجهات صاروخية ومدفعية يومية وأسبوعية بين عناصر القوات المسلّحة والخارجين على القانون من جماعات تكفيرية تناصب العداء للدولة وتعمل على تقويضها وتغيرها بقوة السلاح والقتل والخطف وجميع أنواع التشبيح.

تاريخياً، عرفت شمال سيناء جماعات سلفية صوفية كان الجيش يؤمن لها الحماية. في 2012 تأسّست منظمة ارهابية دعيت باسم "أنصار بيت المقدس" استقطبت البدو والقبائل، خصوصاً قبيلة السوارقة، أكبر قبائل شمال سيناء وأخطرها التي بدأت بشن اعتداءات على الجيش بمساعدة غرباء قدموا من القاهرة وليبيا ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين.

بعد سنتين في 2014 أعلنت "انصار بيت المقدس" ولاءها لداعش وبايعت أبو بكر #البغدادي وغيّرت اسمها إلى ولاية سيناء، وأصبحت تالياً أول فرع لـ #داعش خارج سوريا والعراق.

من وقتها، وشمال سيناء لا تعرف الهدوء ولا الحياة الطبيعية، التي أصلاً لم تكن متوافرة في بيئة قاسية متخلّفة وبعيدة.

انتشار تجّار المخدرات ومهرّبي السلاح والبشر والجماعات التكفيرية حول بلاد الفيروز وأرض النخيل والشواطئ الرملية البيضاء اللامتناهية إلى حرب استنزاف وكرّ وفرّ مع أفراد الجيش وقوى الأمن والقضاة والموظفين الاداريين المحليين.

الثغرة التي مكّنت الجماعات الإسلامية التكفيرية من الوجود في شمال سيناء هو ضعف حضور الدولة المصرية عسكرياً وأمنياً وانمائياً، والتي شكلت ملاذاً للإرهابيين الباحثين عن ملجأ. توافر المال في حوزة القادمين الجدد ساعد في تثبيت اقدامهم بسرعة نسبياً بعدما اشتروا ولاء البدو والقبائل وأمّنوا لهم المظلة الواقية التي تستطيع حماية أعمال التهريب والإجرام والسرقة التي يمتهنونها.

يقدر عدد سكان شمال سيناء بـ60 الفاً ينتمون إلى 26 قبيلة أهمها السوارقة والطرابين والحيوات والارميلات الذين يتعاطون الزراعة والتهريب والاتجار بالمخدرات. توجد أقلية مسيحية قديمة ومرتبطة بدير القديسة كاترينا الذي يرجع بناؤه إلى القرن السادس والتابع لبطريركية الاقباط الأرثوذكس في القاهرة.

خلال انتفاضة 25 كانون الثاني/يناير في 2011 تضاءل الوجود الحكومي في شمال سيناء. وجاء وقت بعد سقوط الرئيس مبارك اختفى مع انتشار الفوضى وتصعيد المواجهة في ساحات القاهرة والاسكندرية وشوارعها. أثناء ذلك توسّعت وكثرت حوادث الخطف والاغتيالات في شمال سيناء وارتفعت أعداد القتلى والأسرى بين الجهاديين وضبّاط وعناصر الجيش بعدما قامت الجماعات الإسلامية بتهديد البدو والقبائل بالانضمام إلى صفوفها ضماناً لسلامتهم وسلامة عائلاتهم. وتالياً استطاعت توظيفهم واستغلالهم في الاعتداءات على مراكز الجيش والمؤسسات الحكومية.

وهكذا تحوّلت شمال سيناء إلى بؤرة حرب مجزّأة ميدانياً وجغرافياً بين الجيش وولاية سيناء التي استطاعت السيطرة على مساحات واسعة من الأرض التي لا تستطيع الدولة الوصول إليهم برّاً بل ملاحقتهم بغارات جوية وقصف مدفعي من بعد.

وأدّى التدهور الامني بعد تدمير البنى التحتية والمرافق الصحية والتعليمية وانقطاع الكهرباء والماء إلى هجرة عديد من الأهالي منازلهم وأرزاقهم. كما تعمّد التكفيريون الاعتداء على المحال التي تبيع الكحوليات والمملوكة من مسيحيين، الأمر الذي أدى إلى فرار أكثر من اربعين عائلة مسيحية من أم زويد إلى الاسماعيلية وبور سعيد.

تعزّز حضور وسيطرة الجماعات الإسلامية بعد تولّي الإخوان المسلمين الحكم في القاهرة. خلال عهد محمد مرسي القصير سمح لـ 2500 جهادي أطلقوا من سجون القاهرة وليبيا للاستيطان في شمال سيناء. كما سمح لهم بحرّية الحركة والتجوّل واقامة مهرجانات عسكرية الطابع تعرض فيها الأسلحة الثقيلة في الهواء الطلق.

عندما تولّى الرئيس السيسي الحكم كان النظام مشغولاً بتثبيت سلطته في القاهرة فأهمل حوادث شمال سيناء واعتبرها إشكالات عادية، لكن نقطة التحول كانت إسقاط الطائرة الروسية واستشهاد 224 راكباً روسياً بصاروخ اطلقه أحد وجهاء السوارقة من ولاية سيناء يدعى أبو أسامة المصري احتجاجاً على التدخل الروسي في سوريا، فسلّطت الأضواء مصرياً وإقليمياً ودولياً لما يجري في سيناء.

ومن جراء هذه الحادثة (خريف 2015) تأثرت السياحة المصرية لأشهر وسنوات وتراجع الموسم السياحي في شرم الشيخ ممّا حرم الخزانة المصرية من ايرادات بالعملة الصعبة كانت توصف بالدجاجة التي تبيض ذهباً لكونه المدخول الثاني للدولة بعد قناة السويس.

من وقتها وضعت الحكومة المصرية حماية عسكرية وامنية كبيرة في منتجعات شرم الشيخ والطرق السريعة في سيناء. كما استقبلت وفوداً من حماس لضبط وحماية الحدود في رفح ومنع تورّط عناصر من المقاومة الإسلامية في تهريب السلاح والبضاعة الاستهلاكية في ما يعرف "بتجارة الإنفاق" التي كانت تدرّ أموالاً كبيرة للمهربين في شمال سيناء.

حادثة الطائرة الروسية صوّبت الأنظار إلى الانقسام الجغرافي والوظيفي بين شمال سيناء وجنوبها. الشمال كملعب للمجرمين والمهرّبين والارهابيين حيث تدور شبكات المخدرات وتجارة السلاح وعمليات الخطف والاغتيالات. بينما الجنوب مرتع للاستجمام واللهو والسهر والسياحة يقصده ألوف السياح من شمال أوروبا وروسيا ودول الخليج للتمتع بالشمس الدافئة والمياه الصافية وشعب المرجان الجميلة.

سيناء هي الأرض المصرية الوحيدة الموجودة في آسيا، تبلغ مساحتها 60 ألف كلم مربع، عدد سكانها يربوا على 1,400,000 نسمة. وهي تقع بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الاحمر، هي شبه جزيرة مثلثة الشكل تربط أفريقيا بآسيا. موقعها الجغرافي والاستراتيجي جعلها جسر عبور لمئات الآلاف من اللاجئين الأفارقة القادمين من جنوب السودان وأريتريا وأثيوبيا للهجرة والعمل في إسرائيل، حيث يتولى المهربون من شمال سيناء عبورهم مقابل دفعات مالية سخية.

عرفت سيناء الاحتلال الاسرائيلي خلال حروب 1948 و1956 و1967 و1973. وفي 25 نيسان من كل عام تحتفل #مصر، حكومةً وشعباً، بعيد تحرير سيناء من الاحتلال بموجب اتفاقيات "كامب دايفيد" بين إسرائيل ومصر.

يحمل سكان شمال سيناء ضغينة وعتباً وكرهاً لمن يحكم القاهرة، فيشعرون بالعزلة ويعتبرون أنفسهم مواطنين درجة ثانية نتيجة الاهمال والتهميش والتجاهل وعدم الاهتمام بتنمية سيناء وتحسين اوضاع سكانها.

يحسدون اخوانهم في جنوب سيناء الذين استفادوا من النهضة العمرانية والانفتاح السياحي والازدهار والاضواء بينما هم يعيشون في الظلام والحرمان والفقر.

شعور عدم الثقة والانسجام والتفاعل بين حكام #القاهرة واهالي شمال سيناء تركهم لقمة سائغة وصيداً سهلاً للإرهاب. عرف "داعش" وأخواته استغلاله وملء الفراغ خصوصاً أن الإرهاب يبحث عن بؤر الفوضى والفقر لينمو في كنفها.

عصابات شمال سيناء طوّرت قدراتها ووسعت ونوّعت أعمالها مع الوقت، بعد مدّ أنابيب الغاز المصرية إلى الأردن واسرائيل عبر سيناء تعرضت خطوط الانابيب إلى النسف والحرق عدة مرات ولم تتوقف إلا بعد دفع فديات مالية موسمية. كما نشطت أعمال خطف الاجانب وأثرياء القبائل الذين لم يطلق سلاحهم إلا بعد ترضيات مالية.

التمايز بين جنوب وشمال سيناء ولّد حسداً وغيرة بين سكان المنطقتين. أهل الشمال يحملون الدولة مسؤولية تخلّفهم وحرمانهم من الوظائف والانماء والاستقرار، في الوقت كانت منطقة شرم الشيخ تنعم بالحياة العصرية والبذخ واللهو والسهر.

انغمس أهل الشمال في الجريمة المنظّمة وتهريب المخدرات، إنما اكتشفوا ولو أخيراً أهمية زراعة الحشيشة والأموال التي يمكن أن تدرّها هذه الآفة. في السنوات الأخيرة أخذ بعضهم يتسلّلون ويزرعون السفوح والجلالي المحيطة بدير القديسة كاترينا للأقباط الأرثوذكس ويبيعون المحصول إلى تجار في القاهرة الذين يتولون تصنيعه وتوضيبه وبيعه إلى إسرائيل وأوروبا والاسواق المحلية.

زراعة وتجارة الحشيشة خلقت طبقة جديدة غنية من أبناء البدو والقبائل يعيشون في فيلات فخمة ويقودون سيارات جديدة رباعية الدفع ويدخنون السيكار. يبقى الانماء والانماء البشري بعيدين بانتظار بناء مدن جديدة والاستفادة من الثروة النفطية والغازية.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم